استوطنت النخلة منطقة مابين النهرين منذ الاف السنين ثم امتدت زراعتها من باكستان شرقا وللمحيط الاطلسي غربا، وكانت بلدان هذه المنطقة هي الاكثر انتاجا للتمور المتنوعة وتستحوذ على 97 بالمائة من الانتاج العالمي للتمور، وكانت معضم التقارير السنوية لمنظمة الاغذية والزراعة الفاو في الخمسينات من القرن الماضي تذكر العراق بالتحديد عند الحديث عن التمور والفواكهة المجففة، وذكرت في تقريرها لعام 1958 ان انتاج العراق من التمور كان 220 الف طن في حين ان انتاج ايران كان 105 الف طن وذكرت فقط هاتين الدولتين، وكان العراق متصدرا للدول المنتجة والمصدرة للتمور عالميا، وتبين البيانات والاحصائيات الخاصة بمنظمة الفاو ان اكبر اربع دول منتجة للتمور عام 1961 كانت مصر بانتاج 479 الف طن  تليها العراق ب 350 الف طن، ثم ايران ب300 الف طن والسعودية  ب160 الف طن، وبقيت هذه الدول مستحوذة على المراتب الاربع العليا للانتاج مع تغيير في مواقعها، وتغير هذا المشهد عام 2004 حيث انخفض انتاج العراق بشدة الى 448 الف طن بعد ان كان 868 الف طن في السنة السابقة لتحل بالمركز السادس بعد باكستان والامارات، وكان انتاج الامارات 6 الاف طن من التمور فقط عام 1961، حيث كان يطلق عليها في ذلك الوقت الامارات المتصالحة، وفي عام 2016 بقيت مصر متسيدة للانتاج العالمي للتمور بمليون و695 الف طن تليها ايران بمليون و66 الف طن، ثم الجزائربمليون وثلاثين الف طن والسعودية بانتاجها 965 الف طن والعراق ب 615 الف طن وكان اجمالي الانتاج العالمي 8 مليون و460 الف طن وتبين هذه الارقام ان انتاج الدول اعلاه زاد بمقدار يتراوح ما بين اربعة اضعاف والى احد عشر ضعفا، والامارات زادت انتاجها باكثر من مائة ضعف، في حين ان انتاج العراق لم يتجاوز الضعف خلال هذه السنوات الخمسة والخمسون، حيث بلغ الانتاج العالمي 8 مليون و460  الف طن عام 2016 اي بانتاج يقارب الخمسة اضعاف ما تم انتاجه عام 1961، وسبب هذا البطء في انتاج العراق عائد لاسباب عديده اهمها ما سببته الحروب والمعارك في موت هذه الشجرة المباركة والحساسة جدا للبارود والمواد الكيمياوية الاخرى المنبعثة من العتاد الحربي  وخاصة في البصرة وعلى الحدود الشرقية للعراق، وكذلك ازدياد ملوحة مياه السقي وملوحة التربة واهمال المزارعين للنخلة لقلة مواردها في العراق نسبة الى الجهد الكبير والكلفة العالية نسبيا للايدي العاملة الخبيرة بصعود النخل لتلقيحها وتركيس عثوقها وجني الثمر لمرات عديدة اضافة الى تنظيف وتهيئة النخلة للسسنة القادمة مع مكافحة افاتها، اضافة الى قيام بعض اصحاب البساتين وخاصة تلك الواقعة داخل او في اطراف المدن الكبيرة باهمال النخيل والتسبب بموتها على امل ان يعاد فرزها كارض سكنية للاستفادة من الزيادة الهائلة باسعار الاراضي السكنية في بغداد والبصرة ومعظم مراكز المحافظات الوسطى والجنوبية، وعانت المغرب ايضا بقلة الزياده في الانتاج ولكن المسبب كان افة خنفساء النخلة الحمراء والتي دمرت الكثير من اشجار النخيل .

واستثمرت دول اخرى في زراعة النخيل واستطاعوا خلال سنوات قليلة من جني ارباح عالية من انتاج نخيلهم بسبب التخطيط الجيد وزراعة انواع معينة تنتج تمورا  لها اسواقها الرائجه وباسعار عالية جدا، والتمور المصدرة من امريكا وتونس هي خير دليل على ذلك. وعلى الرغم من الانواع الكثيرة للتمور والتي قد تصل لاكثر من الفي نوع، الا ان هنالك انواع معينة مرغوبة للتصدير وهي الاغلى سعرا مثل المدجول او المجهول والتي قامت امريكا بزراعتة بكثرة واصبحت الاولى في العالم في انتاج هذا النوع وجلبته من المغرب في بداية القرن الماضي، وتليها دقلة نور وتعتبر تونس والجزائر هي الاكثر انتاجا عالميا لهذا النوع وهي تغزو الاسواق الاوربية من دون منازع ولكن يبقى سعرها اقل من نصف سعر المدجول ، والانواع الاخرى والتي قد تكون مشهورة جدا في بلدانها ولكنها عالميا لا تنافس النوعين اعلاه، وقد يكون البرحي مشهورا في كثير من الاماكن ومطلوب كثيرا كخلال ورطب الا ان سوقه لايزال محدودا، وفي الطرف الثاني هنالك التمور الصناعية والتي تستخدم كثيرا في انتاج الدبس وكمحليات تدخل في صناعة الحلويات المختلفة والمعجنات، مثل الزهدي والساير وهي الادنى سعرا عالميا، وتتصدر ايران بتسويق تمور الساير  للاغراض الصناعية الى اوربا في حين يقوم العراق بتصدير الزهدي وبكميات كبيرة الى الهند ولكن باسعار متدنية جدا وكذلك للامارات العربية والتي تقوم باعادة تصديرها للهند ودول اخرى في اسيا بعد تحقيقها ارباح مجدية.

وقد خسر العراق لكثير من اسواقه العالمية التي كان يصدر لها التمور، ويشير جوزف ساسون في كتابه السياسة الاقتصادية في العراق 1932–1950 ان مجموع ما صدره العراق من تمور منذ العام 1937 ولغاية العام 1950 بلغ مليونان و240 الف طن، اي بمعدل 160 الف طن في السنة، علما بان تقارير منظمة الفاو تشير ان معدل تصدير التمور عالميا في خمسينات القرن الماضي كان بحدود 293 الف طن، اي ان حصة العراق في تصدير التمور كان يتجاوز 55 بالمائة من التصدير العالمي، وكان مدينة البصرة من اكبر المدن العالمية في تصدير التمور وتحتوي على المئات من المصانع المتخصصة في تنظيف وتعبئة وتسويق التمور،  ولكن الاهمال في تطوير اساليب التنظيف والتعقيم والتعبئة واختيار الانواع المناسبة من التمور للسوق الاجنبي ووضع مقاييس ومعاييرعلمية لتصنيف انواع التمور مما يساعد على تحديد اسعارها بالسوق العالمية دفع تمور امريكا وتونس لتتصدر قائمة الدول المنتجة للتمور العالية النوعية والاغلى سعرا، علما بان العراق كان رائدا في الدراسات  العلمية الخاصة بالتمور والنخلة وكتاب نخلة التمر للاستاذ عبد الجبار جاسم البكر والصادرة عام 1972 بصفحاتها التي تزيد عن الالف لايمكن للباحث ان يستغني عنها، اضافة لموسوعة أطلس أصناف نخيل التمر في دولة الإمارات العربية المتحدة باجزائها الستة والتي كتبها ابن العراق عام 2006 د حسام حسن علي والذي قضى معضم حياته بالتدريس في جامعة البصرة، ولكن احتضنته دولة الامارات لست سنوات ليقوم باصدار هذه الموسوعة، والتي كان يفترض ان تقوم جامعة البصرة او الدولة العراقية باسناده ليصدر مثل هذه الموسوعة عن نخيل وتمور العراق.

وتستحوذ الدول الممتدة من باكستان شرقا وللجزائر غربا تصدير مختلف انواع التمور للعالم لان انتاجها يزيد كثيرا عن حاجة اسواقها المحلية، ويمكن تقسيم اسواق استيراد التمورعالميا الى نوعين، فاوربا اضافة لكندا وامريكا والمكسيك واليابان وكوريا واستراليا ونيوزلندا هي الاغلى سعرا في العالم، وفي الخمس سنوات الممتدة من 2012 ولغاية 2016 ونطلق عليها الخمس سنوات الماضية، استوردت هذه الدول 944 الف طن وبقيمة بليونين و194 مليون دولار اي بمعدل دولارين و32 سنت للكيلوغرام، ونجد بان التمر المستوردة من امريكا كان الاعلى سعرا وبلغ بحدود 6 دولارت وستين سنتا للكيلو وتليها التمور من اسرائيل حيث كان معدل سعرها 3 دولارات وسبعين سنتا وكان مجموع ما صدرته اسرائيل بحدود 104 الف طن في هذه السنين الخمس، وثم تأتي التمور المصدرة من فرنسا وبسعر دولارين وثمانين سنت، ويعود الفرق الى نوعية التمور المصدرة، فغالبية تمور امريكا واسرائيل هي من نوع مدجول في حين ان تمور فرنسا من نوع دكلة نور والمستوردة اصلا من تونس والجزائر وتعيد تصديرها من جديد بعد اعادة تعبئتها، اما حصة العراق في السوق الاوربية فلا تذكر، اذ صدرت فقط 1327 طن اي اقل من 2 بالاف وبقيمة مليون ونصف المليون دولار، واستحوذت تونس والجزائر وايران لوحدها على 60 بالمائة من كمية التمور المصدرة لهذه الدول ولو ان معدل سعر الكيلو تراوح ما بين دولارين و 14 سنت للتمور التونسية ودولار و32 سنت للتمور الايرانية، وغالبية التمور الايرانية كانت اما من تمور الساير وهي الصناعية، او تم تصديرها لروسيا الاتحادية للاستحواذ على سوقها.

وتقف الهند كاكبر مستورد للتمور في العالم ولكنه اسعاره متدنية جدا مقارنه بالسوق العالمي، فلقد استوردت حوالي مليون و560 الف طن من التمور في الخمس سنوات الماضية وبمعدل 57 سنت للكيلوغرام وهي تمثل حوالي 40 بالمائة من كمية التمور المصدرة للدول الاخرى في العالم عدا الدول الاوربية والغنية والتي تمت الاشارة اليها وصدرت العراق لوحدها للهند خلال هذه الفترة حوالي 696 الف طن ولكن بسعر 39 سنت، في حين صدرت باكستان حوالي 576 الف طن للهند خلال نفس هذه الفترة ولكن بسعر 76 سنت اي تقريبا  ضعف سعر تمور العراق، وتمثل صادرات العراق وباكستان للهند حوالي 82 بالمائة من حاجتها ثم تليها ايران والتي صدرت 130 الف طن وبسعر 51 سنت ثم الامارات التي صدرت حوالي 86 الف طن وبسعر 69 سنت، وتبين هذه الارقام ان ارخص التمور المصدرة للهند هي العراقية وبفارق كبير عن ثاني ارخص الاسعار وهي لايران. وعند التمعن بكميات واسعار التمور المصدرة للعالم خلال السنوات الخمس الماضية، نجد ان العراق قد صدر حوالي مليون و323 الف طن وبسعر 36 سنت للكيلوغرام وتلتها باكستان بكمية 653 الف طن وبسعر 79 سنت ثم ايران بكمية 584 الف طن وبسعر 82 سنت، والملاحظ ان ايران التي صدرت 44 بالمائة مما صدرته العراق اي اقل من نصف تصدير العراق قد حصل على اكثر مما جناه العراق، وتوضح الارقام ان تونس قد فاقت الجميع بمجمل قيمة مبيعاتها من التمور عالميا خلال السنوات الخمس الماضية والتي وصلت الى مليار و142 مليون دولار، وبسعر دولارين و 16 سنت للكيلوغرام، ولو ان معدل سعر الكيلوغرام من التمر هو اقل من سعر التمر الامريكي او الاسرائيلي اوالفرنسي.

ويتبين من الارقام اعلاه وهي مأخوذة من بيانات منظمة الفاو والمعتمِدة على تقارير تجارة المحاصيل بين الدول، علما بان الفاو لم تعتمد  تقارير وزارة التجارة او التخطيط العراقية  في بيانتها،  لذلك تم اعتماد تقارير الدول التي استوردت من العراق، ان ارخص التمور المباعة عالميا هي التمور العراقية وبفارق كبير عن ثاني ارخص التمور وهي الباكستانية، علما ان التمور الباكستانية تعاني من تردي نوعيتها في السنين التي تحصل فيها الامطار الموسمية مبكرا مما يضطر المزارعين من جنيها قبل اكتمال نضجها، ولقد استغل تجار التمور الباكستانية فترة الثمانيات من القرن الماضي حيث قلت التمور العراقية والايرانية في السوق العالمية بسبب الحرب بين الجارتين والتي كانتا تتصدران تصدير التمور، واستطاعت الدخول في السوق الاوربية وخاصة البريطانية وكذلك الهندية، وقاموا بتحسين طرق معالجة وتعبئة التمور واختيار الانواع المناسبة للتصدير ويتصدرون السوق العالمية الان كاكبر ثاني مصدر للتمور بعد العراق.

ولا يكفي ان نقول بان لدينا اكثر انواع التمور واطيبها بالعالم وباننا كنا نتصدر الانتاج العالمي والتصدير وكان لدينا اول مركز اقليمي للتمور انشأ بمساعدة الفاو، بل يجب ان يتحول هذا الامر الى واقع لتحسين اسعار ووضع التمور العراقية عالميا، وليزداد دخل المزارعين واصحاب بساتين النخيل، ويكون دافعا قويا لهم ليتشجعوا بتحسين طرق العناية بالنخيل والتمور ويجعلونها قادرة على منافسة تمور الدول الاخرى بالسوق العالمية، وهذه المهمة وان كانت صعبة وتأخذ وقتا الا انها ليست مستحيلا، وتقع المسؤلية في ذلك على جهات عديدة، ابتداءً من وزارة الزراعة لمكافحة الافات التي تصيب النخيل وخاصة سوسة النخيل الحمراء والتي دمرت الانتاج المغربي وحولته من مصدر للتمر الى مستورد كبير له، وكذلك بالتعاون مع كليات الزراعة ومراكز البحوث المختصة بالنخيل وشركات انتاج التمور لارشاد المزارعين لتحسين طرق الري والتلقيح وجني التمور وفرزها وتنظيفها وتعفيرها وخزنها وتعبئتها بشكل يجعلها تنافس التمور الاخرى في السوق المحلية والعالمية، اضافة الى قيام جهاز المقاييس والسيطرة العراقية والتعاون مع مراكز البحوث وكليات الزراعة بوضع معايير ومواصفات خاصة لبعض انواع التمور العراقية مثل البرحي والزهدي وغيرها من انواع التمور ليعتمدها المزارعون وشركات انتاج التمور وتجار السوق المحلية والمصدرون كمقياس لتحديد نوعية التمرة ودرجتها، لكي يستطيعوا منافسة تمور المدجول ودقلة نور والتي تسيطر على سوق واسعار التمور عالميا، وهذا الامر مهم جدا واعتمدته امريكا وتونس وفرنسا للترويج لتمورها، اضافة الى تشجيع المزارعين والمستثمريين الزراعين بزراعة النخيل من نوع المدجول خاصة وهو ما قامت به اسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية في السنين الاخيرة واستطاعت تسويق تمورها في اوربا ودول الخليج وباسعار مرتفعه، علما بان هنالك تمورا عراقية قريبة جدا من هذا النوع ولكن باسماء اخرى وتزرع في ديالى وكربلاء، ولا ننسى اهمية الصناعات المعتمدة على التمور مثل الدبس والخل والخمائر المختلفة والكحول وغيرها من الصناعات وهنا يأتي دور شركات وزارة الصناعة وشركات الصناعات الغذائية، اضافة لتطوير المنتجات الحرفية والمعتمدة على اجزاء النخلة والتي تساهم في تشغيل ايدي عاملة كثيرة وخاصة في الريف والمدن الصغيرة.

وذكرت التقارير السنوية لوزارة التخطيط العراقية  للصادرات والاستيرادات لعام 2016 انه تم تصدير 22 طن من التمور الى تركيا و125 طن الى سنغافورة و40 طن الى روسيا فقط، ولم تستورد اية تمور في ذلك العام، في حين تبين بيانات الدول المختلفة والمدرجة لدى الفاو لعام 2016، ان العراق قام باستيراد1228 طنا من التمور وبقيمة تقرب من مليوني دولار منها اكثر من الف طن من الامارات وبسعر دولار ونصف للكيلوغرام، وكذلك 86 طن من تركيا وبسعر دولارين و86 سنت للكيلوغرام، والاغرب انه استورد طنين من التمور من لبنان ودفع مقابلها 9 الاف دولار اي بسعر اربعة دولارات ونصف للكيلوغرام، اما بالنسبة للتصدير فتذكر البيانات ان 22 دولة استوردت من العراق 322 الف طن وبسعر 36 سنت للكيلوغرام ولم تكن روسيا او سنغافورة من البلدان التي صدر اليها العراق اية تمور، ومن المعيب ان يصدّر العراق للبنان حوالي الفا طن من التمور بسعر 36 سنت ثم يقوم باستيراد تمور بسعر اربعة دولارات ونصف للكيلوغرام، وحصل نفس الشيئ مع الامارات حيث تم تصدير تمور لها بسعر 31 سنت في حين تم استيراد تمور منها بسعر دولار ونصف. ولعدم دقة البيانات الخاصة باستيراد وتصدير جميع المنتجات الزراعية او الحيوانية والصادرة من العراق، لم تُعتمد اية ارقام من العراق من قبل الفاو والارقام المدرجة اعلاه مأخوذة من بيانات الدول الاخرى والتي تستورد وتصدر للعراق.

*أكاديمي مقيم في الامارات