التنمية المعرفية بشكل عام، عملية تتضمن نمو قدرات الإنسان الكامنة فيه والمكتسبة. تفتح مواهبه بوساطة الخبرة الذاتية والتجاريب الشخصية. فالإنسان بفضل ما زوده الله به من ذكاء، احساس، ادراك، قدرة على التعلم يستطيع في حياته أن يتعلم بنفسه الكثير من السلوك والكلام والانفعال والمفاهيم والقيم وصولا الى مواجهة المشكلات. لعل أشد الطرق قوة في تنمية الفكر ورسوخا هي تلك الطريقة التي تنبع من نفسه وتقوم على التعلم الذاتي، على الخبرة الشخصية في الفهم، الادراك للموقف والانفعال والنتائج والغايات.

 اعتقد ـ تتم هذه التنمية الفكرية في مجال البناء المعرفي الثقافي وفي مجال المهارات المهنية وفي مجال بناء الهيكل السلوكي الخلقي. اما أداة التطبيق في دعم عملية التنمية فتكون في مجال مراجعة ما لدى الإنسان عموما فيما تعلمه وما قد تم جمعه لديه من أفكار وسلوك ومعارف. كل ذلك يكون تحت تأثير مبدأ الواقعية لاعادة النظر واجراء التعديل والتغيير ليستعيد الإنسان انسجامه الجديد مع المجتمع، بعد تأكيد صحة أفكاره ومعلوماته في ضوء التطبيق.

فالتطبيق العملي هو الذي يعطي الصفة العلمية، كما يعطيها فائدتها في الحياة العملية. بذلك تكون التنمية الاجتماعية والثقافية خادمة لمصلحة الإنسان في تنمية السلوك والمعارف والخبرات ثم تأتي أداة التفكير في تأسيس عملية عقلية ذاتية للإنسان وهي طريقة دائمة الينبوع لأن الإنسان كائن مفكر والحياة تقتضي مواجهات دائمة ومتجددة وناجحة لمواقف ومشكلات كثيرة تطرحها البيئة والمحيط ، لذلك لابد من طريقة معينة تعين الفرد على المواجهة، واعتقد من المفيد أن نذكر طريقة ديكارت، التي من الممكن تطبيقها بنجاح، وهي تعمل أيضا على اثارة النشاط الذهني الذاتي والتي تعمل أيضا على تدريبه.   

 كان رينيه ديكارت أحد أبرز الفلاسفة وعلماء الرياضيات وهو رائد من رواد المذهب العقلي في التفكير الفلسفي، صاحب مدرسة الشك المنهجي.

 في الجزء الرابع من كتابه ( المقال في المنهج) ذكر ديكارت عبارته الشهيرة : ( أنا افكر إذن أنا موجود)، تلك العبارة التي يرى كثيرون من المهتمين بتاريخ الفلسفة أنها كانت تلخص مبادئ فلسفة ديكارت الإجمالية تلخيصا بليغا.

يمتاز الشك المنهجي لديكارت بأنه ليس نهاية العقل الفلسفي بل هو البحث عن نقطة البداية، النقطة التي يصح للإنسان الذي يفكر والفيلسوف أن يبدأ عندها. فالشك هو التأمل الأول للفلسفة، من خلاله وصل الى مبدأ ( الكوجيتو) وهو: ( أنا أشك إذا أنا أفكر، وأنا أفكر إذا أنا موجود). معناه، الإنسان يشك ومادام هو يشك فهو يفكر، لأن الشك نوع من أنواع الفكر، وطالما هو يفكر فهو ليس معدوما إذن فهو موجود حتما.

  تساءل ديكارت: ( كيف يمكننا أن ندعي أننا لسنا موجودين حين نشك في الأشياء جميعا ؟).هكذا أسس هذا الفيلسوف الفرنسي لمنهج غير مألوف ولا تقليدي لخصه بقوله: ( ينبغي من أجل البحث عن الحقيقة وبقدر الإمكان وضع كل شيء ولو لمرة واحدة موضع الشك).هو تعبير دقيق في منتهى الدقة إذا ما لاحظنا فيه استعمال عبارة (كل شيء) ذلك لأنها تدل على عدم استثناء شيء من الشك حتى لو كان ذلك الشيء يقينيا الى أبعد ما يمكن أن يتصوره العقل أو يعتقد به صاحب الإيمان. فإن كان ما يشك فيه يقينيا فإنه سيؤكد يقينيته، وإن كان غير ذلك زيفه سينكشف لك.

كان منهج ديكارت الفلسفي يقوم على مبدأ الشك والتحرر الكامل من كل المسلمات والموروثات التي يأخذها أغلب الناس ويتقبلونها بلا تفكير أو تمحيص لمجرد أن أسلافهم قد اقتنعوا بها ونقلوها إليهم.

 كان ديكارت يكره التسليم بأي نتائج أو آراء قبل أن يخضعها أولا لمعايير منهجه المتشكك، ذلك المنهج الذي اختصره في أربع قواعد أساسية هي:

 المبدأ الأول: كان المبدأ الأول، ألا اتلقى مطلقا أي شيء واعتبره صحيحا ما لم أعرف حتما أنه كذلك.

المبدا الثاني: أن أقسم كل واحدة من الصعوبات التي سأتفحصها، الى أكبر ما يمكن من الأجزاء وما هو مطلوب لحلها على أفضل وجه.

المبدأ الثالث: أن أقوم بترتيب افكاري، بدءا بالأشياء الأكثر بساطة، الأكثر يسرا معرفتها، لكي اصعد شيئا فشيئا، كما على درجات، حتى معرفة الأكثر تركيبا.

المبدأ الرابع: أن أقوم في كل مكان بالاحصاءات الكاملة جدا، والمراجعات العامة جدا، لكي أتأكد من أنني لم أهمل شيئا.   

عرض مقالات: