منذ اكثر من عقد ونصف وهم يرون المشاكل والازمات امامهم، فيتركونها للوقت او للقدر او للسماء، وعندما تقع ((الفأس بالراس)) يخرجون يصرخون ويولولون كما لو انّهم الضحية والشعب هو الذي فقد صوابه!، تلك هي بعض من حيل ومناورات الطغاة والمستبدين التي عرفناها منذ ان غزت (بعران) عنترة العبسي ميدان التحرير في القاهرة وحتى سال دم الشباب في دوّار اللؤلؤة!، لكنّ جميع الفزاعات والقبضات الحديدية بما فيها من موت وقسوة لم تمنع الشعوب من المطالبة باسقاط الانظمة التي اقتاتت على خيراتها واستعبدت ارادتها واستبلدت وعيها!.

ولم يكُ العراق خارجا عن سياق التاريخ، ولا استثناءً من القاعدة، ولا متخلفا عن الركب وهو الذي واجه كلّ الجنون الذي انبثق من الارض وكلّ المصائب التي نزلت من السماء!، فلا يمكن لشعبه ان يلعب دور النعامة وهو يكابد كل اوجاع الداء التي تجاوزت حدود التحمل واخرها مئات القتلى وآلاف الجرحى وسواهم من المعتقلين والمطاردين، بل لابدّ ان يعرض جسد وطنه المثخن بالجراح الى اشعة الشمس كي يفضح آلة القتل والانتقام التي مارسها اصحاب الوجوه الشاحبة والابتسامات المصطنعة.

انّ الجريمة المكتملة الاركان والابادة الجماعية التي تعرض لها الشباب المنتفض في الايام الماضية والتي كان ضحيتها 150 قتيلا و3 الاف جريح، لم تكن ابدا نتيجة لحماقة شرطي تمرد على الاوامر، ولا لانحراف جهاز امني عن مسار العقيدة، وليس حالة شاذة ومعزولة عن السياسة العامة، وانما هي من انتاج منظومة كاملة تشكلت منذ زمن بعيد واستهدفت اذلال العراقيين وكسر ارادتهم لكي يتسنى لها قيادة القطيع في اطار لعبة سياسية قوامها التزوير في كل شيء.

لقد عاد بنا نظامنا السياسي (نظام سلطوي وبوليسي) بعد ان تجلّت وحشيته في ابشع صورها في الاول من اكتوبر الى عقود قديمة، عقود ((الشيخ والمريد.. السلطان والرعية.. السيد والعبد.. الفوق والتحت!..)) حيث تُغتصب الدولة وتستسلم الرقاب وتُنهب الثروة وتُوزع الفتات، هذه الممارسات التي تكدست فوق بعضها والتي تتنافى مع روح العصر وقوانين انتقاله، هي التي دفعت العراقيين الى القناعة بأنّ هذه الطبقة السياسية لا تريد ان تستيقظ من نومها وغير مستعدة لان تغير من عادتها ومازالت متمسكة في نظامها الهش سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

انّ صفحة الشارع الخانع، الذي يسير في الظلّ مطأطئا رأسه طويت الى الابد، ووُلد شارع آخر لا يخشى الركلات وجعجعة البنادق، ولا تنفع معه الوعود والندوات والمهرجانات، بل يزداد كل يوم اصرارا على المطالبة برأس الفساد الذي تحول الى نمط في الحكم وعقيدة في الادارة وفيروس ذكي استطاعت الطبقة السياسية الحاكمة بدلا من محاربته ان تتصالح معه، لذلك اخذ الشعب الكلمة، ويخطأ من يقول ان العودة الى الوراء ممكنة!!.

عرض مقالات: