من أكثر الأسئلة التي أثيرت في الأسابيع القليلية الماضية، هو متى ستندلع المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. والسؤال لا يتم طرحه فقط من قبل الإتجاه المعادي لإيران والذي يعتبرها تشكل تهديدا مباشرا على وجوده ومصالحه ، مثل الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية، ولكن أيضا من بعض المؤيدين للمقاومة وسياسة الجمهورية الإيرانية، مع إختلاف الدوافع بين الطرفين في طرح هذا السؤال.

يؤمن الطرف المعادي لسياسات  الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، بقدرة الجمهورية الإيرانية وتحالف المقاومة، على خوض هذه المواجهة والخروج منها رغم الكُلفة الكبيرة المتوقعة، بإنتصار كبير.

 أما الطرف المؤيد للولايات المتحدة، فيثق بالقدرة العسكرية الأمريكية وتفوقها النوعي مع حلفائها، وقدرتها غير المحدودة على توجيه ضربة تكون حاسمة لإيران، تنجح في تحجيمها وشل قدراتها العسكرية، وبالتالي تحييدها عن أن تشكل خطرا على أمنهم القومي.

واقع الحال، أنه وبالرغم من إمتلاك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بصفته القائد العام للجيش والبحرية الأمريكية ، صلاحيات إعلان الحرب، وتوجيه ضربات محدودة حماية لأمن ومصالح بلاده ، إلى أن قرار إعلان الحرب على الجمهورية الإيرانية، يتجاوز قدرات الرئيس الحالية وصلاحياته، لأن نتائج مثل هذا القرار ستكون تدميرية على مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة، خصوصا على إسرائيل ، وبعض الأنطمة الحاكمة في الخليج.

لا يُمكن المقارنة ما بين قرار غزو العراق وإحتلاله، وبين حرب مع الجمهورية الإيرانية، لأن المناخ الدولي مختلف تماما، وموازين القوى في المنطقة تغيرت، وإن أمكن الإستفراد بالعراق في تلك المرحلة لأسباب كثيرة ، فالمسألة مختلفة تماما مع إيران، ولا توجد ظروف موضوعية مشابهة ، يُمكن أن تشجع الإدارة الأمريكية على إرتكاب مثل هذه المغامرة، لا سيما بعد تجربتها المريرة في العراق ، والقدرات التي يمتلكها الطرف الآخر.

شهد التاريخ الأمريكي، قيام الرئيس  بإعلان الحرب قرابة 125 مره - حسب بعض الدراسات- دون إعتراض من قبل المؤسسات الأمريكية، لقناعتها بأن الأمن الأمريكي في خطر وقرار الرئيس ينسجم مع تحقيق مصالح أمريكا.

ومفهوم الأمن الأمريكي الإمبراطوري، يتلخص في منطقتنا العربية، بحماية وأمن إسرائيل، وإستمرار تدفق النفط ، وبقاء الأسواق التجارية ، والحفاظ على الوجود الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط لأهميتها الجيوسياسية، وضمان الهيمنة الأمريكية.

يُراعي القرار الرئاسي الأمريكي تقليديا، مجموعة من المؤثرات الداخلية والخارجية،من مثل :

 المصالح الإقتصادية( شركات السلاح والنفط) ، إعتبارات الأيدولوجيا والدين (المسيحية- الصهيونية) ، جماعات الضغط وتجمعات المصالح ( اللوبيات خصوصا الصهيونية ) ، إضافة للرأي العام والإعلام ، مكتب الرئيس ومستشاريه، مكتب الإدارة والميزانية ، مجلس الأمن القومي ، مجلس المستشارين الإقتصاديين ، وزارة الدفاع ، وكالة المخابرات المركزية، وزارة الخارجية، الكونجرس ( مجلس النواب ومجلس الشيوخ )، مراكز الأبحاث، مواقف بعض الدول الأوروبية، وغيرها.

 ومن يدقق في مواقفها الحالية، سيجدها- في غالبيتها- إما مترددة أو معارضة لأي تصعيد مع الجمهورية الإيرانية في الوقت الحالي، بالرغم من رؤيتها الإستراتيجية لضرورة " تحجيم قدرات إيران "، وحماية المصالح الأمريكية في الخليج والمنطقة.

لم يكن عند صُناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، مشكلة في دعم القدرات العسكرية والأمنية لإيران ، في زمن الشاه محمد رضا بهلوي، وكان " شرطي الحليج " يحظى بإمتيازات خاصة كحليف إرتمى في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل على الحفاظ على مصالحها، وفتح لها أبواب إيران والمنطقة ومنحها القواعد العسكرية والأمنية ،وإعترف بالكيان الصهيوني بعد سنتين من تأسيسه في 6 من مارس عام 1950،  وما كان للبرنامج النووي الإيراني أن ينطلق ، دون مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأوروبية الغربية، في فترة الخمسينيات من القرن العشرين.

لم تكن بعض الأنظمة الخليجية ، تجرؤ على معارضة السياسة الأمريكية إتجاه إيران الشاه، ولا إنتقاد العلاقات المتميزة مع الغرب في حينها، بل وكانت تخطب ودها،  ومع إنتصار الثورة الإسلامية في إيران في 11 فبراير 1979 ، ومع التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية ، بدأت هذه الأنظمة تكتشف فجأة " الخطر الإيراني "، وبدأت سياسة تغذية الطائفية  في الخليج ومصر لمواجهة " المد الشيعي الإيراني "، وتحول العداء إلى وجودي وإلى صراع تاريخي  مع الجمهورية الإيرانية " الفارسية "، التي أعلنت منذ بداية الثورة عن معاداتها لإسرائيل، ورفضها للهيمنة الأمريكية في المنطقة.

مع فشل بعض هذه الأنظمة في تطوير إستراتيجية متماسكة للأمن القومي العربي بمفهومه الواسع، وإضاعتها لفرص تاريخية لا تُعوض، أصبحت رهينة الحماية الأمريكية والإسرائيلية بشكل متزايد ، متناسية ربما، أن صانع القرار الأمريكي، لن يُقدم على أية خطوة يُمكن أن تتعارض مع المصالح العُليا المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية، ومركزها الإمبراطوري، حتى لو كان الثمن هو بعض الرؤوس  هنا أو هناك، وكما تخلت عن حليفها السابق بهلوي، يُمكن لإعتباراتها الخاصة أن تُضحي بالبعض في منطقة الخليج.

لا شك أن من مصلحة الولايات المتحدة، منع ظهور أية قوة مناهضة لها في الشرق الأوسط ، ولكنها مجبرة أن تراعي مصالح بعض الدول أيضا مثل روسيا ودول أوروبا الغربية خصوصا بعد المليارات التي خسرتها بسبب إحتلال العراق، وتجربتها في ليبيا وسوريا، ومتطلبات إقتصادياتها ، والتي لا تدعم فكرة المواجهة المسلحة مع الجمهورية الإيرانية، بل وتعارضها بشكل علني وواضح ، وعل الولايات المتحدة حساب النتائج بشكل واقعي وليس أقلها إرتفاع أسعار النفط.

وبالرغم من كل ذلك، لأ بد أن يعي من يحاول التأثير على صانع القرار الأمريكي ويدق طبول الحرب، لتوريطه في مواجهة عسكرية مع إيران ، أن مثل  هكذا مواجهة ، ليست لعبة ( أتاري) ، بل ستكون عواقبها وخيمة على بُنية  بلاده التحتية وشعوبه بل ووجوده المكشوف عسكريا وأمنيا كونه في مرمى النيران القريبة، وسيكون هو أول من يدفع الثمن.

لن يكفي الدور الوظيفي لبعض الحكومات العربية والذي يتجاوز حدوده وحجمها وقدراتها، ولا التطبيع المتسارع مع الكيان الصهيوني، للتأثير على قرار الحرب والسلم الأمريكي.

منذ أن شاركت الولايات المتحدة الأمريكية في الحربين العالميتين ، الأولى والثانية، وبدأت في رسم سياستها الخارجية إتجاه منطقة الشرق الأوسط ، وتحديدا منذ إعترافها بقيام دولة الكيان الصهيوني في مايو عام 1948 في عهد الرئيس ترومان، وهي تمارس سياسة أيدولوجية وبراغماتية في نفس الوقت، ولا تُشكل  بعض محمياتها في منطقة الخليج ، سوى مجرد جزء من أمنها القومي وأمن إسرائيل، وستقوم بخوض مواجهة عسكرية مفتوحة مع الجمهورية الإيرانية، وفقط عندما تتهدد هذه المصالح بشكل قوي ومباشر ، وستبحث عن الحلول التوفيقية والدبلوماسية، وستمارس كل أشكال المناورات الدبلوماسية، والضغط الإقتصادي والإستعراضات العسكرية المحدودة والحرب النفسية، تهربا من إتخاذ مثل هذا القرار الحاسم.

يبقى خيار  إيجاد حلول سياسية هو الأفضل والأسلم ، لأن آخر ما يُفكر به صانع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ومها بلغ تودده للحكومات العربية، هو عقال الحاكم العربي ودشداشته، مع كامل الإحترام للزي التراثي.