قال الخليفة عمر بن عبد العزيز إن إستطعت فكن عالما فان لم تستطع فكن متعلما ، فان لم تستطع فأحبهم . فإن لم تستطع فلا تبغضهم ، هذه المقولة لم يؤخذ بها من أغلب الأحزاب الطائفية ، إذ ما أن سُلموا إدارة سلطة البلاد حتى واصلوا ما بدأته قوات الإحتلال من تصفية العلماء والمثقفين (عماد تطور أي البلد) ذلك لقناعتهم بأن اي وعي تطوري لا يتماهى ومفاهيم مذاهبهم هو سطحي يقع  ضمن هذا المفهوم ، فالنظام المدني الديمقراطي لا يُؤمن به ، لذا يتصدون لمن يسعى لرفع أي شعار مطالبا بتحقيقه ، لكنه لآ يٌضيرهم حمل جنسية أخرى بجانب الجنسية العراقية وإحتلال مناصب  إدارية وأمنية حساسة بالدولة بالضد من الدستور والأعراف الدولية ، والتعامل مع سلطة الإحتلال وبعض دول الجوار التي تنوي إفقار البلاد من كوادرها العلمية والمهنية ، والتعاون واياها في نهب خيرات البلد وإعتبار سلطته محررة غير محتلة . فالولايات المتحدة الأمريكية حددت تصفية ما يقرب من 800 عالم قبل غزوها العراق ، صُفي منهم 251 ، وإستمرت التصفيات في إغتيال العشرات من قادة الجيش العراقي الذي حله الحاكم الأمريكي بريمر . وصفي ما يقارب من 75 دكتور في عام 2005 وحده ، بينما إنشغلت ميليشياتهم (أجنحتهم العسكرية) بمحاربة ورثة حضارة وادي الرافدين العريقة من المكونات غير المسلمة من المسيحيين والصابئة المندائيين.

 لقد إستطاع شعبنا أن يُخرج من بين صفوفه آلاف الفنانين والنحاتين والمفكرين والعلماء ناهيك عن مبدعي الثقافة والأدب الذين شكلوا معينا لا ينضب في رفد الحركة الوطنية بالمئات من الكوادر السياسية ،و إستطاعوا توحيد ناسه بمختلف مكوناته ، ليُغنوا سوية يا دجلة الخير وإنشودة المطر ومرينا بيكم حمد وبشعر عريان السيد خلف بلهجته  الشعبية الأصيلة ، واليوم يُحول من من جاء بهم الغزاة بعد إسقاطهم الدكتاتورية إلى بؤساء ، على الرغم من أنهم يقفون فوق أرض وتحت أقدامهم ثروات ما يكفي ويفيض عن حاجتهم ، لكونهم نسوا أن العراق يستحق الأفضل ، أذ لم تعنيهم عواقب الإحتلال وتخريب حضارة شعب وادي الرافدين الموروثة من آلاف السنين ، والتي طالما إفتخر بها أمام شعوب العالم.

  إن نهب ثروات البلاد والإستيلاء على ممتلكاته ، ومن ثم السكوت عن من قطع ارزاق المكونات غير المسلمة تحت أنظار المحتل، وإجبارهم على الهجرة لمناطق آمنة ، علاوة على تحريم التمتع بمباهج وسائل الترفيه من موسيقى وغناء ومسرح وسينما ، حتى أنه لم تسلم من ايديهم مصادر الثقافة والفكر فحرقت المكتبات وشارع المتنبي وإستمر إغتيال الأدباء والمثقفين السياسيين ككامل شياع وسعدون شاكر والنقابي هادي صالح والكثير من رواد الفكر التحضري المطالب بالتغيير والإصلاح . علاوة على ذلك، لم يعيروا أي إهتمام لتسهيل عودة كوادرنا العلمية التي هربت من قسوة الدكتاتورية ، وكأنهم بصموا مع معادي العراق من بعض دول الجوار بإفراغ العراق من مَن ضاق ضرعا بفسادهم وبنهج محاصصتهم الطائفية والاثنية ، لهذا السبب يُصرون حاليا على إبقاء اشخاص معينة في مواقع القرار ، لتبقى حالة التشتت والتبعثر والخواء الفكري في مؤسسات الدولة الإدارية والأمنية ، و ليستمر تواصل بقاء العراق أخر الصف ، ومما زاد ذلك بلة عدم إستيعاب الحريصين على مصالح الوطن العليا الهادفين لإخراجه من طاعون الفساد والمحاصصة الطائفية ووضع العملية السياسية على سكتها الصحيحة ، وكنس المعرقلين لفتح النوافذ وألأبواب أمام رياح الإصلاح والتغيير ، وكشف ملفات الفساد والتصفيات الجسدية الجارية ، وإيقاف  إخماد متنفسي الإنعتاق الى فضاءات الحرية والتنمية.

ان الخليط الحكومي الذي شكله المحتل بعد إسقاطه النظام الصدامي شمل اشخاصا البعض منهم لا يحمل أيديولوجية أو تاريخا نضاليا ، لا بل منهم من ساهم في قمع وتعضيد النظام الدكتاتوري ، ومع هذا غُض الطرف عن تحولهم بين ليلة وضحاها الى مطالبين بنصرة طوائفهم ضاربين عرض الحائط الشعار الجماهيري لا للمحاصصة الطائفية نعم للتغيير والإصلاح ، واضعين خلف ظهرهم شعار الجماهير الشعبية قبل الإحتلال لا للحرب نعم للديمقراطية في العراق إرضاءً لأصحاب إمتياز إخلاء العراق من علماءه ومفكريه . والعجب كل العجب هو إعادة أنتخابهم لعلاقات طائفية وإثنية وعشائرية لأكثر من مرة. 

لقد تفاءلت الجماهير الفقيرة بالعدالة الإجتماعية بعد الإحتلال بشكل مفرط وفي غير محله على أيدي من أتعب الشعب بوعوده الهوائية وشعاراته الطائفية ، إذ سرعان ما تناسى مضار وعواقب الإحتلال وتجييش بسطاء الناس للإحتفال بالمناسبات المذهبية التي أثقلت بالرموز الدينية من قبل بعض مسؤولي الأحزاب الإسلامية ، فتحولت الأوضاع بمرور ما يقرب من 15عاما إلى واقع يصعب تجاوزه ، إلا بعملية جذرية تتطلب شجاعة وطنية تضع في راس مهامها بناء دولة القانون وإحترام الدستور ومحاسبة الفاسدين وأعادة ما سرق من ثروات الشعب واملاكه منذ الأحتلال ليومنا هذا . فبقاء الفاسدين يخربون ولا يبنون يسرقون المال العام وكأنهم أصحاب حق ( لا العين تشوف ولا قلب يتوجع )، لهذا فقدت الدولة هيبتها خاصة بعد أحتفاظ الميليشيات والعشائر بالسلاح لتحمي الفاسدين الذين راكموا زبالة الفساد والمحاصصة  في داخل العراق أو بعمل من خارجه ، فعلاقة التخادم المتبادل بينهم هي السائدة لينطبق علية المثل السومري (كما أتذكره)، المدينة التي تخلو من حراسها سيتحكم بها ابناء آوى. 

    

عرض مقالات: