تفجرت عناقيد الغضب الكامنة في صدور الناس جراء الفساد والظلم الاجتماعي المتراكم، ولكن هذه المرة اطلقتها حناجر الشباب المطحون المهمش بألة المحاصصة الطائفية والولاءات العابرة للحدود. فهو صوت لم تكن ثمة اذان تصغي اليه من قبل القوى المتنفذة المتوحشة ذات البراقع الدينية الزائفة. اليوم لقد اختمر الوضع الثوري الذي غدت فيه الازمة تخنق القاعدة " الجماهير " وتزهق انفاس القمة " السلطة " بمعنى ازمة في القاعدة وازمة في القمة، ووصلت الى اللحظة الحرجة التي لن ياتي بعدها سوى الانفجار. وهنا ينبغي ان يبرز دور الاداة " القوى القائدة " التي ستقود الجماهير الثائرة الساخطة الى مبتغاها الصائب.

            نتساءل ويتساءل الناس عن " القيادة "، البعض يقول: بلا قيادة، و"الهبّة عفوية" . ان ذلك في علم السياسة لايجلب القناعة، ولكن نرى معظم القوى السياسية في البلد تكاد تكون متفرجة للاسف الشديد. ما عدا الحزب الشيوعي العراقي، حيث بادر مطالباً باستقالة الحكومة، واتخذ قراراً باستقالة نوابه من البرلمان ومن مجالس المحافظات ايضاً، كما نزل جميع رفاقه وانصار الى الشارع وقع منهم شهداء وجرحى .. وبالمناسبة يُشكل على الذين يطلقون عبارة " لا تركب الموجة " لكونهم لا يدركون بان من ياتي للانضمام الى التظاهرات و مساندتها من القوى ذات الارث النضالي في الحراك الجماهير وصاحب الاسبقية ومنذ اعوام مضت في ساحات التظاهر ومطلق شعارات هذه الانتفاضة بالذات.. بانه يعد من { اهلها } ومفجرا للارهاصات الثورية. لا يعتبر ركوباً للموجة، ان الانتفاضة ليست مجيرة لفئة معيينة فقط لانها لكل من يعان من جور حكم قوى نهج المحاصصة الطائفية المقيتة. ويناضل من اجل العدالة الاجتماعية.

            اما التأييد المتاتي من قبل بعض القوى الوطنية لا يعدو عن كونه اصوات طيبة لا ترقى الى تطيّب جرح، ولكن انخراط سائرون وفئات اجتماعية مثل النساء والطلبة والنقابات، الذين وضعوا ثقلهم لمساندة الانتفاضة قد غيّر المعادلة في الشارع وسيزيد من مناسيب التفاؤل والاطمئنان هذا اذا مضى باجراء صارمة وتطبيق شعار" شلع قلع " ومن جانب اخر نجد الحكومة قد غدت طريدة بلا ملاذ ورئسها الذي تطارده ارواح اكثر من مئتي شهيد والاف الجرحى، نجده يحاول ان يلوذ بطروحات تعجيزية، فهو يطالب تارة بنصب شبكات تلفزيونية في الشوارع عندما يذهب الى البرلمان، وكأنه يريد ان يهدد ويكشف عن ما هو مستور من الجرائم،  وتارة اخرى ، يفترض دعوة من السيد رئيس الجمهورية للاستقالة، واخرها وليس اخيرها يدعو الكتلتين اللتين جاءت به الى الوزارة  لتشكيل حكومة  بديلة قبل استقالته. ان ذلك يشبه من يحاول الاختباء بظل اصبعه، و تشبثه هذا بالسلطة فمثله مثل ذلك الذي يحاول القبض على عمود دخان تدفعه رياح عاتية.

            بات فعل الانتفاضة يخلق عوامل التغيير بقوة، واذا ما تم ذلك في الواقع وتجلى باجراءت فعلية . سيتم ليس بايدي شباب الانتفاضة ولا بمن يمثلهم . طالما لم تظهر قيادة الانتفاضة. وعليه ينبغي ان تبرز القيادة الشبابية لتأخذ دورها الحقيقي وتشارك في عملية التغيير، دون ذلك ستتجلى ارادتان في الساحة . ارادة قوى شبابية انضجت عوامل التغيير، وارادة قوى فاعلة مساندة اخذت على عاتقها تبني تجسيد مفردات التغيير. وفي كل الاحوال سيبقى التماهي الضروري بين الطرفين غير متماسك بالمستوى الذي من شأنه صيانة حصيلة الوضع الجديد. وهذا ما يشكل { ثغرة الدفرسوار } في جنوب قناة السويس ابان الحرب . لاشك انها  ستستغل من قبل الخصوم لاجهاض عملية الاصلاح .

            ان تحول مهمة الحل الى ذات الكتلتين اللتين جلبتا عبد المهدي سوف لن تاتي على الاغلب نسخة "عبد المهدي" من طراز اخر ولكن من نفس المدرسة الفكرية المتخلفة، التي جلبت كافة رؤساء الحكومات السابقة منذ 2003 .لكونها لم تفقه مجريات الواقع  الثوري العراقي المصمم على التغيير، واذا ما جرت الامور على هذه الحالة، فبعد حين تعود الامور الى المربع الاول المطوّح به بهذه الانتفاضة الباسلة. لقد اصبح من اللازم جداً ان تبادر القوى  الثورية الوطنية القريبة التي لها صلات مع الشباب وطروحاتهم على خلق المستحيل لبلورة القوى القائدة للانتفاضة من بين القوى المحركة لها " الجماهير الثائرة "، وتوثيق التنسيق معها لابراز القيادة الشبابية والمخلصة للتغيير، لكي تمسك عملية التغيير بيد ثابتة قوية، وابعاد اي جهة كانت فاسدة ومخربة وفاشلة وغير وطنية عن دفة الاوضاع الجديدة.

عرض مقالات: