توالت الكثير من وثائق "الشرف" على العراقيين، خاصة تلك التي تحمل عنوان " المصالحة الوطنية". المصالحة هذه تبدأ بلقاء " الزعلانين" من قادة الأحزاب والكتل المتنفّذة في السلطة في بيت "متواضع جدا" لأحد هؤلاء القادة لا يسع، سوى لبضعة مئات من الأشخاص، ثمّ ينتهي اللقاء بتوقيع "وثيقة شرف" لتبدأ " سياسة الزعل" من جديد. ولا نريد الحديث عن ملايين الدولارات التي تصرف على هذه المسرحيات، ويدفع الجمهور هذه الملايين بدون أن يشاهد عرضها، ولم تغيّر هذه المواثيق، أو هي وثائق، شيء من حياة ألأغلبية الساحقة من العراقيين من سوء الخدمات، بما فيها الصحية والتعليمية، وازدياد البطالة والفقر وتلوّث البيئة، مقابل ذلك يزداد فساد موقعي وثائق الشرف لتزداد معه ثرواتهم وينتقل قسما منهم من خانة المليونيرية إلى خانة المليارديرية، إلى جانب إرهاب مختلف الفصائل الطائفية.

وأخيرا انهالت على العراقيين وثيقة جديدة باسم " وثيقة شرف انتخابي". الملاحظ هنا بأنّ الكيانات الموقّعة على الوثيقة هي نفسها (باستثناء شخصيات قليلة جدا) التي كانت توقّع على مواثيق شرف آنف الذكر، وهنا لسنا بحاجة إلى ذكر الأسماء لأنّها منشورة على وسائل الإعلام. هذا يعني بأنّ العراق سيستمر بدورانه في دوامة المحاصصة الطائفية والاثنية التي تتحكّم به لمدّة 15 عاما فيما لو نجحت أساليبها في خداع الجمهور. هذه الكيانات بدأت حملتها الانتخابية، أو بالأحرى حملة تزوير الانتخابات، منذ زمن وأبرزها شراء البطاقات الانتخابية مستغلين ومشجعين عدم قناعة الناخب بإدلاء صوته والأثر من ذلك الحاجة المادية للناخب. كما برزت على السطح الدعايات القذرة حول الأحزاب والشخصيات الوطنية واتهامها بالإلحاد والتعمّد بعدم التمييز بين مفهومي العلمانية والإلحاد، وهذه القذارة تصدر من المقربين من أحزاب الإسلام السياسي وتسكت عنها الأحزاب والكيانات ذات التوجه القومي والعشائري، وهي نفسها التي وقّعت وتوقع على "مواثيق الشرف". هذه الكيانات والأحزاب هي التي تغير لونها كالحرباء حسب ما تراه موات لمصالحها والحفاظ على امتيازاتها، مرة تسلك سلوك طائفي أو قومي، وهذا ديدنها، ومرة تلبس لباس الديمقراطية التي لا تطيقها لأنّها شكّلت كابوسا عليها، ومرة ترتدي اللباس المدني لتدّعي بأن مؤسسات الدولة هي مدنية. وهذه التصرفات المنافية للديمقراطية وحسن السلوك السياسي هي من أجل التلاعب بعواطف الناس الدينية والطائفية والقومية والعشائرية لتقوية سياج الكره بين المكونات العراقية. إنّ التجييش الطائفي والديني والقومي والعشائري هو أحد أوجه الإرهاب الذي تؤكّده المادة "7" "أولا" من الدستور. ولكن السلطات التنفيذية والقضائية لم تتخذ أية إجراءات، حسب المادة"7" ثانيا" ضدّ مروجي هذه الأفكار منذ إقرار الدستور عام 2005، مما كان أحد الأسباب الرئيسية في خراب العراق. تؤكد وكالات الأنباء بعدم أو ضعف التجاوب مع مقررات مؤتمر الكويت الذي سمي ب"مؤتمر إعادة البناء" والذي كان من الممكن أن يحلّ جزءا من مشاكل العراق الاقتصادية والاجتماعية، وأي مواطن يسأل عن عدم الاستجابة لمقررات هذا المؤتمر، سيكون الجواب واحدا، وهو عدم ثقة المانح والمقترض والمستثمر بنجاح عمله بسبب الفساد وانعدام الأمان. ونسأل موقعي "وثيقة الشرف الانتخابي"، من هو السبب في كل ما يجري من مصائب للبلد؟؟؟ ولماذا هذه الوثيقة ومن يريد الاطّلاع عليها من العراقيين الذين أصبحوا يعرفون كلّ وسائل التضليل!!!

عرض مقالات: