في أحدى المرات كنت طالبا بمعهد المعادن والأسلحة ( مركز التدريب المهني ) عام 1966 م / وفي قسم برادة الأسلحة الخفيفة ، كان يدرسنا عدد من المدرسين من الضباط وضباط الصف . فكان نائب عريف أسمه حسن ...تجرأت أن أسأله عن حسن سريع !... الذي كان حينها في نفس هذه الوحدة والتي شاءت الصدف أن أنتسب لنفس هذه الوحدة التي كان قد قاد حركته الثورية منها في 3/ 7 / ..عام 1963م ... فأخبرني بأن لا أتفوه بشيء عن هذا أبدا  لأنك تسوق نفسك الى حتفك !...

فقلت له بأني لم أتجرأ على سؤالي هذا لأحد غيرك أبدا !..

نحن كنا هنا في نفس الوحدة وفي نفس القسم الذي كان به حسن سريع !... ويكفي أن أقول لك بأن حسن سريع كان قمة في الأخلاق والطيبة والوداعة وغاية في التواضع والأدب . وليس لدي شيء أضيفه أليك ولا تسألني مرة أخرى عنه ولا عن أصحابه !.. فهذا أمر محذور ومحرم التداول فيه هنا ولا في أي مكان .


فقلت له أُقْسِمُ لك بأني تيقنت من كونك إنسان طيب جدا ولا خطر في سؤالي هذا من إنسان مثلك وبدماثة خلقك ، وحسبتك صديقا كريما أعتز بمعرفتي إليك .
فشكرني على ذلك ، ولكنه عاد فحذرني وبشدة بعدم تناول ذلك الموضوع أحد غيري ، فقلت له أنا مدرك لخطورة ما بينته لي ، واقدر ذلك ، وأعدك فيما طلبته مني .

أقولها بصدق وللأمانة عن هذا الإنسان الرائع !..

كان حقا وبصدق أو هكذا كانت تصوراتي عن هذا الإنسان الذى كلمته الأن !..
كأنه صورة عن الشخص الذي كونت في ذهني صورته وكيانه وخلقه الذي اسمه ( حسن سريع ) والذي في حقيقة الأمر لم ألتق حسن سريع ولم أقرأ شيء عن سيرته الذاتية ، ولكن كنا نتداول قصة هذا الثائر الشجاع الذي اسمه حسن سريع فمن خلال سيرة نائب عريف حسن الذي كان يدرسنا دروس عملية في برادة الأسلحة الخفيفة ، صنعت منه صورة لحسن سريع ، فكانت صورة تبهر عقلي وقلبي له1ا القائد الأسطورة ، أو هكذا صنعتها في مخيلتي .

بقية هذه المحادثة التي جرت بيني وبين أمر الحضيرة ، النائب العريف الفني حسن .

وأقولها بصدق السريرة بأن هناك أُناس يدخلون الى القلب من دون إذن ، فكل الأبواب مشرعة لهم ، فيدخلوها ضيوف وأحبة كرام . كم أعجبني هدوءه ودماثة أخلاقه ووجهه البشوش المتفائل ، وثقته العالية بمهنته وأدائه وطريقة التعليم والتدريس وإيصال المعلومة للطالب .

كنت أحاول أن أتجاذب معه أطراف الحديث حتى وأن كان بخصوص دروسه التي كان يعطيها لتلاميذه خوفا عليه وعلى مستقبله !.. وهو كان يشعر بحرجي ويقدره أو هكذا كنت أشعر ، فكنت سعيدا لهذا الشعور المشترك .

كنت أشعر بأنه كان يعلم أو ينتابه إحساس ، بأني أتعمد مجاراته في مختلف الأحاديث وعدم احراجه ...وفي كثير من الأحيان كان يسترسل معي ويشعرني بأنه ليس منزعجا من بعض التمادي في اختلاق الذرائع والحجج كي أتواصل معه !..
رغم مرور ما يربوا على الخمسين عاما ، لكنه مازال عالقا بمخيلتي ذلك الشاب الوسيم والأنيق في قيافته وهندامه وهدوئه المميز ، الرقيق في كل تصرفاته وسلوكه ، القادم كذلك من ارياف لواء الناصرية .

وصدق مظفر النواب حين يقول في بعض مكامنه وابداعاته ( كم قليل من الناس يترك في كل شيء مذاق ) .

فقد ترك ذكرى جميلة وعبقة الأثر في نفسي وعقلي ، تسرني كلما تذكرتها ، أو حاورت نفسي لاستعادة تلك الذكرى .

أقف متسمرا خاشعا مجلا لذكرى القائد الشيوعي المقدام حسن سريع ورفاقه الأماجد ،
ولهم الرحمة والذكر الطيب والراحة الأبدية ، والعرفان لما قدموه وجادوا بأنفسهم للانتصار لقضايا شعبنا العادلة ، والتصدي للفاشية الجديدة المتمثلة بجلاوزة البعث وايتامه من الإرهابيين والقتلة الذين تأمروا على ثورة تموز في الثامن من شباط الأسود .
الخزي والعار لكل الذين أشاعوا الموت والخراب في بلادنا على امتداد تأريخ العراق الحديث .
والعرفان موصول للأُستاذ الكريم والمهذب الذي كان يقوم على تعليمنا وتدريبنا نائب العريف حسن ، فإن كان على قيد الحياة فله طول العمر والعافية والسعادة ، وإن غادرنا الحياة فله الرحمة والذكر الطيب على الدوام .