نصت المادة (102) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على (تعد المفوضية العليا لحقوق الأنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب وتنضم اعمالها بقانون).

وتنفيذا لهذا النص الدستوري تم تشريع كل من قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان رقم (53) لسنة 2008 (المعدل) وقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (11) لسنة 2007 (المعدل) ومن خلال مراجعة عملية تشكيل هاتين المفوضتين خلال الدورات البرلمانية السابقة وفقاً لقانونيهما النافذين التي جرى عليها عدد من التعديلات نلتمس بوضوح انهما كانا بعيدتين عن الاستقلالية ويعود ذلك بشكل أساسي الى النصوص القانونية التي تحدد آلية تشكيلهما الواردة في قانونيهما.

أولاً:- المفوضية العليا لحقوق الانسان

حددت المادة 27 من قانونها رقم (53) لسنة 2008 آلية التشكيل بموجب النص الآتي (يشكل مجلس النواب لجنة من الخبراء لا يزيد عددهم عن خمسة عشر عضواً تضم ممثلين عن مجلس النواب ومجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى ومنظمات المجتمع المدني ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان في العراق يتولى اختيار المرشحين بإعلان وطني).

وبموجب هذا النص ومن خلال التطبيق العملي تضم لجنة الخبراء ما لا يقل عن عشرة من أعضاء مجلس النواب بضمنهم رئيس اللجنة يتم اختيارهم بأسلوب المحاصصة للكتل البرلمانية الرئيسة في مجلس النواب إضافة الى ان التعديل الأخير للقانون حرم ممثل مكتب الأمم المتحدة من التصويت عند اختيار المرشحين أي ان النتيجة النهائية لتشكيل المفوضية تكون بعيدة كل البعد عن الاستقلالية وفقا للنص الدستوري وقد استشعر عدد من منظمات المجتمع المدني خطورة ذلك فطعنت بعملية ترشيح السادة أعضاء المفوضية التي شابتها العديد من الانتهاكات الدستورية والقانونية بموجب الدعوى 81/ اتحادية/2017 وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا قراراً في الدعوى أعلاه بتاريخ 14/11/2018 قررت بموجبه ان الدعوى فاقدة لسندها الدستوري والقانوني وبينت ان المحكمة الاتحادية العليا تجد ان مفهوم الاستقلال الوارد في المادة (102) من الدستور المقصود منه (هو ان منتسبي الهيئة وكل حسب اختصاصه مستقلون في أداء مهامهم المنصوص عليها في قانون الهيئة لا سلطان عليهم في أداء هذه المهام لغير القانون ولا يجوز لأي جهة التدخل او التأثير على أداء الهيئة لمهامها).

وبذلك تم قطع الطريق امام أي طعن بدستورية تشكيل المفوضية امام المحكمة الاتحادية لذا لم يبق امامنا سوى تعديل قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان وتحديداً المادة السابعة من القانون التي تحدد آلية تشكيل المفوضية ويتضمن بشكل محدد غلق الطريق امام المحاصصة في تشكيلها بحيث يتم تشكيل لجنة الخبراء التي تتولى مهمة تشكيل المفوضية من خارج أعضاء مجلس النواب لضمان ترشيح أعضاء المفوضية العليا لحقوق الانسان من المستقلين تطبيقاً للنص الدستوري الذي اشرنا اليه أعلاه ولضمان الالتزام بالتوصيات الواردة في التقرير الدوري الشامل لحقوق الانسان الذي يمثل العراق وتم تقديمه في مجلس حقوق الانسان عام 2014 الذي يمثل وجهة نظر حكومة العراق وكان ضمن التوجيهات التي قدمها التقرير وتمت المصادقة عليها من قبل المجلس العديد من الفقرات التي تؤكد استقلالية عمل المفوضية نذكر منها التوصيات كما في الجدول:-

ثانياً:- المفوضية العليا المستقلة للانتخابات:-

نصت المادة (3) ضمن الفقرة (ثانياً) على  تشكيل مجلس المفوضين من تسعة أعضاء اثنان منهم على الأقل من القانونيين يختارهم مجلس النواب بالأغلبية بعد ترشيحهم من ( لجنة من مجلس النواب )  وبذلك وتنفيذاً لهذا النص تكون اللجنة المشكلة من قبل مجلس النواب تضم ممثلين عن الكتل السياسية الممثلة في مجلس النواب وحسب حجم تلك الكتل الذين يقومون بدورهم بتسمية أعضاء المجلس من المرتبطين بكتلهم أي وفقاً لمبدأ المحاصصة كما بين الواقع الفعلي لتشكيل جميع التوصيات السابقة وتلمس العراقيين بوضوح إدارة العملية الانتخابية في الدورة البرلمانية الرابعة التي جرى انتخابها في الثاني عشر من أيار 2018 وما انتاب هذه الدورة من انتهاكات صارخة ومن عمليات تزوير باعتراف العديد من المسؤولين بضمنهم احد أعضاء المفوضية العليا وما كشفته اللجان التحقيقية التي تم تشكيلها من قبل مجلس الوزراء ومجلس النواب بحيث تم عرض العديد من هذه الانتهاكات عبر وسائل الاعلام.

ولتجاوز هذه الحالة وضمان استقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بحيث تتولى إدارة العمليات الانتخابية باستقلالية ونزاهة يتطلب وكما هو الحال بالنسبة لتشكيل المفوضية العليا لحقوق الانسان تعديل نص (المادة 7/ الفقرة ثانياً) من القانون باناطة مهمة تشكيل المفوضية من قبل جهات وعناصر مستقلة من خارج مجلس النواب مع ضمان مشاركة فاعلة لمنظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة في عضوية لجنة الخبراء ومنحهم حق التصويت في الاختيار والتي تتولى مهمة ترشيح أعضاء المفوضية تمهيداً لعرض أسمائهم على مجلس النواب لغرض المصادقة على تشكيلها وفقاً للقانون.

حيث ان الإبقاء على اناطة مهمة اختيار أعضاء المفوضين لحقوق الانسان والانتخابات بأعضاء مجلس النواب سيؤدي بالنتيجة الى استمرار نهج المحاصصة ولا سبيل للخروج من هذه الحالة السلبية سوى باجراء التعديل على قانونيهما كما ذكرنا أعلاه.

عرض مقالات: