ليس صحيحاً، وليس مصادفة أيضاً، موافقة الغالبية من أعضاء مجلس النواب على المادة (12) الفقرات: أولاً، وثانياً، وثالثا بمفرداتها أ، ب، ج، د، ه، والفقرة  رابعاً، في هذا القانون(1)  ، الذي يرى فيه الزميل السياسي والاقتصادي الأستاذ عدنان الجنابي، عضو مجلس النواب، "ثورة على الدولة الريعية، لأنه يقلب "معادلة الدولة الريعية" حيث سيذهب الريع إلى حساب المواطن بدلاً من حساب وزارة المالية. ويرى أيضاً، أن مضمون المادة (12) سينهي جشع "النواب ومعهم الفاسدون في السلطة التنفيذية على النهب من ريع النفط واقتسام الكعكة"(2). وللأسف، فإن هذا الرأي غير صحيح، على الأقل لسببين: الأول، عدم التمييز بين سوء استعمال الريع النفطي من قبل الحكومات المتعاقبة وبين دلالة تجريد الدولة من حق التصرف بالثروة النفطية والغاز العامة. والسبب الثاني، أنه يفتقد الرؤية في متطلبات معالجة الأزمة الاقتصادية الهيكلية المزمنة بقيام الدولة الآن، وليس غداً، بإحداث التغيير الجذري في هيكل الاقتصاد الوطني من خلال ضخ الاستثمارات في مشاريع الصناعات التحويلية المتقدمة تكنولوجياً، وفي إقامة مشاريع البنية الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بتمويل من الإيرادات النفطية. فالواقع الاقتصادي الموضوعي اليوم، لا يتيح للقطاع الخاص، الوطني أو الأجنبي، إمكانية القيام بهذه المهمة الباهظة التكلفة وذات المردود البطيء. كما أن الموافقة على القانون بصيغته الراهنة ليست مصادفة مجردة من المحاولات المستمرة لتجريد الدولة: أي، السلطة السياسية الوطنية الديمقراطية المستهدفة، وليس السلطة السياسية الفاسدة، من قوة الريع النفطي الضرورية لبناء الاقتصاد وتطوير المجتمع وتنمية الموارد الطبيعية العامة. كذلك، أن الإدراج المفاجئ لنص المادة 13 المعيبة في المسودة الأولى للقانون واعتماده، ليس مصادفة بدون تاريخ. فالأصل في هذه الآراء، يعود إلى أهداف الولايات المتحدة الأمريكية عند احتلال البلاد في عام 2003 ، لتأسيس نظام اقتصادي ليبرالي جديد بديلاً للنظام السابق، وبسرعة ما سمي حينذاك العلاج بالصدمة، متجاهلة خصائص الاقتصاد الوطني ومحيطه الاجتماعي والسياسي، ويقوم على تحرير قوى وآليات السوق بفرضيات ثبت فشلها في تجارب دول ريعية مماثلة، هي قدرة القطاع الخاص، الوطني والأجنبي، على إنجاز بناء الاقتصاد الجديد القادر على المنافسة. كان ذلك واضحاً مع نهاية السنة الأولى من الاحتلال في عام 2003 ، كما تمثل في أوامر (قرارات) الحاكم بول بريمر، رئيس "سلطة الائتلاف المؤقتة" ووافق عليها "مجلس الحكم". وفي المقابل، وبعد عام واحد من الاحتلال أيضاً، تم توثيق الآراء المناصرة لتطبيق السياسة الاقتصادية الليبرالية بتفصيل منهجي واضح من على منصة أبحاث مؤسسة أمريكية مرموقة، وقد تضمنت، ولأسباب سياسية وطنية، استبدال خصخصة قطاع النفط السريع، واقترحت اللجوء مرحلياً إلى تحطيم استخدام الدولة لقوة الريع النفطي بالخصخصة التدريجية من خلال توزيع جزء من الثروة النفطية بين المواطنين مباشرة أو على شكل منح أسهم فيها، وهو ما يطابق تماماً مضمون ما ورد في المادة 13 من قانون الشركة. وفي الوقت الحاضر، حيث يتم عملياً تنفيذ الحكومة لبرنامج وسياسات صندوق النقد الدولي بموجب "اتفاق الاستعداد الائتماني"، فإن الدعوة المستمرة لخصخصة مشاريع القطاع العام بدون إعادة التقييم ومحاولة التأهيل، وانهاء مستقبل التصنيع في البلاد هي جزء من هذه السياسات. وبرأينا، وبالرغم من الاعتراف بواقع سوء استعمال الريع النفطي في الحاضر والماضي، ليس صحيحا، بل وخطيراً، في الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الصعبة الراهنة، البدء في سلب حق تصرف الدولة المركزي المباشر بالموارد الطبيعية واستثمارها: الثروة النفطية والغاز، والثروة المعدنية، واستغلال الأرض، وتنمية المياه، والاستفادة من الفضاء، بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة الاقتصاد والتنمية. وليس بخافٍ أن المشكلة الأساسية المتعلقة بطريقة استثمار الريع النفطي ليست في تجريد الدولة من دورها في استغلال هذا الريع، بل المشكلة هي أن معظم السياسيين الذين يمارسون منذ عام 2003 "حذلقة" وتدوير زوايا العملية السياسية قد فشلوا في إيجاد نظام سياسي يدار من سلطة حاكمة ومؤسسات تنفيذية وتشريعية نزيهة، سلطة تمتع برؤيا مستقبلية، وبمصداقية في وعودها: سلطة قادرة وبكفاءة على استثمار "نعمة" الريع النفطي في بناء اقتصاد متطور وقادر على المنافسة، وتنمية المجتمع بتوسيع وتحسين الخدمات والمنافع العامة، والحفاظ على الموارد الطبيعية العامة من استغلالها السيئ والجائر. يبدو وكأنهم يعالجون الفشل في معالجة المريض بقتله لجهلهم بالدواء.

المهمة الآنية، إلغاء الصيغة الحالية لقانون شركة النفط الوطنية. ولكن يبقى البديل الأكثر أهمية، وهو، الدعوة الى تبني "المشروع الاقتصادي الوطني"، وجوهره قيام الدولة، مركزياً، بمعالجة الأزمة الاقتصادية الهيكلية المزمنة بالاستثمار المباشر للايرادات النفطية في إحداث التنويع الاقتصادي الهيكلي لإيجاد مصادر جديدة للإنتاج وللصادرات غير النفطية الضامنة لاستدامة النمو الاقتصادي والتشغيل وتحسين قدرة الاقتصاد التنافسية.

ــــــــــــــــــــــــــ

* خبير اقتصادي