من مآسي المشهد السياسي العراقي، انّ اشخاصا يقفون على هرم النفوذ يملكون تصورا عتيقا عن الدولة الجديدة ويريدون تدبير القضايا الحساسة بعقلية القفز على الخطوط الحمراء والركض وراء الحلول السهلة!، فحولوا البلاد بهذا السلوك الى سوق كبير للمزايدات وتركوا الباب مفتوحا لمن سكنت في نفوسهم نزعة الثأر والتخريب من دون شعور بعقدة الذنب.

انّ اخطر شيء على البلد هم الدجالون المتنكرون بقناع الوطنية الذين يظهرون كل يوم على الشاشات ويقدمون النصائح والتعاويذ في محاولة لسرقة اعجابنا، فالاصلاح والترميم والتزفيت والمقاولات والمشاريع العظيمة التي صُرفت من اجلها الملايين وخطب بشأنها الوزراء والمدراء تبدأ ولا تنتهي في تمثيلية جديرة بالتسلية.

منذ 15 سنة وعجلة الاصلاح متوقفة عن الحركة بسبب هؤلاء الذين ليس لهم ولاء الاّ لجيوبهم وعوائلهم واقاربهم واحزابهم ومن دون ان يشعروا بوصمة العار الباردة التي لطخت جبين العراق وجعلته في مؤخرة دول العالم حتى اكثرها فقرا وتخلفا.

شبكات من المصالح تتداخل مع بعضها بشكل غريب ولا تظهر خيوطها الى الرأي العام، ولا يعرفها اولئك المشغولون بحماية صرائفهم واكواخهم من زخة مطر خفيفة، ولا يعلم بها من يركض الليل والنهار وراء لقمة العيش، انها من عمل مجموعة من البهلوانيين اصحاب الخبرة في الاحتيال والذين يربحون الشيكات المحترمة كل يوم ويستطيعون اخفاء الوجه البشع الذي عاث فسادا في جميع المفاصل والمؤسسات.

في اغلب بقاع الارض تستبشر الناس خيرا بهطول الامطار وخاصة في المناطق التي يصيبها الجفاف لاشهر عديدة من السنة، فبلادنا التي فاضت الصحراء على بساتينها وشوارعها وارصفتها بحاجة ماسة الى قطرة الماء، لكنّ هذه الارض عندما يمنّ الله عليها بزخة مطر تتحول الى وحل كبير تغرق فيه البيوت والمصارف ومليارات الدنانير! وكأنها الوحيدة من دون الكوكب التي لم تمر بها ثورة النار والبخار والكهرباء!.

والسؤال الذي يردده العراقيون دائما هو: الى متى سيستمر هذا الحال، ومتى يلتفت المسؤولون الذين اعماهم الطمع وحولهم الى كتلة بشرية عديمة الاحاسيس! الى الرعاة الفقراء المثقل كاهلهم بالعوز والحرمان ويحتاجون الى مساعدات استثنائية!؟، فالتقارير التي تعرضها نشرات الاخبار عن الخلل الكبير بعدالة دولتنا تجعلنا نصدق بأن المهنية ليس لها وجود الاّ في غرف التحرير وانّ اصحاب السلطة لا يعنيهم الاّ الانتهازيين والمرتزقة وبائعي الذمم.  لكن وعلى الرغم من انتصار المنطق الشاذ تكتيكيا، الاّ انه موضوعيا عاجز عن القضاء على الروح الاحتجاجية لدى المواطنين التي لا تعني سوى رفض المجتمع للخراب الهائل الذي لحق به.

عرض مقالات: