بعد المجيء بالسيد عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء،  تعشم به البعض خيراً وبنى عليه الآمال لكونه اقتصادياً من خارج قفص احزاب السلطة الاسلامية بعد انسحابه تنظيمياً منها، ولما كان يكتبه من مقالات تطرح رؤى واعدة لتغيير الوضع المزري الذي قادت اليه سياسات الخمط والنهب لتلك الأحزاب، ولما تتسم به شخصيته من هدوء وعدم تعصب في التعامل مع الأفكار الاخرى والاستماع لها.

 بدأ التحول في النظرة والتقييم الشعبي له بعد الاحتجاجات الشعبية في 1 تشرين اول / اكتوبر العام الجاري، حيث لم تعد الجماهير قادرة على الصبر في انتظار اصلاحات موعودة، فكل الوقائع والحقائق على الارض تؤكد عكس ما اعلن ويعلن، بل تؤشر الى تمادي الطغمة الحاكمة في سياسات التسويف والمماطلة واحتقارها للارادة  الشعبية في القيام باصلاحات تنهض بالشعب من الحالة الماساوية والمعاناة التي يعيشها... وانغماس اطراف السلطة الوقح وعلى رؤوس الاشهاد وبدون اي رادع في عملية الاستئثار بثروات البلاد وتخريبها وتهشيم المجتمع...

 بدأ تقييمه ينحدر بشكل حاسم بعد قمعه القاسي، بدفع من الاحزاب الاسلامية الحاكمة، للاحتجاجات السلمية في الاول من تشرين الاول / اكتوبر من هذا العام، والاصرار على كسرها وانهائها في المهد، بمختلف الوسائل وصلت حد القنص الوحشي المباشر للشباب المتظاهر الذي لم يحمل بيده سوى علم بلاده، الذي تسبب في ارتقاء المئات من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى وآلاف المعتقلين، مما اشعل الغليان الشعبي ضد هذه الاجراءات التعسفية غير المبررة في مواجهة شباب سلميين عزل ، ذوي رؤى وطنية مستقلة سامية، فتصاعد الانخراط الشعبي في الاحتجاجات التي اخذت طابعاً وطنياً مشرقاً، ايقظت كل ما كان كامناً في الشخصية العراقية من قيم الوطنية الحقة والتضامن والتعالي على التقسيمات المكوناتية فيها التي حاولت ان تغرسها النظم السابقة وبالخصوص الطغمة الحالية، في تجسيد رائع لم تشهده البلاد منذ تسلط قوى الطائفية السياسية على الحكم...

ومما أوغر القلوب عليه كان اصراره على عدم الاعتذار عن الدماء الزكية التي سُفحت بوحشية.

  هنا احترقت ورقته شعبياً... احرقتها ذات الاحزاب الي جاءت به، وجعلته اسيرها، وتحول الى مجرد  ماريونيت ( دمية بخيوط تحركها الايدي )، خاضع ذليل ينفذ اوامرها ويوقع على قراراتها ويبرر جرائمها.

 في الجولة الثانية من الاحتجاجات في 25 من نفس الشهر، بعد توقف بسبب اربعينية استشهاد الامام الحسين، كان الرد الشعبي حاسماً... بمشاركة شعبية واسعة اذهلت الجميع وحتى ازلام السلطة وميليشياتها، فقد تحولت هذه الاحتجاجات الى انتفاضة شعبية مليونية امتدت افقياً الى كل مدينة من مناطق وسط البلاد وجنوبها... لا يمكن لأية قوة ان تغلبها. ألجمت قوى القمع الحكومية وألقمت ميليشيات القتل حجراً بسلميتها ورؤى شبابها الوطنية وعزمهم على نيل حقوقهم كاملة رغم التضحيات الغالية الجمة امام قوة غاشمة باطشة، اتبعتها بمجازر متتالية في الناصرية والنجف والبصرة وبغداد ( جسر السنك - الخلاني ) وعمليات الاغتيال الجبانة للناشطين.

لقداجبرته دماء الشهداء والارادة الشعبية على الاذعان لما تريد... الاستقالة الفورية !

 واذعن صاغراً بعد مماطلة، وبعد استجابة المرجعية الدينية لدعوات المنتفضين بوجوب طرده من مركزه الحكومي.

 معدنه الحقيقي كشفتها الوقائع والجماهير، وهو من جانبه لم يعد له مخرجاً بعد ان تلبسته جرائم قتل عمد لمواطنين عزل لم يطالبوا الا بحقوقهم الطبيعية التي وعد بتوفيرها وقبله وعود سلسلة من حكومات محاصصة كان لولباً في تروسها.

 لقد تبين انه كان يبيعنا كلاماً لن يأخذ طريقه للتطبيق العملي لا بواسطته ولا بواسطة الجالبيه... كانت آراءه مجرد ادعاء فارغ بالرغبة في خدمة البلاد ومواطنيها، ولكن تبين انه كان كله هراء منمق للتمويه على سرقات مشغليه.

 يذكر التاريخ العراقي القريب، بأعتزاز، شخصية " عبد المحسن السعدون " رئيس الوزراء ايام العهد الملكي الذي انتحر احتجاجاً على محاولة فرض ضابط انكليزي ايام احتلالهم للعراق امراً عليه ينتقص من وطنيته، والذي خلده الشعب على موقفه الشجاع بنصب شاخص له يتوسط اهم شوارع العاصمة بغداد، سمي بأسمه " شارع السعدون ".

 احزاب الاسلام السياسي وبالخصوص الشيعية سلبته قرار انتحاره المشرف، الذي كان ينبغي عليه ان يقوم به في الايام الاولى من تشرين الاول، لان عرفت فيه سياسياً رعديداً يخافها ويذعن لمشيئتها فدفعته للايغال بالقمع لشعبه الصابر الذي توسم فيه خيراً ولكنه خذله !

سلبته تاريخه كأنسان وكسياسي وكمفكر وكسليل لعائلة عراقية معروفة حتى اصبح مكروهاً منبوذاً من ابناء مدينته ومسقط رأسه محافظة ذي قار.

 يمكن اعتبار سقوطه السياسي اليوم انتحاراً بدون مجد وعزة ومعه احزاب المحاصصة الطائفية - العرقية وميليشياتها التي نبذها الشعب كما نبذ ملهمها في القمع صدام حسين !

 

 

عرض مقالات: