يعود تواجد المسيحيين في مدن ما بين النهرين الى القرون الأولى الميلادية ، وبتواجدهم في مدن الشرق الأوسط وبصورة خاصة في العراق وسوريا لعبوا دورا رياديا في نهضة وتطور تلك المدن ، وبغيابهم غاب عن تلك المدن الجمال والثقافة الأدبية والعلمية والذوق الفني ، كما يشاهد حاليا في أغلب مدن العراق في ظل حكم الأحزاب الإسلامية الذي شهد تصاعد إضطهادهم ومضايقتهم بالقتل والخطف والتهجير القسري الداخلي والخارجي ، والإبادة الجماعية عند إحتلال داعش للموصل وسهل نينوى ، فتناقصت أعدادهم على نحو مخيف ، حتى باتت بعض المدن تكاد تخلو من تواجدهم بعد أن كانت عامرة به.

في ظل غياب الدعم من قبل الحكومة الإتحادية والإقليم وقلة الدعم الدولي ، وإقتصاره على ما تقدمه الكنائس لإنصافهم . قام المعنيون بشؤون مسيحي الشرق الأوسط ، بمطالبة المجتمع الدولى باعتبار ما تعرض له مسيحيو العراق هو إبادة جماعية ، ورغم تأخير إثارة ذلك ومردوده السلبي طيلة الفترة السابقة (تقريبا سنة ونصف) إلى أن أثمرت جهود المعنين بتصويت الكونغرس الامريكي  وتوصله لقرار يُعتبر ضوء في نهاية نفق قضاياهم المظلمة ، اذ أصدر الكونغرس الأمريكي قراراً ، بإعتبار ما تعرض له المسيحيين عام  2017 ابادة جماعية إيمانا بمقولة المخلص يسوع له كل المجد القائلة … إطلبوا تجدوا إدعوا يُفتح لكم 

  وللسنة الرابعة يحتفل مسيحيو العراق بعيد الميلاد المجيد والحزن يعصر قلوبهم والرعب  يجتاح نفوسهم خشية هجوم من لا يروق له تواجدهم على أرض أجدادهم ، فبعد تعرضهم الى التهميش واﻹضطهاد ومصادرة حقوقهم القومية والوطنية على مدى عصور ، متخذاً أشكالا متعددة كالسبي   والخيار بين ترك دياناتهم أو حد السيف ، (تتواصل ليومنا هذا )، خاصة بعد تلاقح اﻷفكار المتشددة إسلاميا مع الفكر السلفي ، الذي أعِد إنتشاره بصمت وهدوء في منطقة الشرق اﻷوسط ، بتواطيء اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية في المنطقة ، عبر ما سُمح للإسلاميين بناء مراكز دينية تنشر الفكر السلفي الذي يوعد المهووسون بالحور العين في الجنة.

وعلى الرغم من تصاعد مد المعوقات والصعوبات اليومية ، يستعد مسيحيو العراق وفي باقى دول الشرق الأوسط لإستقبال عيد الميلاد المجيد والعام الجديد ، وهم لازالوا في محنة نزوحهم وإستقرارهم ، دون أن تلوح في الأفق اي آمال للعودة لمدنهم الاصلية . فقد كان من المؤمل أن تلتفت الجهات المسؤولة في الحكومة الإتحادية والأقليم ، وتقوم بترميم وتأهيل مساكنهم لأجل العودة إليها بسلام ، جاءت الأمطار لتزيدهم بلوة أخرى تعيق عودتهم لبيوتهم في سهل نينوى والموصل . وبذلك سيمر على المسيحيين وبصورة خاصة النازحين منهم عيد ميلاد آخر وهم بعيدين عن بيوتهم ومدنهم ، فالعودة كما تتناولها الأخبار مستحيلة وغير ممكنة، في ظل عدم إستقرار أمني ، حيث يصول ويجول فيه المتشددون إسلاميا في مدن العراق . فمنذ إسقاط العامل الخارجي لنظام صدام وجد المسيحيين انفسهم في عدم أستقرار وخاصة بعد أن وجدوا منازلهم قد سُيطر عليها أو دمرت ، وممتلكاتهم قد صودرت أو تم سرقتها ، وحوربت مصادر رزقهم ، مما إضطرهم للهجرة القسرية ، فقلت أعدادهم من اكثر مدن العراق ، وحسب ارقام قدمتها ال بي بي سي(الإذاعة البريطانية) إلى أقل من   300  الف بعد أن كانوا مليون ونصف . مما خلق تخوف مشروع من إختفاء هذه الشريحة الهامة من الشعب العراقي نتيجة عدم إستقرار الظروف الأمنية التي لم تستقم في العراق خلال  15 عاما على سقوط الدكتاتورية ، ومع هذا فمن بقى في العراق ، حتى من لا زال في مخيمات اللجوء يواصل الإحتفال بميلاد سيدنا المسيح ، ويزين شجرة عيد ميلاده بحلتها كي لا يفقد هذا التقليد المتوارث بهجة اليوم السعيد بميلاد المخلص ، رغم غياب الكثيرين من المكون المسيحي وخلو الكنائس من محط رجل للعديد منهم . دون تلقي مساعدة حكومية تعينهم على تحمل مصاعب المعيشة اليومية . في وقت ينشغل الكثير من المسؤولين بكيفية زرع الكراهية لمعتنقي الديانة غير الإسلامية في فكر الجيل الناشيء عبر مناهج التدريس، وبإصدار قوانين وتعليمات تعرقل ممارسة من لا يدين باﻹسلام لشعائره الدينية وتهضم حقوقهم المعاشية والوطنية واﻹنسانية ، ففي سابقة يُراد بها التأكيد على أن دار السيد مأمونة ولذر الرماد في العيون ، أقدم بعض مسؤولي الإدارات المحلية ، على نصب شجرة الميلاد في ساحات بعض المدن العراقية التي يندر فيها تواجدهم ، وأكْسَوها بأنوار ملونة ، لكن الحزن بقي محيطا بها ، ذلك لغياب رفيقة عمرها  المغارة التي فيها شهد العالم ولادة سيدنا المسيح له كل المجد . حيت بدون المغارة تفقد شجرة الميلاد هويتها ، وبتواجدها يكتسب المحتفلون بهذه المناسبة إيمان ملهم وتنخلق  في نفوسهم قدرة إستثنائية على التسامح رغم معاناتهم اليومية الفائقة. هذا التسامح الذي أتصف به مسيحيو الشرق الأوسط ، لم يكن سلبيا أو ضعفا بل هو فعل شجاعة فائقة وتصميم على أن الحب سينتصر على الكراهية كما يخبرنا التاريخ قديما وحديثا.   

عرض مقالات: