في مناسبة وأخرى يحاول البعض النيل من ثورة 14 تموز الخالدة من خلال الطعن باحداثها ورجالاتها من جهة، ومن جهة أخرى بتمجيد ازلام النظام الملكي وتنزيههم ونسج القصص الوهمية حولهم لإظهارهم بمظهر السياسيين الحكماء الصالحين، في تلميح مبطن يُقصد منه ان العراق فَقَد بمقتلهم رجالا عظاما، وان الثورة التي قامت ضدهم كانت ثورة عمياء!
الا ان الحقيقة لا يمكن حجبها مطلقا طالما كان للإنسان السوي عقل يميز الحق عن الباطل. فثورة 14 تموز 1958 تم تسجيلها وتصنيفها من قبل المؤرخين والكتاب كواحدة من الثورات العظيمة، شأنها شأن الثورة الفرنسية او الروسية او الكوبية او غيرها، وجاءت في كتابات الغربيين تحت عنوان (Revolution of July 14)، فهي الثورة التي انطلقت بها شعلة الحرية والاستقلال والعدل والبناء والرخاء، ولهذا السبب فانها لم تعجب الأعداء من بعثيين وقوميين ومستعمرين ومن على شاكلتهم، فعملوا على إيقاف مسيرتها وضرب منجزاتها وزعزعة أركانها والقضاء عليها وعلى قادتها بوحشية.
بعد سقوط نظام البعث البغيض عام 2003 قامت زمره المخربة بالتعاون مع أعداء الشعب العراقي بمحاولات يائسة للإساءة الى كل ما يمت للروح الوطنية والنضال الحقيقي بصلة، مثلما كانت هجمتهم الشرسة خلال سنوات حكمهم السوداء على الأحزاب التقدمية وخصوصا ذات التوجهات اليسارية فبطشوا بمعظم قادتها ومريديها. وقد نالت منهم ثورة 14 تموز كل اشكال الإساءة والطعن والهجوم لغرض التقليل من شأنها وشأن قادتها وانجازاتها الكبيرة. فعملوا على تزوير الحقائق من خلال تحريك الأقلام المأجورة للكتابة بشكل يسيء للثورة المجيدة وقادتها من جهة، وبتمجيد النظام الملكي وازلامه من جهة ثانية.
البعض مثلا صار يُحمّل ثورة تموز العظيمة وقائدها الخالد عبد الكريم قاسم نتائج ما آلت اليه الأوضاع حاليا من موت وخراب (الذي هو في حقيقته نتيجة حتمية لشوفينية نظام البعث المنحرف وللسياسة المتهورة والأساليب الوحشية للدكتاتور البعثي المقبور) وزعم هؤلاء وحجتهم الواهية هي انه لولا سقوط النظام الملكي لما وصلنا الى هذه الحال! وهؤلاء يديرون ظهورهم بقصد عن الحقيقة الواضحة المتمثلة بانقلاب البعثيين الدموي في اليوم الأسود، يوم الثامن من شباط 1963 حين غدروا بالشعب وخانوا الثورة المجيدة وقتلوا الزعيم الخالد دون محاكمة، ليبدأ العراق عصرا مظلما من الطغيان والدكتاتورية والدموية وسَوق الشعب بالحديد والنار.
لم يسأل هؤلاء انفسهم عما يمكن ان تكون عليه النتائج لو بقيت ثورة تموز وقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم من غير ان يتعرضوا لتلك الهجمة السوداء الدموية من قبل البعثيين.
والحقيقة ان مآسي العراق بدأت بمقتل عبد الكريم قاسم وليس بمقتل العائلة المالكة.
البعض أيضا صار يتباكى اليوم (بعد كل تلك السنوات) على الملك القتيل، في حين يتناسى هذا البعض ما قام به جلاوزة البعث حين قتلوا الزعيم عبد الكريم ورفاقه العزل دون محاكمة وفي مجزرة يندى لها الجبين.
اما من ناحية الممارسات الوحشية التي قام بها نفر غاضب من الجماهير الثائرة فهي لاتعكس بحال من الأحوال توجهات الثورة مطلقا، انما هي أتت بشكل عفوي في فورة الغضب على السلطة الفاسدة. فثورة تموز الخالدة كانت مطلب الشعب، لذلك اشتركت فيها الجماهير فور انطلاقتها، فالثورات العظمى هي التي تشترك فيها الشعوب، والتي تؤدي فيها دورها ضد الطغاة. وللتذكير فقط، عند قيام الثورة الفرنسية قامت الجماهير الثائرة بإعدام عدد من الكتاب والشعراء والعلماء ممن كانوا ضمن الزمرة التابعة للبلاط الملكي.
الحكم الملكي كان مرتبطا بمصالح الغرب على حساب مصلحة الوطن والشعب، أدخل العراق الى مصيدة الأحلاف من خلال ضمه لحلف بغداد سيء الصيت، ذلك الحلف الذي قامت ضده ثورة عربية عارمة لأنه جاء ليلبي مصالح بريطانيا في المنطقة. النظام الملكي قمع بوحشية ثورة مايس التي قامت ضد البريطانيين. زج بالمناضلين واصحاب الفكر التقدمي والتوجه اليساري في الزنازين والسجون. كان نظاما مستبدا منعزلا في وادٍ سحيق عن الشعب الجائع البائس، سرق أموال الشعب وأهان كرامته وزاد من بؤس الفقراء ومعاناة الكادحين من عمال وفلاحين، كان حكما عاجزا عن تلبية حاجات الشعب وتطلعاته نحو العيش الحر الكريم بعيدا عن معاناة العوز والفقر والتبعية للطبقة البرجوازية والإقطاع والاستعمار. لهذه الأسباب وغيرها قامت ضده تلك الثورة الشعبية العارمة.
اما الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم خادم الشعب ومفجر الثورة فلا يحتاج الى تزكية من احد لأن التأريخ صنفه كواحد من اشجع الزعماء واكثرهم نزاهة واخلاصا ووطنية وبساطة.

عرض مقالات: