تقول العرب " سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، ولسوء حظّنا نحن العراقيين أو لسوء أعمالنا، فقد إبتلانا الله أو القدر ليس بسلطان غشوم فقط،  بل وبسلطة لصوصيّة،  وبرلمان فاسد،  وسلطة قضائيّة  للظلم أقرب،  وساسة بأخلاق العبيد، ورجال دين لا يعرفون الّا طرق الفتنة، فهم ( كحمّالة الحطب ) وهم ينشرون  سموم الحقد والكراهيّة بين أبناء شعبنا. ولكي تكتمل الكارثة من كل جوانبها،  فأنّ الفتنة لم تهدأ يوما في أرضنا منذ أن أصبح للعمامة دور محوري في حياة شعبنا، نتيجة تدهور المستوى الثقافي والفكري وإستشراء الأمية والجهل والتخلّف في صفوفه.

 في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة فيه كشعب عراقي لتضميد جراحنا، ونفض عذابات عقود من الظلم والإضطهاد. وفي الوقت الذي فيه علينا مراجعة أنفسنا، وإدانة كل خطابات الحقد والكراهيّة التي مزّقت نسيجنا الإجتماعي ودمّرت بلدنا. خرج علينا شيخ معمّم  بعمامة إبليس، شاهرا سيف الإرهاب الفكري والديني التكفيري، في وجه أبناء شعبنا من الديانة المسيحية، محرّضا أبناء دينه على عدم مشاركة المسيحيين أعيادهم وتهنئتهم، في تصرّف بعيد عن روح التسامح والمواطنة، تصرّف لا يمت الى الإنسانيّة بصلة وإن أستند على تراث ديني أو غير ديني. وحديث المعمّم هذا يحظره الدستور العراقي في مادته السابعة أولا والذي ينصّ على: " يحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون".

 الشيخ الصميدعي مفتي الجمهورية العراقيّة  ورئيس هيئة إفتاء أهل السنّة والجماعة، طالب المسلمين في خطبته التي ألقاها في جامع البعث " أمّ الطبول"، بعدم مشاركة المسيحيين العراقيين أعيادهم، وأنّ من يشاركهم أعيادهم هو مثل الذي يأكل لحم الخنزير أو لحم الحمار، وإن كان لحم الخنزير محرما بنص قرآني، فهل لحم الحمار محرّم بنص بعثي  أيها الشيخ!!

 الشيخ الصميدعي يقول في جانب آخر من خطبته، من أن أننا نعيش اليوم " سنين الفتنة .. سنين الغضب .. سنين الإنحلال  .. سنين الدماء .. سنين الأنبطاح". بالله عليك إن كنت تعرف الله أيها الشيخ، من المسؤول عن الفتنة بين الشيعة والسنّة؟ هل هم القساوسة في كنائسهم وصوامعهم التي فجّرها الأسلاميّون، أم عمائمكم وهي لازالت تبحث عن من هو أحقّ بالخلافة، عليّ أم عمر؟ من كان ولايزال يمتلك الميليشيات التي ذبحت فقراء الشيعة والسنّة وباقي فقراء شعبنا سنوات الغضب التي ذكرتها، هل هم المسيحيون المسالمون أم العصابات الشيعية والسنيّة والتي لازالت تحمل أحقاد ورثناها من سقيفة بني ساعدة وواقعة الجمل ومعركة كربلاء؟  من المسؤول عن خيانة البلد أيها الشيخ، هل هم المسيحيون أم الذين أدخلوا الدواعش وقادة الحرس الثوري الإيراني والعصابات التابعة له، ليغتصبوا مدننا وأعراضنا؟ أليست العمامة ذات الذؤابة هي من فتحت أبواب المدن السنّية الطابع أمام عصابات القاعدة وداعش؟ أليست العمامة التي بلا ذؤابة هي من باعت وتبيع العراق لإيران؟ أشّر لي على رجل دين مسيحي أو أيزيدي أو مندائي واحد، يمتلك خطاب كراهية كما أنتم، أو ساهم من خلال خطبه في قتل الأبرياء؟

 الفتنة أيها الشيخ قد تنام، ولكنني أجزم من أنّ وجود أمثالكم ومنحهم حريّة الخطابة والأفتاء، لا تعني الا ان تكون الفتنة يقظة، وإن نامت فستنام بعين واحدة. انكم ايها الشيخ وانتم تحثّون الناس على عداوة المسيحيين وتكفيرهم  وهم أهل كتاب كما يقول القرآن ،  فإنكم وبلا أدنى شك من المؤيدين لداعش وهم يطبقون شرع الله قتلا

وسبيا  بأبناء شعبنا من الأيزيديين الطيبين. إذ من غير المعقول تكفير أتباع دين سماوي وعدم تكفير أبناء دين وضعي وفق إدّعاكم وليس وفق آراء أبناء الديانة الأيزيدية.

 الشيخ الصميدعي يقول في خطبته، أنّ الأحفاد سيعيدون هيبة المسلمين!! لكن الشيخ لم يوضح لنا الطريقة التي سيعيد فيه أحفادنا هيبة المسلمين، هل بإشاعتهم لروح الثأر والقتل والتكفير، أم بجعل العراق خاليا من أبناء الأديان الأخرى!!؟؟  هيبة المسلمين لا تعود بالسيف أيها الشيخ لأن سيوف "النصارى" في الغرب أقوى وأمضى، وإن تحججّت قائلا " كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"، فهذا يرتد عليك فها هي إسرائيل وهم فئة قليلة مقارنة بالمسلمين  قد غلبتنا كمسلمين وكعرب، ولكي أطمئنك أكثر أقول، أنّ الحروب اليوم تنتصر فيها الجيوش والقوّاد والأسلحة المتطورة وليس المصلّين والأئمة ومسابحهم ودعواتهم!! أن عودة الهيبة للمسلمين تأتي بعودة الهيبة لبلدانهم، والعراق بلد متعدد الأقوام والأديان والطوائف. ولكي يستعيد البلد وشعبنا هيبتهما من جديد، فنحن بحاجة الى إرساء نظام ديموقراطي علماني، يفصل الدين عن الدولة ويبعثك أنت وكل العمائم الى مساجدكم ويراقب خطاباتكم ويؤنسنها إن لم تكن أنتم قادرين على أنسنتها" وأنتم لست بقادرين".

 بدلا من تحريم المسلمين مشاركة أفراح وأعياد أبناء وطنهم من المسيحيين، أطلب منهم الثورة على الفساد والظلم الذي يعيشونه. إذهب الى معسكرات النازحين وغالبيتهم العظمى من المسلمين وحرّضهم على الثورة، هل تعرف معنى أن يكون الإنسان نازحا في وطنه؟  أؤكد لك أيها الشيخ أنّ الأجيال القادمة ستبحث عن أسباب خيبتنا وذلّنا وعارنا، وستكتشف ونحن نعيش عصر الكومبيوتر وليس عصر العنعنة،  من أنكم وبقية العمائم السبب الأرأس في كل ما جرى ويجري وسيجري لنا.

 قال ابن مسعود " والله الذي لا إله إلا هو، ما شيء أحوج إلى طول سجنٍ من اللسان!" فأسجنوا وبقية عمائم العراق ألسنتكم التي لم تجلب لنا الا الدمار والدماء كما كانت على مرّ التأريخ الأسلامي ولليوم.

تهنئة من القلب لكل مسيحيي العراق والعالم بمناسبة أعياد ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية الجديدة، لكم أيها الأحبة مسيحيي بلدي أحلى التهاني وأجمل التبريكات وأنتم تحتفلون بأعيادكم المجيدة، ولترفرف السعادة والطمأنينة عليكم ولتستمر أجراس كنائسكم تدق نشيد السلام، فمت أيها الشيخ بغيضك.

 

 

عرض مقالات: