من يحدّق في الكأس جيدا، لا بدّ ان يرى النصف الثاني ممتلئا، وقد يكون هذا سببا كافيا للتفاؤل، فمن غير الممكن لاي قوة ان تسلب المستقبل من الجيل الناشئ الجديد، على الرغم من تميز المرأة العراقية على مرّ الأزمان وفي كافة المجالات (العلمية والأدبية والسياسية)، اذ سجلت حضورا مضيئا في ذاكرة الكفاح الوطني، الاّ انها اليوم اصبحت عنوانا باهرا لصفحة مشرقة من تاريخ بلد الحضارات، هذه الصفحة هي امتداد لمسيرة نضالية طويلة، فكانت بحق الركلة التي أهلتنا الى الصعود في مصاف النهائيات!
اقول حين يخرج النصف الناعم من المجتمع الخشن الى الشارع محتجا، فهذا يعني ان الأزمة حقيقية وقد وصلت الى درجاتها القصوى، ويتحتم علينا عمل شيء يعيد الطمأنينة الى قلب السلام والأمان (المرأة) عندما تتسارع نبضاته خوفا على حياة ابنائه، فيخرجن من قمقمهن، قويات الارادة، عزيزات الكرامة، ملهمات الشباب على ان لا يتركوا منصات الانتفاضة قبل التحرر من جشع السياسيين المتهافتين على الحقائب.
فعلا كان ظهورهن في ميادين التظاهر نقطة تحول جعلتها كبيوت عائلات فتزيّنت بالحسنِ والحميمية.
شعار (صوت المرأة ثورة وليس عورة)، الذي رفعته حنجرة لم ترتعش، فكسرت المرأة القيود المفروضة عليها، ووقفت مرفوعة الرأس امام الشوفينية الذكورية، واظهرت قدرة استثنائية على التهكم والسخرية من الاساليب الماكرة لبعض ممتهني السياسة، وفضحت وأربكت حسابات تجار خمس نجوم ومستثمري المشاريع السياحية التي ترى المرأة مجرد عرض رخيص لمضاعفة الارباح، لقد استطاعت ان تقلب المعادلة وتغير الاتجاه وتصنع كرنفالا حقيقيا تعبويا ومفعما بالجمال والأمل والحرية.
الجيل الجديد من النساء، اتخذ قراره الذي لا رجعة فيه ولا تراجع عنه، هو يرفض سياسة تكميم الأفواه، سواء الأفواه التي تريد الاكل او الأفواه التي تريد أن تتكلم، لا يقبل بالعودة الى التعايش مع الابتذال والنظرة الدونية للنصف الثاني من المجتمع، لن يرضى أن يُحكم بأدوات القرون الوسطى بينما يعيش في الألفية الثالثة.
ستواصل المرأة العراقية كفاحها ضد الفساد والاضطهاد وكلّ اشكال الاكراه والاجبار والتقييد، ووجودها اليوم الى جانب الرجل في ساحات التظاهر هو شعور منها أنّ البلاد أُصيبت بمرض بالغ الاثر، ادى الى فشل اجهزة الحياة والحركة في النخاع الشوكي، لذا المسؤولية تقع عليها بالبحث عن علاج رغم التكلفة الغالية التي دفعتها وتدفعها.

عرض مقالات: