يرى مراقبون مستقلون انه، صار من الواضح ان انتفاضة تشرين السلمية البطولية لم تكن عفوية بقدر ماهي ثمرة تراكم حركة جماهيرية، شاركت و تشارك في صنعها اوساط متتابعة من الشباب و الشابات من اجيال الانترنت و الموبايل (كأجيال الكهرباء عند بداية ظهوره و الانقلاب العالمي الذي احدثه حينه)، اوساط متتابعة من مختلف الوان الطيف العراقي و الفكري، في زمان دولة المؤسسات .  . بسبب الفقر و البطالة و انواع الحرمانات، و هي ترى الثراء الفاحش لأوساط كانت بالامس ضائعة في القاع تبحث عن اية لقمة لتصيدها بسبل مهما كانت، مسخّرة الدين و المذهب لذلك. 

و قد ابتدأت الحركة بتجمعات متنوعة من الاحتجاجات الاسبوعية منذ 2005 التي جوبهت بالقمع ثم تتوجت بسلسلة انتفاضات متصاعدة وصلت الى تهديد (الخضراء) الحاكمة و البرلمان عام 2016 بشعار اساسي ( باسم الدين باكونا الحرامية)، التي شملت و تصاعدت في محافظات الوسط و الجنوب ذات الغالبية الشيعية و صارت لها خبرات و شخصيات متنوعة الفكر بعد ان قدّمت تضحيات غالية بالارواح، و بعد تجارب مريرة مع نظام المحاصصة الحاكم اليوم و اساليبه القمعية و الديماغوجية و الكذب بلا حدود، المعتمد على انواع الميليشيات و الفرق الخاصة الارهابية و مجاميع المجرمين المأجورين .  .

و فيما تتزايد مطالب من جهات متنوعة للتظاهرات اليوم، بضرورة اعلان ناطقين او ناطق رسمي منها للتفاوض مع الهيئات الحكومية و المشاركة معها بالتغيير، ينبّه كثيرون الى ضرورة ملاحظة ماتقوم به الاوساط الحاكمة بحق ناشطي التظاهرات السلمية، و اجراءاتها المتصاعدة من الاختطافات و الاغتيالات و اقبية التعذيب، التي تجري بحملات متصاعدة و بلا توقف لأجهزة حاكمة مستعدة لكل الاجراءات الدموية للحفاظ على كراسي رجالها، قامت خلالها بمذابح الناصرية و النجف و الخلاني ـ السنك في بغداد و بعتاد حي و باسلحة خفيفة و متوسطة علناً .  .

يتساءل كثيرون .  . عن اي تغيير و عن اي احترام للحكم لإرادة المتظاهرين يدعو السيد صالح للتباحث ؟؟  في وقت تزداد فيه انواع النشاطات الإجرامية الرامية الى خلق مناخ ارهابي اكبر من السابق لتمرير مرشحي الرئاسات الآن !! حتى صارت انواع تجمعاتهم و تنسيقياتهم المتصاعدة النشاط تحذر من تصفية من يتحدث منهم باسم الانتفاضة للاعلام منذ التجارب السابقة، اضافة الى محاولات السعي لاحتوائهم و الاّ .  . !!

و الآن تكتفي الجهات الحكومية بالاعلان عن تشكيل لجان تحقيق بآلاف جرائم قتل المتظاهرين و لا تقدّم نتائج، بل ان المتظاهرين السلميين بتجاربهم لسنوات، صاروا يتجنبون حتى مشاركة الاحزاب التي تؤيدهم، حذراً من انها قد تثير ردود افعال تحرّف او تشوه المطالب الحقّة، او لها مصالحها التي قد تضرّها و تؤدي الى استهدافها من الجهات الحاكمة بالعنف و الإرهاب، بل و صاروا يتجنبون حتى نعت (مسؤولين) من بينهم خوفا عليهم من الاغتيال او اختطافهم هم و عوائلهم، اضافة لمحاولة الاحتواء و السعي بكل الطرق لشرائهم او العبث بتأريخهم و اسقاطهم.  

اما عن خطة (الطرف الثالث) المأساوية المخزية التي تحوي تلك الاساليب، فهي خطة اتّبعت في عدة بلدان لتحطيم معارضة مهددة او احتجاجات واسعة متجذّرة لاتستطيع السلطة الحاكمة تفتيتها باجراءاتها الاعتيادية، اقتبست من ايطاليا الدو مورو و دول امريكا اللاتينية في السبعينات، روسيا زمن التغيير، الجزائر اواسط التسعينات، سوريا في اشعال الصراع الارهابي الاسلاموي، و بعد انواع التحقيقات و الدراسات تبيّن ان (الطرف الثالث) ليس الاّ عبارة عن اجهزة متخصصة للحكم القائم و الدول الساندة له، لتحطيم الحركات الجماهيرية. وفي العراق غالبية المجرمين القتلة او من يقود لهم معروفون بالاسماء للمتظاهرين الذين من محلات سكناهم و جيرانهم، كما عبّر متظاهرون.

و يؤكد كثيرون على ان فقدان ثقة الشعب بالحكم بسبب الحياة العراقية البائسة .  . الذي عمّقته مواجهة حكومة عبد المهدي للتظاهرات منذ اليوم الاول بالرصاص و القتل ثم تصاعد الاعتقالات و التعذيب الذي شمل الشابات ايضاً، هو الذي اذكى لهيب الانتفاضة لتعم الوسط و الجنوب و لتلاقي التأييد من كل محافظات البلاد، و تطالب باستقالة الرئاسات الثلاث رغم جهودها المتأخرة جداً للقيام بمحاولة الاصلاح الذي تثبت وقائع علنية انها غير قادرة عليه لغلبة الفاسدين فيها، و لأن الجهات التي رشحت عبد المهدي هي نفسها التي سترشح الجديد الان وفق المحاصصة و وفق مصالحها الانانية، و يطالبون بدعوة وجوه البلاد العلمية، الاجتماعية، الثقافية، السياسية رجالاً و نساءً في الداخل و الخارج، من المشهود لها بالنظافة و الكفاءة و الاخلاص للشعب باطيافه و للبلاد و استقلالها، لتسمية الجدد و اعادة كتابة القوانين و التعديلات الضرورية للتغيير.

و تؤكد وجوه سياسية و اجتماعية على ان المطلوب اليوم من جهات الحكم، اتخاذ اجراءات سريعة لإثبات حسن النية لكسب الثقة، بمعاقبة قتلة المتظاهرين علناً و ايقاف حملات الاعتقالات و الاختطافات و التعذيب، و ضمان دولي فاعل معترف به لضرورة التغيير للعراق و لأمن المنطقة و العالم، و توفير حمايات اممية بعقود مقيّدة بزمن، لوجوه المتظاهرين لصيانة حياتهم كجزء من حماية التظاهرات .  . بعد انتشار اخبار الانتفاضة الباسلة في العالم و تأييد المرجعية العليا لها، و حملة التضامن العالمي للدول العظمى معها، التي صعّدتها مؤخراً انباء مذبحة الخلاني و حملة الاغتيالات الأخيرة بالكواتم في كربلاء و سقوط عشرات الشهداء الجدد من ابطال تشرين.

و لابد في الظروف الاستثنائية التي تتعنت فيها الكتل الحاكمة عن التنازل عن امتيازاتها، اتخاذ اجراءات استثنائية تساعد على تحقيق فعلي للتبادل السلمي للسلطة وفق الخط الاساسي للدستور، بالمرونة في السقوف الزمنية التي يحددها الدستور المعمول به خوفا من الفراغ السياسي، بصنع المناخ السليم لتحقيق و لو درجة من الديمقراطية بايقاف القمع باشكاله بحق الكتلة الاكبر(*) التي تتظاهر في التحرير و في ساحات البلاد اولاً.

في ظروف استثنائية خلقتها خروقات مزمنة لكتل الحكم للدستور بالقمع، التي تتطلب اجراءات استثنائية لوضع حلول فعلية لحكم ضعيف لا يعرف او لا يتجرأ على التصريح بمن هو الطرف الثالث (الذي يخاف منه)، و اجهزته استطاعت تشخيص مكان المجرم البغدادي و اعتمدته قوات التحالف في الاجهاز عليه . . فيما الجماهير تشخص انه (ميليشيات محور المقاومة) المقنعة بقناع (الحشد الشعبي) التي لا يقيّدها قانون و لا دستور و لا استقلال البلاد، و لاتبالي بشباب العراق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) الكتلة الاكبر التي صارت تحددها غالبية الكتل و الجماهير الشعبية مصدر السلطات بانها، كتلة الشعب المتظاهرة المعتصمة في ساحات : التحرير، الحبوبي، البحرية، التربية، ثورة العشرين، الغدير .  . و غيرها.

 

عرض مقالات: