اندلعت انتفاضة تشرين البطولية، التي رغم كونها انتفاضة عفوية على وصف سياسيين، الاّ انها جرّت الشعب معها بكل طبقاته و قومياته و اديانه و طوائفه، و اعادت للعراقيين نساء و رجالاً شخصيتهم المعروفة و اعتزازهم بها، بمطالب سهلة الفهم و التأييد، لكونها مطالب كل العراقيين .  . بعد ان غيّرت بايام واقعاً مشوّهاً رُسم عليهم بالقوة و الارهاب و الجوع .  .                  

لقد كشفت الانتفاضة اكثر، واقعاً مريراً يعيشه الشعب من جهة، و واقعاً تابعاً تعيشه شخوص الطبقة السياسية الحاكمة، الذين وصفتهم جماهير المنتفضين السلميين بـ (الذيول) .  . و من جديد يتّهم السيد المرشد الإيراني و امام جمعة طهران، يتهمان المنتفضين الشباب اتهاماً جاهزاً بكونهم ضحية لـ (مؤامرة و فتنة) تدبرها الولايات المتحدة و اسرائيل و السعودية، و يدّعون بان المتظاهرين يستلمون اموالاً منها لإشاعة الشغب و الفوضى، آمرين الحكّام عندنا بايقافهم عند حدّهم !!

بعد ان ارعبتهم استقالة الرئيس اللبناني نزولاّ الى المطالب هناك، و يرعبهم اكثر  مايجري في عراقنا الجريح، من انتفاضة شبابية شجاعة تنظم اليها جحافل النقابات و المنظمات المهنية و العمالية و الطلاب و النساء و الفلاحين و العشائر و ايدتها مرجعية النجف العليا، انتفاضة اثبتت كذب اتهاماتهم الباطلة، الاتهامات التي يحاولون ان يسوقون بها شعوبهم الايرانية الصديقة المكتوية بالحديد و النار.

انتفاضة ترفض مشاركة الاحزاب الاسلاموية (الشيعية و السنية) الحاكمة، فيها .  .  بعد ان اثبتت انها جاءت لتحقيق مصالح انانية قذرة، و تحقيق تبعية للمرجعية الايرانية على حساب مرجعية النجف العليا .  .  بسوء استخدام الدين و المذهب و تأريخ قادته التاريخيين ممن يخلّدهم شعبنا لأمانتهم و جرأتهم و تصديهم للموت، نصرة للحق و العدل و للفقير .  .

و يرى محللون بأن مطالبة الانتفاضة باستقالة عبد المهدي و حكومته بداية قد ارعبتهم، لأنه لو استقال و تعرّض للمساءلة، فانه سيتسبب بتساقط احجار الدومينو الحاكمة الفاسدة كلها، على حدّ تصريحه .  . و بالتالي ستخسر كل مصالح الطبقة الايرانية الحاكمة و مشاريعها في العراق التي توقف حكام ايران في الظروف الراهنة على ارجلهم : اقتصادياً، مالياً و عسكرياً، اضافة الى انفضاح لعبة الحكم باسم الدين و الطائفة، و تنتشر بذلك عدوى انتفاضة تشرين العراقية الى الشعوب الايرانية، كما تتناقل الوكالات و الصحف العالمية و الإقليمية .  .

التي تتناقل ايضاً ما تسرّب عن اجتماعات القيادات العليا، التي فرض عليها الجنرال سليماني بمشاركته شخصياً فيها، ان تمتنع عن اقالة عبد المهدي رغماً عن مطالبات مئات آلاف المتظاهرين السلميين، فارضاً على ميليشيات الحشد، الدفاع عنه و ايقاف الجماهير عند حدها، كما اكّدتها وكالة رويترز و الوكالة الفرنسية للانباء ايضاً امس الاول. في وقت ترافق فيه خطابا السيد خامنئي و امام جمعة طهران اعلاه، مع ارسال قوات خاصة من الحرس و البسيج الإيراني الى مناطق الإلتهاب، و التي اكّد شهود عيان انهم شاهدوا طوابيرها تعبر الحدود عبر معبر المنذرية اقرب المعابر الى العاصمة بغداد.    

ان المظاهرات الشبابية الجريئة الحذرة من المخربين و ممن يحاول (ركوب الموجة) و التي لاتبالي بالتضحيات على طريق استرداد الوطن، و التي قدّمت الى الآن اكثر من مئتين و خمسين 250 شهيداً و اكثر من 12 الف جريح و مصاب من متظاهرين و من قوات امنية وفق بيانات رسمية، حصلوا فيها على احترام الشعب و الجيش .  .  تنتظر وجوهها من وحدات الجيش العراقي الباسل حمايته لها في مساعيها النبيلة من اجل الحياة التي يستحقها الوطن، و وفق الضوابط الدستورية.

و يرون بأن الجيش الذي قضى على القاعدة و على داعش بمؤازرة كل المكونات العراقية .  . يستطيع الدفاع عن المحتجين بعد ان تزايد تلاحم المحتجين بافراده و سالت دمائهما معا بوجه انواع الوحدات الخاصة الإيرانية، التي تتناقل ادوارها صحف و مواقع و وسائل تواصل و تتناقلها عموم الاوساط الجماهيرية و باثباتات عديدة ساقها المتظاهرون و بثّتها انواع الشاشات و الفضائيات العراقية و الدولية .  .

في وقت يحذّر فيه مراقبون و خبراء من ان القطعات التي تستخدم القناصين و القنابل الكيمياوية ضد الافراد في مواجهة شعبنا، قد لا تتورع عن القيام بأية جريمة لانهاء المظاهرات، مهما ابدت حكومة عبد المهدي من لين و مسايسة و اجراءات تخديرية .  . فيما بُني جيشنا على اسس الدفاع عن الوطن و اثبت انّه كفءً لها، الدفاع عنه من تدخلات قوات عسكرية خاصة خارجية تعادي الشعب و تتصدى لمطالبه الداخلية العادلة، قوات تتسلل في الظلام و تقف على رأس الحاكمين كي ينفذوا اوامرها، في حالة لم تمر بها البلاد المستقلة حتى في زمن الاستعمار .  . 

و فيما يحيي مراقبون تلاحم الجيش بالشعب النابع من انه ابن الشعب و من ذات العوائل الكادحة، يرى عسكريون مجربون بأن عصيان اي لواء او وحدة عسكرية لأوامر ضرب الجماهير او لإنهاء اعتصاماتها في ظروف اليوم، سيلقى استجابة لدى الوحدات الأخرى، من اجل حماية الدستور و من اجل تعميقه و من اجل التبادل السلمي للسلطة، امام قوى تريد الغاء الدستور، و اعلان احكام عرفية لادامة سلطة الفساد التحاصصية باسم الدين و الطائفة .  .

وسط تناقل وكالات انباء و صحف دولية مستقلة، التهديدات المتواصلة لميليشيات الحشد، بأنها (جاهزة للتدخل في الوقت المناسب) على حد تعبير قائدها المهندس، و تواصل الملاحقات و الإختطافات و الاغتيالات بحق الناشطين و الناشطات وفق تواصل و زيادة كثافة المراقبات و تقارير تشخيص النشطاء. و وسط التصريح بانواع الوعود لإمتصاص جذوة المظاهرات و حماسها بكسب الوقت في محاولة لإمتصاص الطاقة الثورية الشعبية للمظاهرات الضاغطة نحو التغيير و التي بدون ديمومتها و تصاعدها لن يحصل التغيير، و يرى آخرون بان سكوت رجال الحكم و مماطلتهم الان بدعوى التزامهم بضوابط وضعوها هم، او بسبب خوفهم او انتظاراً لموسم البرد و الامطار الذي قد يفرّقهم، او خطط للاعلان عن تحويلها من يومية الى اسبوعية، او توظيفها لطرح فكرة (حكم رئاسي) الكريهة في ظروف العراق الآن (*) .  . هو للاطالة و لتثبيط حماسة المنتفضين.

و يؤكد كثيرون على انه لكسب ثقة المنتفضين سريعاً يتلخص بـ : استقالة او اقالة الحكومة و اعلان حكومة انتقالية (او مجلس انتقالي) بالغاء المحاصصة و بصلاحيات استئنائية تهئ لإنتخابات مبكرة، معاقبة قتلة المتظاهرين و اطلاق سراح الموقوفين و المختطفين منهم، مواجهة اكبر حيتان الفساد علناً و فوراً و السيطرة الفورية على البنك المركزي، سحب السلاح من ميليشيات الحشد و الاعلان عن حلّها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) اول من طرح فكرة الحكم الرئاسي هو السيد المالكي كحل لفشلهم اثر انتفاضة (باسم الدين باكونا الحرامية) حين رحّلوا سببه الى كون قيام الحكم على اساس (حكم برلماني)، و الان يطرح الفكرة السادة العامري و الخزعلي، لتأمين حكم فرد منهم، مطلق الصلاحيات، الذي لن ينتج الاّ دكتاتوراً .

عرض مقالات: