ينتاب عالمنا المعاصر قلق بالغ بسبب الجائحة المرضية التي تجتاح دوله بغض النظر عن نظمها السياسية ومستوى تطورها الاقتصادي -الاجتماعي وتزداد خشية البشرية من استمرار انتشار كرونا الواسع وتأثيراته الكارثية على الدول الوطنية التي لا تتمتع بأنظمة صحية فاعلة واقتصادات وطنية قوية ونظم سياسية ديمقراطية.

-- وبسبب تلك المؤشرات تواجه الدول الوطنية مشاكل عديدة نابعة من طبيعة نظمها السياسية وضعف هيمنة الدولة على مؤسساتها الصحية فضلا عن هزال ملكيتها للأدوية الضرورية التي تخفف من طغيان الكوارث الطبيعية والصحية.

-- سيادة أسلوب الإنتاج الرأسمالي في الدول الوطنية وانتشار البطالة فضلا عن عدم إمكانية الرأسمالية العالمية في الحد من تأثيرات هذه الجائحة المرضية تفاقم المخاطر المعيشية والصحية في الدول الوطنية وشعوبها الفقيرة.

–اعتمادا على تلك الرؤية دعونا نتوقف عند أشكال التصدي لهذه الجائحة المرضية وتجلياتها في مستويات التشكيلة الرأسمالية العالمية متوقفين عند مستلزمات بناء أنظمة اجتماعية قادرة على التصدي لكوارث الآفات الطبيعية وما تنتجه من مشاكل بيئية وإنسانية.   

استنادا الى تلك الرؤية المنهجية العامة أحاول تلمس مكامن الضعف والقوة في المعركة التي تخوضها دول التشكيلة الرأسمالية العالمية ضد الجائحة المرضية.

 - قبل الخوض في التفاصيل لابد لنا من التوقف عند سمات الكفاح الدولي المتصدي للجائحة المرضية والتي أراها في الموضوعات التالية --  

أولا - عدم نجاح دول التشكيلة الرأسمالية العالمية بأطرافها المتطورة منها والضعيفة في الوصول الى الوسائل القادرة على تحجيم الاثار السلبية لهذه الجائحة والحد من خسائرها البشرية والمادية.

ثانيا – اعتماد دول التشكيلة الرأسمالية العالمية على الروح الانعزالية وتوجهاتها الوطنية المناهضة لهذا الغازي الجديد وعدم تقدير أهمية التعاون الدولي المشترك.

ثالثا--عجز دول الرأسمالية المتطورة عن إيجاد الوسائل والأدوات الضرورية القادرة على كبح انتشار كرونا القاتل والحد من تأثيراته السلبية على المؤسسات الاقتصادية.

رابعاً– تكبد دول العالم الكثير من الخسائر الاقتصادية والمادية نتيجة لتوقف أنشطتها الاقتصادية- الخدمية الامر الذي أدى الى ركود الدورات الإنتاجية لدول العالم.

خامسا – اصرار دول الرأسمالية الكبرى على سياسية العقوبات الاقتصادية ضد الدول الوطنية الرافضة لسياسية التبعية والتهميش رغم تأثرها بالجائحة المرضية.

ان الاضرار الاقتصادية – الخدمية الناتجة عن عدم التعاون الدولي وتفرد الدول الرأسمالية المتطورة ومعالجاتها الأحادية لهذه الجائحة انتجت سلبيات كبيرة على مستقبل تطور الدول وبناء علاقاتها الدولية.

اعتمادا على الموضوعات المثارة نتوقف عند مفصلين أساسيين الأول منهما إعادة بناء الدول الوطنية وثانيهما بناء علاقات دولية جديدة تعتمد المسؤولية الدولية لاغية بذلك سياسة العزل الدولي والعقوبات الاقتصادية.

المفصل الأول – إعادة بناء الدولة الوطنية

تعج دول التشكيلة الرأسمالية العالمية بأنظمة سياسية تعتمد أساليب استبدادية فضلا عن قوانين التبعية والتهميش التي تنتجها الدول الرأسمالية ضد الدول الوطنية المحاطة بالفقر والبطالة.

-- تأسيساً على ذلك لم تعول شعوب الدول الوطنية كثيرا على مساعي نظمها السياسية الهادفة الى الحد من الازمات الاقتصادية -- المرضية رغم كثرة إجراءاتها السلطوية الرامية الى الحفاظ على وحدانية سيطرتها السياسية.

- التغيرات السياسية والاقتصادية في دول العالم بعد انحسار الجائحة المرضية تشترط علاقات اجتماعية جديدة أراها بالمؤشرات التالية --

أولا- اعتماد أساليب اقتصادية إدارية قادرة على الحد من تأثيرات الركود الاقتصادي في دول التشكيلة الرأسمالية العالمية وما يسفر عنه من ازدياد معدلات البطالة.

ثانيا – انحسار الإمكانات الفعلية لكفاح الطبقة العاملة ولجوئها الى أساليب كفاحية تفضي الى مساومات طبقية بين القوى الاجتماعية الفاعلة في التشكيلات الرأسمالية العالمية.  

ثالثا – نمو وتطور الطبقات الفرعية – الطبقات الكمبورادورية – والشرائح المالية الطفلية --وتزايد ادوارها السياسية في الدول الوطنية وما ينتجه ذلك من اشتداد الطابع الطفيلي للاقتصادات الوطنية.

رابعا –اشتداد النزعات الإرهابية لدى السلطات الكمبورادورية والطبقات الفرعية الحاكمة رداً على المطالب الشعبية الهادفة الى توفير الخبز والعمل.

 خامسا – بسب عالمية الاضرار الاقتصادية والاجتماعية في دول التشكيلة العالمية الرأسمالية تسعى الطبقات الفرعية الى التحالف مع الدول الرأسمالية الكبرى لغرض تعزيز سيطرتها الطبقية على السلطات السياسية.

سادساً -- اتساع القاعدة الاجتماعية للأحزاب اليسارية – الديمقراطية بسبب مطالبتها بالخبز والعمل وما يشترطه ذلك من اشتداد النزاعات الطبقية الوطنية.

ان الدالات السياسية - الفكرية المشار اليها تفرض على القوى الديمقراطية واليسارية اعتماد أساليب نضالية فاعلة في كفاحها الطبقي لغرض تحقيق اهداف وطنية أهمها –

 أولا -- بناء جبهات يسارية ديمقراطية تضم الطبقات الأساسية والشرائح الاجتماعية المتضررة من النهوج الطبقية للقوى الفرعية الهادفة الى ادامة الفقر والسيطرة الأجنبية.

 ثانياً -- التركيز على بناء سلطات الدولة الوطنية على أساس الشرعية الديمقراطية -الانتخابية لغرض التأثير على السلطة السياسية وتحقيق البرامج الوطنية لأحزاب الجبهات الشعبية.

ثالثاً -- تنفيذ البرامج الاقتصادية في الدول الوطنية الهادفة الى تخفيف الضائقة الاقتصادية على الطبقات الاجتماعية الضعيفة والسير بالبلاد نحو تحجيم التبعية الاقتصادية للدول الرأسمالية الكبرى.  

رابعاً – اقصاء الطبقات الفرعية وايدلوجية التبعية للخارج الرأسمالي والتخلص من التبعية الاقتصادية وتحالفات الطائفية السياسية الإقليمية.

خامساً - بناء دولة العدالة الاجتماعية المعتمدة على المساواة والتعايش الطبقي بين طبقات وفئات التشكيلة الاجتماعية الوطنية.

ان الموضوعات المثارة الهادفة الى إعادة بناء الداخل الوطني تتكامل مع بناء علاقات دولية تتلون بسمات جديدة يشترطها تعافي العالم من الجائحة المرضية والركود الاقتصادي.    

المفصل الثاني -- ملامح العلاقات الدولية الجديدة.

في خضم التطورات الدولية المتسارعة التي أحدثها مرض كورنا وما ينتج عنه من بوادر انهيارات اقتصادية -مالية - دولية تبرز أهمية تعاون الاسرة الدولية بعيدا عن الهيمنة والتبعية الهادف الى بناء علاقات دولية جديدة تنبثق ملامحها من الموضوعات التالية–

أولا- إقامة علاقات دولية متوازنة تشكل مساواة السيادة الوطنية بين الدول أساسها القانوني.

ثانياً –تطوير التعاون بين دول التشكيلة الرأسمالية العالمية على قاعدة العمل الدولي المشترك الساعي الى إزالة الأخطار الناشئة عن انتشار الاوبئة والأزمات الاقتصادية.

ثالثاً – الدفاع عن السلم والامن لشعوب دول التشكيلة الرأسمالية العالمية ومنع الحروب الاهلية بين القوى المتنازعة في التشكيلات الاجتماعية الوطنية.

رابعاً – احترام تطور التشكيلات الاجتماعية الوطنية المستقلة ومساعدتها بحل نزاعاتها الوطنية ناهيك عن التخلي عن سياسة الانحياز لجانب أحد الأطراف المتنازعة.

 خامساً -عدم التدخل في اختيار الشعوب لطرق تنميتها الاقتصادية الهادفة الى تطور تشكيلتها الاجتماعية وحماية مصالحها الوطنية.

سادساً–بناء علاقات دولية تستند على التعاون الدولي المشترك وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتخلي عن سياسة التبعية والتهميش والالحاق في العلاقات الوطنية .

ان المسؤولية الأخلاقية تكمن في بناء عالم متكافئ بين الدول ومصالحها الوطنية مرتكز على التصدي لطبيعة المخاطر السياسية والاجتماعية والبيئية المواجهة لوحدة البشرية ومسار تطورها الأمن.

 

 

 

عرض مقالات: