قراءة في كتاب عزيز محمد " يتحدث صفحات من تاريخ العراق السياسي"

صدر عن مكتبة النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع كتاب جديد 2019 بعنوان (عزيز محمد يتحدث "صفحات من تأريخ العراق السياسي")، وهو عبارة عن حوارات اجراها الدكتور سيف عدنان القيسي وعلق عليها

الكتاب بما يحويه من المحتويات هو جزء كبير من تاريخ الرفيق المناضل عزيز محمد وتاريخ الحزب الطويل وبشكل مكثف، مارا على ابرز الاحداث من عمر الحزب النضالي منذ تاسيسه 1934 والمجموعات التي شكلت هذا التنظيم الحزبي العريق، ويشير هنا الصديق العزيز الدكتور عقيل الناصري في تقديمه للكتاب (..فقد تتبع مسيرة الحزب الشيوعي العراقي (حشع) من خلال دراساته في الماجستير ثم الدكتوراه وايضا من خلال بحوثه المتعلقة بشخصيات محورية في الحزب المذكور، وما هذا الحوار المسند بالمصادر التاريخية مع سكرتير الحزب السابق للحزب ،الا جزء من اهتماماته العملية والبحثية في تاريخية هذه الحركة في تصاعدها وانتكاساتها، في حراكها وسكونها ،في مدها الجماهيرية او انحساره..)(مقدمة الكتاب بقلم الدكتور عقيل الناصري ص 15).

الكتاب يقدم القيمة النضالية للشيوعيين من خلال الموقف والبطولة والتضحية في سبيل شعبهم والابتعاد عن الذات. فقد عاش الرفيق المناضل عزيزمحمد في ظروف معيشية صعبة حيث تكفلت والدته  بمعيشته، وفسح المجال له في التعلم ودراسه الفقه ثم دراسته في المدارس الحكومية.

كان موقف مؤسس الحزب فهد ورفاقه زكي بسيم وحسين الشبيبي بطوليا  في السجن واثناء محاكمتهم واعدامهم.وكذلك الموقف في المطاليب التي تحملها شعارات الحزب في التظاهرات والاضرابات وفي تقديم العرائض، هكذا جسد الشيوعيون دورهم وبقي الحزب شامخا وراسخا في جذوره.

  ان ظروف الحزب كانت صعبة جدا خاصة بعد اعدام قادته حيث تحمل الكادر الحزبي الاول المسؤولية ، وبعضهم كان غير مؤهل لقيادته مما سبب الانتكاسات خلال النصف الاول من عقد الخمسينات ، حيث الانشقاقات والتكتلات والموقف المتياسر والرافض والاخطاء التي ارتكبت من البعض.ولم تمر السنين الا والحزب  يسير بالطريق الصحيح مع كل الصعوبات والمشاكل وعاد الحزب والتأم في الكونفرس الثاني للحزب 1956( ..على الصعيد الحزبي شهد العمل جهدا دؤوبا لتوحيد الحركة الشيوعية التي شهدت انشقاقا عام 1953 اسفر عن قيام منظمة "راية الشغيلة" وكانت توجد منظمة ضمت بقايا حزب الشعب يقودها المرحوم عزيز شريف ،الشخصية التقدمية المعروفة. الجهد الدؤوب الذي بذله الحزب بقيادة الشهيد سلام عادل (حسين احمد الرضي) اثمر في صيف 1956 عن وحدة كل المنظمات الشيوعية، ورفع رصيد الحزب ومكنه من ان ينطلق بقوة اكبر لاقامة جبهة الاتحاد الوطني.. ص 53). حتى ثورة 14 تموز التي كان للحزب ورفاقه ومناصريه مشاركة اساسية فيها.

ونشط الحزب طيلة الفترة العلنية بعد الثورة في اقامة مختلف الفعاليات التضامنية والكفاحية، اضافة الى الدور الذي لعبته الفعاليات الادبية والصحفية والنقابات المختلفة في تفعيل دورها بين الجماهير. وكان الحزب داعما للقوانين والقرارات التي اصدرتها الثورة.

حتى انقلاب شباط الاسود 1963 والموقف الاسطوري لسكرتير الحزب سلام عادل وبقية اعضاء الحزب الذين استشهدوا تحت التعذيب واعدام الاخرين وامتلأت سجون العراق بهؤلاء المناضلين ومنهم ابطال قطار الموت.

واستمر نضال الحزب المعروف لأبناء شعبنا برغم التأثيرات الداخلية والخارجية على رفاق الحزب والاعتقال والقتل والاغتيال بطرق مختلفة من قبل القوميين او من البعثيين ، الا ان الحزب بقي بقوته وصمود رفاقه وانصاره مدعوما من ابناء وبنات شعبنا ومن مختلف القوميات والاقليات ، وكان له دور مؤثر في الاتحادات الطلابية والشبيبة والنقابات والمرأة ، وهذا الذي ازعج مناوئيه. امام قوة الحزب ، قد طلب حزب البعث من الحزب الشيوعي المشاركة في (ثورتهم). حيث يشير الكاتب سيف عدنان القيسي الى (لم يكن الشيوعيون ببعيدين عن محاولات البكر والبعث للقيام بانقلابهم فكانت هناك محاولة للاتصال بالحزب الشيوعي العراقي عن طريق جلال الطالباني وهو ما اكده الاخير ،" طلب مني البكر ذات مرة ان ارتب له موعدا مع عزيز محمد ، ونقلت له رغبته الى عزيز لكنه قال لا استطيع ان التقيه ، فبعد هذه المجازر التي اقترفوها ضدنا كيف يمكن ان التقيه". وبعد رفض اللقاء بالبكر عن طريق رسالته التي وصلت عن طريق جلال الطالباني ، يبدو ان جلال الطالباني ارشدهم لمكرم الطالباني ليرسل البكر الينا (الحديث لعزيز محمد – فيصل) رسالة شفهيةعن طريق القيادي البعثي عزة مصطفى وعبر مكرم الطالباني القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، لكونه الشخصية الشيوعية العلنية المعروفة وكان مدير عام مصلحة انحصار التبغ، وطلب منه ان ينقل لنا رغبة البعث بالتعاون مع الحزب الشيوعي.وقال البكر نحن جاهزون لتسلم السلطة، ونود ان تكونوا معنا مستنكرا سياسة الماضي... ص 105).

ثم يتطرق الكاتب الى المشاركة في الوزارة والجبهة الوطنية والقومية التقدمية وتوقيع ميثاق العمل الوطني .

وبرغم ضغط النظام على الحزب في تجميد منظماته الديمقراطية، حيث اتخذ الحزب قراره بتجميد هذه المنظمات (المرأة والطلبة والشبيبة )في تشرين الثاني 1975 (اتخذ الحزب الشيوعي العراقي في تشرين الثاني 1975 بتجميد نشاط المنظمات كأجراء اضطراري مؤقت، لكون البعث جعل تجميد المنظمات الشيوعية شرطا لبقاء التحالف الجبهوي.... ولكن بدا ان البعث كان مصرا على انهاء التحالف مع الشيوعيين وهذا يعود الى الحشد الجماهيري والقوة التي كانت تتمتع بها تنظيمات الشيوعيين وكوادرهم وصحافتهم حيث وصلت مبيعات طريق الشعب اضعاف مبيعات جريدتهم الثورة...ص 143).فقد بقي الجسد فعال مستندا الى دعم اعضائه ومناصريه.

وامام تلك الاوضاع عقدت اللجنة المركزية اجتماعا لها في آذار 1978 واصدرت بيانا طويلا يتحدث عن ظروف الحزب والحملة عليه من قبل الاجهزة الامنية والمخابراتية وكان بيانا قويا وجريئا ومستنكرا اجراءات النظام ، بحيث طالب حزب البعث بالتراجع من هذا البيان، الا ان الحزب رفض ذلك وبقوة. وفي ضوء هذا البيان وموقف الشيوعيين البطولي امام جبروت وقوة اجهزته الامنية، قام باعدام  31 عسكريا بحجة لديهم تنظيم شيوعي ويريدون القيام بمحاولة انقلابية.

كان للحزب بهيبتة امام اعدائه واصدقائه وبشخصيات قيادته وامكانياتهم وثقافتهم المتعددة قوة امام حزب البعث ودكتاتوريتهالتي عرفها العالم باساليبه الفاشية.(اما الفترة الثانية فهي فترة السبعينات التي لم تستنفد سنواتها الخمس.فقد أرعبت البعث الحاكم بالرغم من أن الشيوعيين يعملون معهم في (جبهة وطنية )اذ ان هذه الفترة القصيرة تميزت بتمدد الحزب في ارجاء العراق بشكل اخاف البعثيين....246ص)

لقد كانت ظروف الحزب الصعبة، ولكن صمود الرفاق واصدقائهم بحد ذاته مفخرة للشيوعيين ومحبي الحياة والديمقراطية. و بقي الشيوعيون صلبين فتجاوزوا هذه الهجمة بارادة عالية وبروح من التفاني.

ولم تمض اشهر حتى رفع الحزب شعارالكفاح المسلح لانهاء هذا النظام الكتاتوري مستندا الى دعم رفاقه وانصاره وابناء شعبه ، وهكذا كان الحزب يحترمه الاصدقاء ويهابه الاعداء لما يمتلكه من نظرية وفكر انساني تقدمي من ثقافة وامكانيات لاعضائه في كثير من المجالات وهو امتداد على ارض الوطن من شماله الى جنوبه. وبعد تلك السنين التي قام بها النظام في ايجاد معاهد، ولجان امنية مختصة لمحاربة الحزب الشيوعي ورفاقه واصدقائه الذين صمدوا صمودا بطوليا، نفتخر بهم وبشهدائه من اجل المبادئ وقضاياه الوطنية والاممية. واخيرا ذهب البعث وحكومته التي عادت الحزب الشيوعي العراقي وابناء شعبنا الى مزبلة التاريخ.

بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام 2003 نشأت ظروف جديدة ومتغيرات داخلية وخارجية غير مسبوقة. وكان الحزب منذ البداية هناك في بغداد من اجل ان يكون قريب الى ابناء شعبنا ، ويعمل ووفق الظروف المتاحة باصدار قوانين وقرارات تخدم هذا الشعب التي شبع من الويلات والالام .

ان حزبنا ، كان في طليعة الاحزاب والقوى الوطنية في التضحية من اجل شعبه وكادحيه من العمال والفلاحين، وهو لا يصبوا الى الغنائم والحصول على المكارم او القصور، جاء الحزب ونشأ واستمر بدعم هؤلاء ،الذين كانوا سياجه الحصين .

اليوم نريد من الحزب ان يكون في المقدمة ، وهو صاحب التاريخ الطويل والمجيد ، وان يعمل من اجل هؤلاء الفقراء من عمال وكادحين وفلاحين الذين خسروا مستقبلهم ومستقبل ابنائهم ، لان الحكومات الحالية والسابقة لم تحقق لهم شيئ، سوى الخيبات والسرقات والفساد في كل شيئ، وها نحن نرى التخلف في التعليم والصحة والبنية التحتية وغير ذلك.

نحن نهيب بحزبنا ان يكون في الطليعة ، كحزب ماركسي يحمل الافكار الاشتراكية للمرحلة القادمة ويعمل من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوطنية الحقة.

وامام السيرة الذاتية لسكرتير الحزب السابق الفقيد عزيز محمد اعطى الدكتور سيف عدنان القيسي في مؤلفه صورة حقيقية عن مراحل نضال الشيوعيين وتجسيد هذا النضال في الموقف الوطني والاممي ودوره في اعلاء شأن الوعي الثقافي والتعليمي ...اما عزيز محمد (ويجمع من عاش معه ان هيبته الخاصة كانت واضحة بين المناضلين والقياديين البارزين انذاك ، في الظروف التي جمعت الجميع معاً كالسجون والفعاليات الواسعة او في الانصار.. تلك الهيبة التي تعمدتبالمواقف البطولية وحسن التصرف في المعتقلات، وفي مواجهة الظلم بابشع صوره حين يكون السجين بايدي جلادين مطلقي اليد بلا ضوابط.. ص220).

كتاب الدكتور سيف عدنان القيسي فهو مصدر مهم ، يحتاج منا قراءته، فهو ممتع وقيم في صدقه، فشكرا للكاتب.

 

عرض مقالات: