لقد جلب العامل الخارجي الذي أطاح بالدكتاتورية ديمقراطية سطحية للشعب العراقي ، ومع هذا إعتبرها بعض حملة الفكر الإسلامي أمراً غريبا عن مفاهيمهم لعدم إمتدادها مع نهجهم الديني ، لهذا لم يحظوا تشجيعا أمريكيا كاملا ، وأنما تشجيعا لممارسة سلوكهم المعادي للجماهير الشعبية ، وذلك بتنصيبهم في أعلى المراكز الأدارية والأمنية مما أتاح لهم فرصة نصرة مظلوميتهم التي أعلنوا عنها ، وقاموا بتحويلها لمظلومية شملت الجماهير الشعبية عند تبنيهم نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقترح من قبل الحاكم الأمريكي بريمر ، فواصلوا ما ورث من الدكتاتورية من اساليب الحكم دون تغيير ، سوى وجوه المتحكمين بمصائر الناس عبر المواقع القيادية التي سيطروا عليها ، فتوسعت رقعة الفقر بين الناس بسبب الفساد والمحسوبية وسرقة المال العام ، كما قاموا  بخطف ما حلموا به من أن إسقاط الدكتاتورية سيأتي بدولة مدنية وطنية وديمقراطية حقيقية ، تنشر المساواة والعدالة الإجتماعية بين الناس جميعا لا أن يتواصل بشكل أعمق ما ورث من الدكتاتورية . ما دفع الكثير من المواطنين الى حالة من الاحباط والجزع والسلبية خاصة بعد أن زرعوا أكتافا قوية في مؤسسات الدولة الإدارية والامنية ، وكأنها أوتاد قام عليها تنفيذ مآرب من جاء بهم ، فسهلت تنفيذ قضايا كبرى سلبت حقوق المواطنة ، وأكلت الانجازات الصغيرة خلال خمسة عشر عاما تلت  السقوط ، فتحول العراق في كافة الأصعدة إلى ما يذكرنا بأيام الحصار الذي فُرض على شعبنا ، و لم يُكتف بذلك بل قامت الأحزاب المتحاصصة بتشكيل ميليشيات ، كقوى مسلحة ضاربة تحمي مصالحهم ، ففُقد الامن في عموم العراق ، وجرى النكوص في تقديم الخدمات للمواطن على كافة الإصعدة وخاصة في مجال البيئة والنظافة ، على الرغم من أن بلادنا تملك الكثير من الامكانيات المادية والكثير من العقول العلمية والكفاءات ، بالإضافة لإمتلاك (بلادنا) تجربة وتأريخ حضاري يُفتخر به في العالم . وحرصا على إستدامة الإعتزاز بذلك وما توقعته القوى الوطنية التي تَمَلكتها رغبة حقيقية للتخلص من النظام الصدامي من أن بعد التغيير ستجري الإستفادة منها ، لذا رغم الإختلافات المبدئية والفكرية بينها ، تلاقحت مآربها مع امريكا ودول الجوار والدول العربية ، على أمل أن يكون التغيير متماهياً مع ما قدمته قوى شعبنا الوطنية من تضحيات بشرية ومادية للتخليص العراق وشعوب المنطقة من عفونة النظام الصدامي ، وعلى أمل أن يكون إسقاط النظام قافزا على أسلوب الغزو والإحتلال ، لمعرفتها المسبقة بما سيجراها من مآسي وويلات للشعب والوطن ، فضلا عن عوامل سلبية أخرى أساسية نراها سائدة هذه الأيام.

لقد إنتاب الأحزاب الإسلامية غرور الحكم فجيروا ثمار إسقاط الدكتاتورية لصالح أحزابهم والمقربين إليهم ، وعيشوا  الناس بأوضاع بائسة مأسوية يسودها البؤس والحرمان والفقر المدقع ، وإنفردوا بتوجيه العملية السياسية بما يخدم مصالحهم ، رامين خلف ظهورهم الوعود التي قطعوها على أنفسهم اثناء حملاتهم الإنتخابية خدمة الجماهير الفقيرة ، بينما عزلوا شخوصهم بالمنطقة الخضراء المحصنة وتملكوا أحقية السيطرة على ثروات البلاد وممتلكات الشعب . وبلا إستحقاق منحو أنفسهم ومحسوبيهم مداخيل عالية ، مما إضطر الجماهير الشعبية المعنية بمردود اسقاط النظام على كافة ابناء الشعب ، إعلان المطالبة بالتغيير والإصلاح الحقيقين عبر حراكها الذي إنطلق في 25 شباط عام 2011 ، الذي تصاعد زخمه عاليا وبإستمرار ليومنا هذا . وما مظاهر أحتفالات الناس الصاخبة بأعياد الميلاد ورأس السنة إلا تنفيسا وردا حازما على فتاوي بعض القادة الإسلاميين من كلا المذهبين والتي ذكرتنا بالأساليب الداعشية تجاه المكونات غير المسلمة وما سبق ذلك بعد 2004 من تعليمات و تشريعات مُشوهة لروحيَة المواطنة العراقية ، شملت شعارات طائفية وإطلاق ألقاب سمجة على قادتهم كمختاري العصر ، هدفت إلى إشاعة الكراهية ونسف التلاحم الوطني بين مكونات شعبنا 

لقد إرتاح الأمريكان لسلوك متبني نهج المحاصصة في طريقة حكم العراق وبالذات بريمر ، فلم تتعرض قرارته للمساءلة ، ومنها قراره المشين رقم 81 ، الذي ألزم وزارة الزراعة عدم استيراد الحبوب إلا من أمريكا وحلفائها . فتم خزن الإنتاج الوطني من الحبوب كرز العنبر لتفسد (عند طبخه يأتي الجار عن بعد عشر بيوت يستفسر منا عن طيبة رائحة طبخنا) بالإضافة لعدم إستقبال الحبوب  وخاصة الكردية منها المعروفة بجودتها عالميا والإحتفاظ بخزنها بالسايلوات مما أدى إلى فسادها . فقبل ايام في الناصرية وحدها تم إتلاف 35 طن من الرز العنبر الشامي ، خُزن لصالح مافيات متحكمة بسياسة إستيراد الحبوب ، ليُحققوا منافع خاصة على الصعيد الإقتصادي والأمني . لذا تبذل حاليا جهود مضنية من أجل ابقاء المتحاصصين من ذوي نمط التفكير اللاديمقراطي في كل مفاصل الدولة وخصوصا الأمنية ، حتى أضحى أنه ليس بالإمكان معالجة إساليبهم إلا بأجراء عملية كنس شخوصهم من المؤسسات الإدارية والأمنية ، وكأن ذلك ما كانت تسعى له أمريكا وبعض دول الجوار ليبقى العراق مرهونأً لهم بملامح مشهده السياسي الحالي. 

عرض مقالات: