اندلعت انتفاضة شباب العراق الابطال في الاول من تشرين اول/ اكتوبر من العام الجاري و سجّلت و تسجّل ملاحم لم تتصورها الكتل الحاكمة و لا السلطات الثلاث و الاحزاب، رغم تنبيه العديد من الكتاب و المحللين الى ان اهمال الجماهير الشعبية و خاصة الكادحة منها سيؤدي الى انفلات الاوضاع كلّها بوجه السلطات الحاكمة، بعد ان وصل الألم و الحرمان مداه، ولأن ليس لديها ما تخسره.

اشعل الانتفاضة شباب العراق من الأجيال الأقل من عمر 20 عاما ، ليعطوا درساً للجميع فيما يعانيه الشعب العراقي على كل المستويات، التي صار لا يحدّها مقال او بحث، معاناة بسبب الفساد و الارهاب و البطالة و الفقر، التي تسببت بها الفئات الحاكمة التي تعكّزت و تستّرت فيها بملحمة الحسين الشهيد زوراً و بهتاناً، في محاولة لتغطية نهبها و سرقاتها الفلكية بنظام المحاصصة الذي حوّل البلاد الى كانتونات شبه مستقلة لاتبالي بسحق ابنائها و في مقدمتهم عنصرها الفاعل و الاهم .  . شبابها و شاباتها.   

لم يدركوا لغبائهم سعة معرفة و منطق شباب اليوم الذين رغم الفقر المدمّر، توفرّت لهم فرص الاطلاع على تجارب العالم و كيف تعيش الدول و شبابها و اية قوانين انسانية تحكمها و كيف يتطور العالم  و اين نحن و كيف تسيّرنا عقول و اساطير مئات السنين لايعرف الى اين ؟ و كيف دجّن الجهل اوساطاً و اوساط .  .

سواء عبر الانترنت و تطبيقاتها التي لاحصر لها و التي اصبحت من مقومات حياة اليوم حتى في اقصى مجاهيل العالم و صارت حقّاً من حقوق الإنسان، او ما شهدوه عبر موجات الهجرات المليونية وسط انواع الاهوال طالبين اللجوء، هرباً من الارهاب و الحروب و العنصرية الدينية و المذهبية و الاثنية، و عودة النسب الأكبر منهم الى دفء الوطن. 

و يلاحظ كثيرون، بأن اجيال مابعد 2003 لم تغرق في كتب و نظريات، و انما فتّحت اعينها على سقوط الدكتاتورية و على انواع المعارك و الحروب الارهابية و الالاف المؤلفة من الضحايا و انواع اللافتات المبشّرة بغد افضل و بالرفاه، بل و صدّقت بالدستور و بالوعود الديمقراطية بداية و تحدّت الرافضين و تحدّت انواع الصراعات العنيفة التي تجري من اجل منافع انانية ضيّقة و سرقات هائلة مشرعنة، حتى انكشف زيف الوعود من حياتها التي تزداد بؤساً، فعارضت و احتجّت و تجمّعت بلا حزب يجمعها او يوحدها بل فقدت ثقتها بالسياسيين و بالاحزاب، و فقدت الثقة بمن يدّعون تمثيل الطوائف الدينية.

اجيال صدّقت بحق الاحتجاجات السلمية الذي كفله الدستور، الاّ انها فوجئت بالرصاص الحي يطلق عليها في واضحة النهار و واجهته مقدّمة مئات الضحايا في اعوام 2010، 2014 ، 2015 .  . حتى انفجرت انتفاضة شباب البصرة السلمية قبل عام، التي واجهت رصاص الحكومة بالحجارة و امتنعت العديد من وحدات القوات المسلحة الحكومية عن تنفيذ اوامر فتح النيران عليها، و غيّرت معادلة الحكم و كانت السبب في خسارة رئيس الوزراء السابق العبادي (و بشكل مشابه قبله المالكي)، رغم كونه القائد العام الرسمي للقوات المسلحة التي اسقطت (دولة داعش) الإرهابية الإجرامية.

و انتظروا نتائج انتخابات 2018 التي شارك فيها اقل من 40 % ممن يحق لهم التصويت حين ارتفع شعار (الاصلاح) و طغى على الدعايات الانتخابية التي رفعتها كلّ الكتل بما فيها الاكثر فساداً حتى ضاع معنى الاصلاح ، انتظروا بلا طائل وعود المرجعيات بالمحاسبة و من اين لك هذا ؟؟ رغم مشاهدتهم التزوير و محاولات التسييس و ركوب الموجات و تجييرها و استمرارها. 

في وقت لم تبالِ الحكومات المتعاقبة بإيجاد حلول لمشاكل الشعب الاساسية في الحياة، بالماء الصالح للشرب و الكهرباء و الصحة و العمل و التأهيل المهني، و رجال الدولة اللادولة في صراع بينهم على الغنائم، حتى افقدت الاوضاع استقلال البلاد، في ظروف يتكالب عليها انواع الذئاب الاقليميين و الدوليين و خاصة ايران و تركيا و الولايات المتحدة و حلفائها، بعد ان وصلت نسبة ماتحت الفقر الى 30 % وفق البيانات الرسمية.

و يجمع اوسع عدد من المراقبين على ان التظاهرات السلمية الجريئة منتهى الجرأة على حق و كل الحق، بشهادة الانضمام السريع لأوسع فئات الشباب اليها بشكل عفوي، سواء بالمشاركة الفعلية او التاييد و النشر. لقد اطلق الشباب شجاعة القول و الاحتجاج بعد ان يأست فئات عمرية اكبر سنا و فقدت شجاعتها امام هول العنف الذي واجهته علنا .  . امام حكومات لم تقدم شيئا لأجيال حاربت الإرهاب و اسقطت (دولة داعش) الإجرامية، يوم هربت وحدات حكومة المالكي من الموصل و تسببت بمذبحة سبايكر !

(يتبع)

 

 

عرض مقالات: