عندما هبط ليل الحادي والثلاثين من آذار، كان شمران الياسري ورفاقه قد تسللوا من مفارق ريف الكوت والناصرية وأطراف العمارة ليحتفلوا بيومهم البهي.. واحتشدت نفوسهم فوق ظلال الليلة المقمرة ليصنعوا ذلك الفرح الممهور بالدم وبالحذر البهيج..
رأيتهم وكنت صغيرا، يتبارون بإبراز الهمم وتوزيع البهجة على عشرات الفلاحين والفقراء ومن لم يدركهم الوعي، إلا أن ولعهم بهذه النخبة جعلهم يؤمنون أنهم طيبون ونافعون لمستقبلهم وآمالهم..
كان الريف موطنُ من لا موطن له من المناضلين والفارين من أقدارهم الى أقدارهم.. فكان أبناء الموصل وبغداد وكوردستان ومناطق ومدن لا أعرفها يأتون الى هذا المأوى اللذيذ الذي يمنح خبزه وأمانه بلا منةٍ ولا جزع..
وكان المنفيون من المعلمين من بغداد الى الريف يتفاعلون مع تلك الخطى التي تسبر (وجداناتهم) وتسري بأرواحهم الى مديد الشغف الذي كان يصنعه الشيوعيون في هذا الوطن، وتلك القرى التي تعودت صوت الشجن الإنساني الذي كان يبثه شمران وألوف المناضلين في كل بيت وقرية ومدينة، حتى يلجُ في الصدور فلا يغادرها، ويتوطن في الضمائر حتى لدى من ركب مويجات السياسة في اتجاهات اخرى..
كانت احتفالية تلك الليلة محروسة من بعض الذين اضطروا للذهاب في فلك الدولة وقواها، والذين احتفظت قلوبهم وضمائرهم ببطاقة الحب الأول للشيوعيين، فلم يسلّمو عقولهم ولا ضمائرهم للسلطة وحزبها بل أغلقوها لحزبهم وتركوا القشور لهم..
فكانت التحذيرات تصل للشيوعيين عن مسارات وتوقيتات وأماكن العبث السلطوي، فيحذروها ويتجنبوها، مثلما حصل تلك الليلة البهيجة، حيث تدخلت مفارقات وتظليلات محبو الشيوعيين في إبعاد أذى مؤكد عن تلك الاحتفالية، ونجح آذار في إكمال مباهجه تلك الليلة..
في كل آذار استذكرك أبي وأصنع من بهجتك الباذخة يومئذ، تهاني بوسع (الشوك والشجر وحليب الماعز والغنم وأرغفة الخبز المبتلة عند تنور جدتي تحت رذاذ المطر)، الى رفاقك من الشهداء، وورثة طريقك من الأحياء.. فكل عام أنت تبلغ مدى عمرك في رحلة البحث عن فردوسنا المنشود..