لم تخرج الحكومة العراقية الحالية عن مسار الحكومات التي سبقتها منذ سقوط الدكتاتورية، بل اعادت رسم الخط البياني المرتبك بين سقف التصريحات الاعلامية المتصاعد وتدني  الانجازات الفعلية المنحدر على جميع المستويات، ليتأكد المواطن والمراقب والمتخصص في الداخل والخارج، بأن ماجرى ويجري في العراق، محسوب بالخط والنقطة وبالخرائط والتوقيتات، لادامة الفوضى بدل الأمان والخراب بدل البناء، وصولاً الى ابتلاع حيتان الفساد مؤسسات الدولة وتقزيمها تحت مظلات دولتهم العميقة .

لقد تجاوزت الحكومة الحالية زخم شقيقاتها السابقات في مجال اطلاق اذونات صرف الاموال لتحقيق الرضى(السياسي) الضامن لاستمرارها، دون أن تتبين ملامح لبرنامجها المعلن قبل تشكيلها، وهو نفس الاسلوب المعتاد في عبور الوعود الانتخابية وحفظها في الادراج بانتظار الانتخابات القادمة .

ان البارز في المشهد السياسي العراقي طوال السنوات الماضية، هو سعي الرؤساء لادامة التوافق بين الكتل والاحزاب التي تتصارع على المكاسب الاقتصادية التي توفرها المناصب، على حساب المصالح العامة للمواطنين، وهوالاساس للطائفية السياسية التي وفرت المناخ الأمثل للفساد على جميع المستويات،  وقد جرى ذلك تحت رعاية وتوجيه الاطراف الاقليمية والدولية ذات المصالح الستراتيجية في العراق والمنطقة، والتي كان ومازال من مصلحتها استمراره وترسيخه من حكومة الى اخرى .

لقد استبشر العراقيون خيراً بعد تصريحات رئيس الحكومة السابقة حول التصدي للفساد والفاسدين، قبل ان يتحول المشهد الى حلقة مضافة من مسلسل الخذلان المستمر انتاجه في  ستوديوهات المنطقة الخضراء

في قواميس السياسة وتجاربها هناك  مفهوم دارج هو(حكومة تصريف الاعمال)، تكون محدودة الصلاحيات لتدير شؤون البلاد لفترة وجيزة تحضيراً  لانتخابات جديدة، لكننا في العراق اعتدنا على حكومات منتخبة وكاملة الصلاحيات، تتسابق وتتشاطر في مهام( تسريب)  الأموال، بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطن، وهي حكومات مستنسخة من بعضها منذ سقوط الدكتاتورية، لان اسس وقرارات وظروف وبيئة تشكيلها واحدة .        

القائمة الطويلة والثقيلة من الخسائر النوعية والباهضة التي دفعها ومازال يدفعها الشعب العراقي يومياً لايمكن ان تستمر الى مالانهاية، وهي معلومة التفاصيل من الشعب، ومن جميع الاطراف المتسببة فيها، فاذا كانت الخسائر المادية قابلة للتعويض فأن دماء الشهداء والام الجرحى والمعوقين وحسرات المنكوبين ومعاناة المرضى لايمكن تعويضها بالشعارات والتصريحات الفارغة والمستهلكة منذ عقود، بل سيكون (الميزان) هو الحاكم والحكم المبين .

عرض مقالات: