العلاقة التاريخية بين الصين والعراق ذات بعد تاريخي بحيث تصبح أقدم علاقة تجارية من اي علاقة تنافسها دوليا، وذلك لجملة عوامل تاريخية وجغرافية وثقافية وقد تناولها المؤرخ المعروف المسعودي في كتابه "مروج الذهب". فطريق الحرير ليس جديدا على العراق والشرق الاوسط والعرب بطرقه البرية والبحرية. وان اول موانئ العرب في زمن الاسلام مع الصين هو مدينة البصرة التي انشأها الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، فالمراكب التجارية كانت تنقل البضائع من البصرة الى الصين. (بدر الدين حي الصيني/العلاقات بين العرب والصين /ص109 /سنة 1950 /ط اولى /مكتبة النهضة المصرية) .
الان تلوح في الافق الاقتصادي الرأسمالي الدولي ازمة مقدر لها ان تبداء في عام 2022 ستكون اشد من من ازمة 2008 الناجمة عن تعثر مصرف ليمان برذر وارتداداتها الدولية في المحور الرأسمالي عموما، لتلي ازمة نمور اسيا وتداعياتها.
فطبيعة الصراع الآن وقواعد الاشتباك الدولي اختلفت عن الحرب الباردة، فالصين أكبر دائن لأمريكا وصراع تجاري محتدم وصناعي، مما يعني ان المقرض الصيني سيضع امريكا تحت السيطرة الصينية لاعتبارات التكافؤ في مجالات الاستراتيجية. كما ان الهند تسارع الخطى في هذا الخط شبه الصيني، واليابان باتت أكبر مدين في العالم لأمريكا. (نعوم شومسكي /صناعة المستقبل /ص233/2014 ط ثانية).
كما ان ادوات الجانب الامريكي ومحوره الاوربي واليابان واستراليا المترابطة مصيريا على الاقل بعد انفلات العولمة، هذه الادوات الثلاثة (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الحرة) لها ماض غير مشرف عربيا وعراقيا ودوليا منذ انشاء الاول والثاني بموجب معاهدة برتون وودز، وكذا منظمة التجارة الحرة. كما لمسنا من الاخيرة شروطها بانفلات اقتصادنا التجاري وتردي ميزانه حسب شروط صندوق النقد الدولي بموجب اتفاقية باريس. فتوالت علينا السلع الرديئة. اذ وفقا لما صرح به امين عام مجلس الوزراء كنتيجة لهذه السياسة، ان حجم العملة المتسربة بأعذار واهيه تقدر بـ (180 مليار دولار بين عامي 2003 و 2012) ولم يخرج بصفة شرعية غير 5 في المائة فقط. (د.عوده ناجي الحمداني / صندوق النقد الدولي ص85 /2015).
اما تجربة صندوق النقد الدولي مع جيرانه في امريكا اللاتينية فبشاعتها ظهرت نتائجها في جدار المكسيك وحصار فنزويلا والهجرة من امريكا اللاتينية الان، حيث بلغ حجم ديون البرازيل 87مليار دولار والمكسيك 93 مليار دولار والارجنتين 43 مليار دولار بنهاية عام 1982. اما خدمة ديونها الخارجية فبلغت لنفس الفترة نحو 308 مليار دولار و43.1 مليار دولار .18.4مليار دولار على التوالي، اي بنسبة 117 في المائة من مجموع صادرات البرازيل وبنحو 120 في المائة و 153في المائة لكل من المكسيك والارجنتين . (المصدر السابق ص36).
هذه نبذة موجزة جدا ونقول للذي يذود عن السياسات الاقتصادية الأمريكية ومحورها ان مشروع مارشال الذي اعاد الى اوربا بنيتها التحتية جاء كرد فعل على انتشار الاشتراكية، حيث قسمت برلين. كذلك اليابان تداركوها لمواجهة الثورة الصينية لتشكل قاعدة للنمور الاسيوية انطلاقا من كوريا الجنوبية لمحاصرة الصين.
في كل الاحوال هذه طبيعة الصراع الطبقي دوليا اي انهم ليس حبا بموسى بل كرها بفرعون من خلال اولويات المصالح. اما الوجه الاخر فنراه بثلاث ميزات ينفرد بها المحور الامريكي، ولكن ضمن ديمقراطية مشروطة حسب مقاسات المقتدر عادة، من ان الديمقراطية مقبولة في ارض العدو (الى حد ما) ولكن لا نقبلها في ارضنا الا اذا كانت مروضة (نعوم شومسكي مصدر سابق ص233).
هذه الميزات التي ينفردون بها هي التكنولوجيا والقواعد المنتشرة والدولار. لذلك كان الصراع بحجم مواز للطرف الاخر لتتحدى الصين بدينها على الخزانة الأمريكية كورقة قوية امام الورقتين الأخريين يبدو ان التفوق الاقتصادي كميا يبلع كثيرا من الامتيازات اضافة لاوسع اقتصاد عالمي من حيث الطلب والاستهلاك ونحن نتحدث عن مليار وربع المليار مستهلك لا يستغني عنه اي اقتصاد نام او متقدم بإدارة مركزية رشيدة.
اما الورقة الثانية فهي قضية الملكية الفكرية والـ (know how ) في عالم التكنولوجيا فيبدو ان الصين قلبت قواعد اللعبة من خلال قوة اقتصادها وضغطه الشديد كمنافس عملاق بجميع الميادين من الفضاء الى طريق الحريروحزامه لتصبح ثاني اكبر اقتصاد بفترة قياسية وسيكون طريقها السلمي الحريري تيها لنلمس من خلال البنك الاسيوي للبنية التحتية ليمر متحديا قواعد العسكر المنتشرة ومنصات التجسس والتحكم من بعد ليحيدها .
وبذلك عبر الصينيون من خلال رأسمالية الدولة المنضبط وليس بالسير في تجاه الرأسمالية المتوحشة (مئوية الثورة الروسية / اوراق ماركسية في الالفية الجديدة /مجموعة كتاب ص208 و218).
فقد طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مشروعهم كمبادرة للتشارك اثناء زيارته الى كازخستان واندنوسيا في ايلول وتشرين الاول 2013.
وبذاك دخلت 65 دولة في إطار التشارك ضمن نطاق الحزام والطريق. فصعود الصين مع الهند والبرازيل وروسيا سيؤدي الى زعزعة النظام الاحادي الحالي عاجلا او اجلا مما يتطلب اعادة مراجعة، فضلا عن قراءة متأنية للفترة التي سبقت الحرب العالمية الاولى مع تشنجات داخلية انعكست على انشطار معمار القوى العالمية الى اجزاء متناثرة (د.نجاح كاظم/ الصين القوة العملاقة الجديدة/ ص103 /2010).
فقد قام بنك الشعب الصيني مع مؤسسة التمويل الدولية ومؤسسات متعددة الاطراف باستثمار اكثر من 55 مشروعاً منتشراً في اكثر من 70 دولة ومنطقة نهاية عام 2018 . (جريدة الصباح بعددها 258 في0 تموز 2019).
وبما ان العراق من الدول التي تربطها علاقات قوية بالصين ومحورها سواء ببعدها التاريخي او التجاري حيث ان بلدنا في مجال تصدير النفط يصدر 99 في المائة من نفطه وغازه (جريدة المدى عدد448 في28/7/ 2019).
فوفق هذا الميزان التجاري المتوازن مع الصادرات الصينية الينا تصبح الصين شريكا اساسيا بالاضافة الى العوامل التاريخية والمعاصرة وفي ضوء التجربة مع غيرهم من شركاء دوليين واقليميين، حيث كانت غير مشجعة للتواصل في حصادها. وهكذا يكون ميناء الفاو وطريقه الى اوربا قاعدة أساسية لبنية تتكامل مع التجارة استيرادا وتصديرا كاكبر شريك في كليهما، ناهيك عن استخراج النفط او الغاز وامكانات اخرى في الزراعة والصناعة التي لم يكن شركاؤنا مشجعين لهذين القطاعين جوهر تنميتنا المستدامة ونفطنا الدائم.

عرض مقالات: