كان العراق من أول الدول في المنطقة التي جرّمت ممارسة الفساد من خلال تشريع قانون (الكسب غير المشروع على حساب الشعب) رقم (15) لسنة 1958، والذي تم تعديله بالقوانين (36) لسنة 1958 و (65) لسنة 1958 و (30) لسنة 1963. وتكوّن القانون المذكور من (23) مادة، نصت الأولى منها على إلزام جميع المسؤولين والموظفين في الدولة بمختلف مستوياتهم، ممن هم في الخدمة أو خارجها بتقديم إقرار بالذمة المالية لهم ولزوجاتهم وأولادهم القصر. وجرّم القانون المشمولين بأحكامه عند عدم تقديمهم الإقرار المطلوب في الموعد المقرر أو عند ذكر بيانات غير صحيحة أو إخفاء المال المتحصل من كسب غير مشروع، إضافة إلى الحكم برد الكسب غير المشروع.
ويترتب على الحكم بالرد عزل الموظف أو المستخدم أو القائم بالخدمة العامة من وظيفته أو خدمته. وتصل العقوبة للمشمولين بأحكام هذا القانون إلى الحبس لمدة (5) سنوات حسب كل حالة. ونظراً لانتشار الفساد اليوم بشكل كبير في معظم أجهزة الدولة، بات من الضروري أما تفعيل القانون المذكور والذي ما زال نافذاً، أو تشريع قانون جديد يأخذ بنظر الاعتبار التغييرات الحاصلة في أجهزة الدولة والوضع العام في البلد.
بناءً على ذلك تم إعداد مشروع جديد لقانون الكسب غير المشروع ساهمت هيئة النزاهة بدور أساسي في تشريعه، وتم استكمال متطلبات التشريع من خلال عرضه على مجلس الدولة ومصادقة مجلس الوزراء عليه وإحالته إلى مجلس النواب. وقد تم بالفعل عرضه على المجلس من خلال كل من اللجنة القانونية واللجنة المالية، وتمت القراءة الأولى للمشروع بتاريخ 24/آذار/ 2019.
ويتضمن المشروع معظم المبادئ التي تضمنها قانون الكسب غير المشروع على حساب الشعب رقم (15) لسنة 1985 الذي تم تشريعه في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم.
ويتكون مشروع القانون الحالي من (20) مادة، عرّفت الفقرة خامساً من المادة الأولى منه الكسب غير المشروع بأنه (كل زيادة كبيرة في أموال المكلف أو أموال زوجه أو أولاده لا تتناسب مع مواردهم الاعتيادية، ما لم يثبت المكلف أنه كسبها بصورة مشروعة).
وحددت المادة (الثانية / أولاً) من القانون المشمولين بتقديم الاقرار عن الذمة المالية والمشمولين بأحكام هذا القانون، وهم (رئيس الجمهورية ونوابه ، رئيس مجلس الوزراء ، رئيس مجلس النواب ونائباه ، أعضاء مجلس الاتحاد ، رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ، رئيس مجلس القضاء الأعلى ، رئيس الإقليم ، رئيس حكومة الإقليم ، رئيس مجلس نواب الإقليم ، الوزير ومن بدرجته ، رؤساء الهيئات غير المستقلة الشاغلين لدرجة وزير ونوابهم ، وكلاء الوزراء ومن يتقاضى راتب وكيل وزارة ، أصحاب الدرجات الخاصة ، المحافظون ونوابهم والقائممقام ورؤساء مجالس المحافظات المنتظمة بإقليم وغير المنتظمة بإقليم وأعضاؤها ، المديرون العامون ومن بدرجتهم ، القضاة وأعضاء الادعاء العام ، موظفو السلك الدبلوماسي ، محققو مجلس القضاء الأعلى ومحققو هيئة النزاهة ، الضباط من رتبة مقدم فما فوق في التشكيلات العسكرية والأمنية كافة ، مديرو النواحي ، رؤساء الجامعات الحكومية والأهلية وعمداء كلياتها ورؤساء أقسامها وتدريسيوها ، رؤساء الجمعيات والاتحادات والنقابات والمنظمات ومؤسسو الأحزاب السياسية ، رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات التي تسهم فيها الدولة ، رؤساء وأعضاء لجان وتحليل العطاءات).
ونصت المادة (3 / أولاً) من القانون على إلزام المكلف بتقديم الإقرار خلال (30) يوماً من تاريخ توليه الوظيفة أو المنصب وتاريخ انتهاء علاقته بها.
ونصت المادة (8 / أولاً) من القانون على إيقاف صرف راتب الموظف ومخصصاته إذا لم يقدم الاستمارة خلال المدة المطلوبة، كما نصت الفقرة (ثالثاً) من نفس المادة على إيقاف صرف الراتب التقاعدي للمكلف ما لم يقدم ما يؤيد تقديمه الاستمارة.
وتضمنت المواد (10) و(11) و(12) من القانون النصوص العقابية التي تفرض بحق من ينتهك القانون، وهي الحكم بالحبس مدة لا تقل عن سنتين على كل من امتنع عن تقديم الاستمارة بدون عذر مشروع، والسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات وبالغرامة بما يعادل قيمة الزيادة كل من كلفه قاضي التحقيق بإثبات مشروعية الزيادة في أمواله وأموال زوجته أو أولاده خلال (60) يوماً وعجز عن إثبات ذلك، والحبس لمدة لا تقل عن سنة لكل مكلف تعمد إخفاء معلومات مطلوبة في الاستمارة أو قدم معلومات كاذبة، والحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات وغرامة لا تزيد عن خمسة ملايين دينار كل من أفشى بحكم وظيفته معلومات تتعلق بالاستمارة .
ونصت المادة (12) من القانون على منع الموظف من تعيين أحد له صلة قرابة به إلى الدرجة الثانية في الوظائف التي تحت إدارته، ويعد كل تعيين خلاف ذلك باطلاً وتسترد المبالغ المسددة له. وخولت المادة (15) من القانون هيئة النزاهة الكشف عن أملاك المكلفين من أعضاء مجلس النواب وشاغلي درجة وزير فأعلى ومبالغ حساباتهم.
ومن خلال الاطلاع على أبرز نصوص القانون نستطيع القول أن تشريعه وتنفيذه سيحد إلى قدر كبير من الفساد، الذي أصبح كابوساً عجزت الدولة حتى الآن عن اتخاذ اجراءات فاعلة للحد منه، بما في ذلك تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد.
لذلك فإن مخاوفنا الموضوعية تشير إلى وجود إمكانية كبيرة لعدم تشريع وتفعيل هذا القانون، كونه سيمس شريحة كبيرة من أصحاب القرار في الدولة.
ومن هذا المنطلق فإن المسؤولية تقع على عاتق الجميع في التحرك للعمل على تشريع هذا القانون بما في ذلك منظمات المجتمع المدني المعنية.
كما أن الكتل البرلمانية التي ترفع شعار الإصلاح ملزمة بإثبات صدقيتها من خلال تبني تشريع هذا القانون.

عرض مقالات: