هوية الدولة التي نسعى لقيامها ، الدولة الديمقراطية العلمانية أو هكذا أعتقد وأرى ، حتى يخرج العراق وشعبه من مأزق نعيشه منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 م ، الذي وضعنا فيه الإسلام السياسي المتحكم بالبلاد من عام 2006 م وحتى الأن .

لبلوغ الهدف الذي نعتقد بأنه بداية نهاية المصائب والألم والجوع والخراب، لابد أن تكون هناك حكومة إنقاذ وطني يتألف طاقمها من الأكفاء الوطنيين والمهنيين وأصحابي الخبرة في أدارة الدولة ، وشرط نزاهتهم وإخلاصهم ، لتأخذ هذه الحكومة على عاتقها إعادة بناء مؤسسات الدولة والمجتمع ، وتكون من أولوياتها ومهماتها إعادة الهوية الوطنية للمؤسسة الأمنية والعسكرية ، وعلى أساس الاستقلالية والمهنية والخبرة العسكرية والعلمية ، وعدم  إقحامها  في الصراعات السياسية والطائفية والحزبية ، وحصر السلاح بيدها وحدها دون غيرها .

والخطوة الأكثر وجوبا وإلحاحا، حل الميليشيات الطائفية المسلحة وجميع المجاميع والعصابات المسلحة، وتحت أي مسمى بما في ذلك الحشد الشعبي الذي هو مضلة للميليشيات والمجاميع المسلحة التابعة لأحزاب الإسلام السياسي .

يجب عدم التسويف والمماطلة في تنفيذ قرار حل هذه المجاميع المسلحة بشكل صارم ودون محاباة أو انحياز لأي جهة أو حزب أو طائفة أو قومية ومنطقة، لتمكين الحكومة من بسط النظام والقانون وهيبة ( الدولة ! ) على كل الأرض والتراب العراقي، وهنا لابد من توفر الإرادة السياسية ، والقيام بالتشريعات والقوانين اللازمة لتمكين الحكومة من القيام بمهماتها على الوجه الأكمل ، وبروح مفعمة بالحرص والشجاعة وبرؤية وطنية ، وبروح صادقة ومخلصة وأمينة على مصالح الشعب والوطن ، ورد الاعتبار الى [ الدولة العراقية ! ] التي صودرت من قبل هؤلاء الفاسدين والجهلة المرابين والظلاميين .

ومن صلب واجبات الحكومة المراد لها أن ترى النور !..

البدء بعملية الإصلاح الشامل لمؤسسات ( الدولة ! ) ، وفي مقدمتها القيام بإصلاح القضاء وتمكينه من ممارسة واجباته وضمان استقلاله المطلق ، وتنظيفه من الفاسدين والمترهلين والتابعين لتأثيرات الأحزاب الطائفية الفاسدة من قوى الإسلام السياسي الحاكم ، ومن وعاض السلاطين والمرتشين والسماسرة .

والعمل على إعادة النظر في الكثير من المواد التي جاءت في الدستور ، التي تعيق قيام دولة المواطنة والتضيق على الحريات والحقوق وعلى الديمقراطية الوليدة ، ومحاولات مصادرة حقوق النساء ومساواتهم الكاملة مع الرجل .

على الحكومة أن تعيد تشكيل الهيئات ( المستقلة .. المستقلة ! ) وكل المفوضيات ، وتشريع القوانين التي تضمن استقلال هذه الهيئات ، التي تساهم وتنظم عمل الدولة العلمانية الديمقراطية ، ولتأكيد هويتها وبشكل واضح ومن دون تأويل واجتهاد وتسويف.

ولا شك بأن ابعاد الدين عن الدولة وعن السياسة أمر ملازم لدولة المواطنة ، ومنع اقحام الدولة وبنائها في متاهات الدين وأحكامه ورؤيته التي تتقاطع تماما مع بناء دولة المواطنة ، وكما هو معلوم ، فإن الدين والتدين هو خيار ومعتقد شخصي وفردي ، ولا تسري أحكامه على المجتمع ، وهو علاقة بين الفرد والرب الذي يعتقد ويرى ، أما الدولة ودستورها وتشريعاتها وقوانينها ، فهو عقد اجتماعي ملزم على كل فرد يعيش في الرقعة الجغرافية لهذه الدولة ، ولا يجوز خرق وحنث هذا العقد وتحت طائلة القانون .

والجميع يعلم بأن ما بيناه وغيره، يعتبر شرط لاستقرار البلاد وللأمن والسلام والتعايش والتعاون والمحبة بين مكونات شعبنا المختلفة ، وهذه الحقيقة تدركها حسب اعتقادي كل القوى التي تريد الخير للعراق ولشعبه ، وتسعى لإشاعة الأمن والسلام والتعايش بين مكونات مجتمعنا المختلفة ، ومن دونها لا يمكن أن يعم الرخاء والنماء والاستقرار ، في هذا البلد الذي يشكوا الجفاف والجدب والتصحر ، وأصبح الموت والخراب والدمار سمة ملازمة له مع شديد الحزن والأسف ، ومنذ عقود.

فضاقت الأرض بما رحبت على شعبنا !..

ألم يكفهم موت وظلم وقهر وجوع وتشرد وضياع ؟..

ما تحمله الناس لا يمكن وصفه بكلمات ، وما ارتكبته أيدي حكامه وأنظمته الظالمة ، فهؤلاء الحكام لا يمتلكون ذمة ولا ضمير ولا حياء في غالبيتهم ، ولا يرعون دينا ولا عرفا ولا أخلاق ، هؤلاء الفاسدون والمفسدون بما فيهم النظام القائم اليوم .

وجزء من مصائبنا التي نعيشها منذ زمن، التدخل السافر والمستمر، من قبل الدول الإقليمية والعربية والدولية ، التي تفتعل الأزمات والحروب بكل أنواعها ، العسكرية والطائفية والاقتصادية والسياسية ، وحتى القيم والأخلاق والأعراف !.. تم اختراقها وتخريبها وبمساعدة قوى ومجاميع في العراق ، وهم عراقيون أو يدعون ذلك ، ولكنها تدين بالولاء الى دول إقليمية ودولية ، وتساعد الأجنبي على تخريب وتدمير شعبنا ووطننا .

وما زالت تسعى هذه الدول ، لخلق واقع مختلف عن موروثنا الثقافي وقيمنا وأعرافنا ، والتي هي إحدى ركائز تماسك ووحدة مجتمعنا ، وتساهم في تمتين وحدته وتماسكه وتعايشه ، قبل أن يتم إضعاف وتخريب هذا الموروث العظيم .

فوق كل هذه التراكمات المدمرة التي ورثها شعبنا عن النظام البعثي المقبور وطاغوته صدام حسين ، جاء من يعيد إنتاج نظام البعث من جديد !..

هؤلاء الذين تمكنوا من الوثوب لدست الحكم عام 2006 من قوى طائفية وظلامية متخلفة وبمساعدة ودعم دول إقليمية ودولية ، وليستظل هؤلاء بعباءة الدين ، وتسببوا بكل هذا الخراب ، نتيجة طائفيتهم وجهلهم في إدارة ( الدولة ! ) وظلاميتهم وعدائهم السافر للديمقراطية وللحريات وللحقوق وللمرأة ، هؤلاء وبدفع ودعم من دول إقليمية ودولية ، تسببوا بإشعال حرب طائفية بغيضة ، أتت على ما تبقى من موروثنا الحضاري وعلى البنى التحتية ، وساهم الفساد المالي والإداري والسياسي بشكل فاعل على إلحاق الدمار والخراب واحتلال داعش لثلث مساحة العراق ، وما دفعه شعبنا كان أعظم ، فسرطان داعش كان مهول ومدمر ، وهو نتيجة منطقية لحماقة وفساد وطائفية قوى وأحزاب الإسلام السياسي الحاكم ، بالرغم من كل الذي جرى على أيديهم ، فما زالت هذه القوى الفاسدة متشبثة وبعناد بالسلطة !!... ليدفع وطننا وشعبنا المزيد من المحن والمصائب والنوائب ، ولا يريد هؤلاء أن يفهموا حقيقة واحدة مفادها ، بأنكم أعداء الحياة والتحضر والإنسانية والتعايش وحق الاختلاف والرأي الأخر وضد والسلام !..

والأكثر إيلاما وحزنا بأن شعبنا ما زال لا يعي هذه الحقيقة !.. وحتى قواه الخيرة والديمقراطية ما زالت تعقد الأمل على قيام هذا النظام بإصلاحات جوهرية وبأنه قادر على إعادة بناء ( دولة المواطنة ! ) مع شديد الأسف .

أما المنظمة الدولية وممثلها في بغداد ، والأمر المحير في هرولة ممثلة الأمين العام ومن سبقها ، يهرولون في كل وقت وحين ، الى المؤسسة الدينية والمراجع ، وتعتبرهم مفتاح لحل اللغز في استقرار العراق !..

لماذا لا تنصح العراقيين وقواهم السياسية ، بأن الحل هو بقيام الدولة الديمقراطية العلمانية الاتحادية والفصل الكامل للدين عن السياسة ؟.. فهل المنظمة الدولية أصبحت منظمة ديني إسلامية !.. أم ماذا ؟..

هل تعي الأمم المتحدة وهيئاتها ، وما يقع على عاتقها ، وتدرك مهماتها كمراقب وناصح وضامن لقيام دولة ديمقراطية علمانية ، والحريصة على استقرار العراق وسعادة شعبه ؟

أم هي الأخرى باتت تسير في ركب السياسة الغربية في سد الأذان وإغماض  الأعين ومجافاتهم الحقيقة ! ..

وهل المراقبون الدوليون الذين يتبجحون ليلا ونهارا بحرصهم على استقرار العراق وسلامة أراضيه وقيام نظام ديمقراطي عادل ومنصف ، هؤلاء هل يراقبوا نهج النظام السياسي القائم على أساس نهج وفلسفة وثقافة الدولة الثيوقراطية ، وتكريس النظام القائم لهذه الفلسفة ومنذ عقد ونيف ، وفرضها على الدولة والمجتمع !.. هل هؤلاء يعلمون بحقيقة نظامنا السياسي القائم اليوم ؟

ألم يحتم الواجب على هؤلاء ، ممارسة الضغط وبكل الطرق والوسائل المتاحة ، لإجبارهم على تمكين شعبنا وقواه الديمقراطية والوطنية ، بالعمل لقيام الدولة العادلة ، دولة المواطنة وقبول الأخر ( الدولة الديمقراطية العلمانية الاتحادية ) الدولة التي تحقق العدالة والسلم الأهلي ، والقادرة على هزيمة الإرهاب واجتثاث فكره المدمر للبشر وللضرع والشجر والحجر ، والخروج من عباءة الطائفية والدولة الدينية ، ومن السياسية والعنصرية والتمييز والإلغاء والتهميش ، ولتشيع بدل ذلك ، النماء والتعايش والسلام وتحقيق الأمن ، وفي سبيل عراق مزدهر سعيد ورغيد لحاضر ومستقبل حاضرنا والأجيال القادمة .