عرف الشعب العراقي على مدى تأريخه بثوراته وانتفاضاته وصبره على المكاره، دون أن يقبل الظلم والجور، فما أن يغضب حتى تدق ساعة الحسم، ويهب كالصاعقة، لا يردّه أو يقف أمامه شيء، بل يندفع كالسيل الهادر، ويأخذ حقه عنوةً وبقوّة.
ولدينا في التاريخ مآثر سطرها العراقيون كثورة العشرين، التي تشهد حكايات ثوارها على مقاومة الإنگليز بالفالة والمگوار، وكيف تزعزعت الأرض تحت أقدام المستعمرين، وحيث مازالت أهزوجة " الطوب أحسن، لو مگواري" المشهورة حية في العقول والذاكرة، وكثورة الرميثةعام 1935.
كما سجّل التاريخ، و من سوء حظ أبناء هذا البلد، تسلّط حكامه ودكتاتوريهم وبشاعة ظلمهم وما اقترفوه من مجازر وتصفيات جسدية ضد خيرة أبنائه، تلك التي افتتحت في شباط عام 1949 بإعدام كوكبة من الشيوعيين البواسل في الرابع عشر من شباط، يوسف سلمان (فهد) وزكي بسيم (حازم) وحسين الشبيبي (صارم)، ثم تواصلت في انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963، الذي أغرق العراق بالدم وغيّب الاف الرجال والنساء في السجون والمعتقلات والمسالخ البشرية، وحوّل حتى الملاعب الى معتقلات ارتكب فيها قطعان الحرس القومي أبشع جرائم التعذيب الوحشي والقتل البشع.
بعد سقوط نظام البعث عام 2003، استلمت حكم البلاد شلّة من الفاسدين، نهّابي خيرات البلد من المتستّرين بغطاء الدين والمعروفين بفسادهم اللا محدودو بفضائحهم القذرة وطائفيتهم المقيتة. وكانت ستة عشر عاماً من الضيم والقهر والذل والتراجع على كل المستويات، كافية لتفجر الشعب في ثورة عارمة، هزّت العالم بقوّتها ونزول الملايين الى الساحات، في محافظات الوسط والجنوب، يقودها الشباب الواعي من طلاب الجامعات، والخريجين العاطلين عن العمل، والنقابات، ممّن صودرت حرياتهم وحقوقهم وغيبّت إنسانيتهم.
لقد سحقت انتفاضة الشباب " قدسية" نظام المحاصصة والفساد وكسرت حاجز الخوف، وطالبت الجماهير نساء ورجالاً برحيل السلطة الفاسدة وتعديل القوانين وإجراء انتخابات عادلة، وإرجاع العراق للعراقيين الشرفاء بشعارهم العتيد " نريد وطن".
وكما استعاد العراق ما خزنه في الذاكرة من مآثر ابنائه الخيرين، سجل عودة ازلام الطغاة وميليشياتهم الفاسدة، وعودة البطش والاساليب القمعية والاغتيال بكواتم الصوت والخطف والتعذيب والترهيب والقتل البشع والدفاع الاعمى عن نظام فاسد طائفي.
وكما لم تثن أساليب الأمس همة العراقيين في الدفاع عن حقوقهم وحريتهم، لن تثني اليوم أيضا من عزيمة المنتفضين، الذين يثبتون كل يوم للعالم، بسلمية تظاهراتهم، كم هم بواسل وشجعان، وإنهم خرجوا على حق، ولديهم مطالب يجب انتزاعها من اللصوص، وأن يوصلوا صوت العراقيين الى العالم أجمع.
ورغم ذلك لم يكن الثمن هيناً، بل ازهقت أرواح 700 شهيد وإصابة 30 ألف جريح، بينهم أكثر من خمسة آلاف معاق نتيجة الضرب المبرح والطلق الناري والقنابل المسيلة للدموع وغيرها من الوسائل البشعة.
ثوّارنا الشجعان، في كل محافظات العراق المنتفضة، ستنتصر ثورتكم التي أبهرت العالم، حتماً، بقوتكم وفكركم النيّر، وإصراركم وتصديكم للرصاص بصدوركم العارية العامرة بحب العراق وأرضه.
السلام والرحمة والطمأنينة لأرواحكم التواقة للحياة الحرّة الكريمة، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين.

عرض مقالات: