أثار انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي كثرة من التساؤلات الفكرية والاقتصادية والسياسية منها ما هو مستقبل وحدانية تطور العلاقات الرأسمالية  ؟ ومنها  طبيعة الطبقات الاجتماعية القائدة في التشكيلة الرأسمالية العالمية ؟ ومنها ما هي النظم السياسية التي تجهد الرأسمالية المعولمة على حمايتها ؟  وما هو تأثير ميول التبعية والتهميش على الدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية . وأخيرا ما هي  طبيعة التحالفات المناهضة   لرأسمالية عصرنا المتخمة بالنزاعات والحروب الاهلية والتدخلات الدولية .

لغرض الاحاطة بمضامين الأسئلة الفكرية والسياسية المثارة نتوقف عند بعض مفاصلها الاساسية عب الموضوعات التالية ــ

أولا ـ اتجاهات تطور العلاقات الدولية في الظروف التاريخية المعاصرة    .

ثانيا ــ  الدولة الوطنية ومكافحة التبعية والتهميش .

ثالثاً ـــ بناء التكتلات الاقتصادية الاقليمية وأهميتها السياسية .

   محاولين الاحاطة بمفاصل البحث بادئين  بالمفصل الاول الموسوم ب ــ

أولا ـ سمات العلاقات الدولية في الظروف التاريخية المعاصرة   

ــ أفضت وحدانية التطور الرأسمالي وسيادة علاقاته الانتاجية الى كثرة من التغيرات على صعيد تطور الداخل الوطني والعلاقات الدولية  يتقدمها (1 ) غياب دول الشرعية الاشتراكية وتشكيلاتها الاجتماعية وما أنتجه من تبدلات على طبيعة التحالفات الوطنية. ( 2 ) الإبقاء على وحدانية التحالف الاطلسي في العلاقات الدولية رغم انهيار حلف وارسو  (3 ) تعدد اشكال التدخلات الاجنبية الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية  في شؤون الدول الوطنية ( 4 ) كثرة الحروب والنزاعات الاهلية المباركة من الدول الرأسمالية المتقدمة .

ان المؤشرات المارة الذكر تتكامل مع سيادة وحدانية القوانين الرأسمالية وفاعليتها في العلاقات الدولية الامر الذي يدعونا الى تحديد اهم سمات  السياسة الدولية الراهنة .

ــ الرأسمالية المعولمة والنزعة الكسموبوليتية

ــ يتسم الطور الجديد من التوسع الرأسمالي بكثرة من السمات العامة التي أثرت على تطور العلاقات الدولية واتخذت مديات تخريبية  في الطور المعولم من التوسع الرأسمالي  .

ـ ترافقت السياسة الدولية  المعاصرة  وكثرة من التدخلات الخارجية في شؤون الدول الوطنية عبر اشكال كثيرة أهمها ــ

1 ــ التأثير على الانظمة السياسية للدول الوطنية بهدف جرها الى اطر التبعية للبلدان الرأسمالية الكبرى عبر تغذية النزاعات الجانبية بين الدول والحروب الاهلية في محاولة  لتفتيت التشكيلات الاجتماعية الوطنية عبر تخريب أبنيتها الطبقية .

2 ـ رعاية السمات البوليسية للأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية  و تمكين الفئات الفرعية ــ الكمبورادورية  وبعض شرائح البرجوازية المالية  من السيادة الطبقية وجعلها حليفا (وطنيا ) للمصالح الدولية .

3 ــ اثارة المصاعب الاقتصادية للدول الوطنية عبر العقوبات الاقتصادية والحصارات الدبلوماسية فضلا عن إثارة النزاعات الاهلية .

4 ــ  اعتبارها قوانين الدول الرأسمالية الكبرى قوانين عابرة لحدود الدولة  الوطنية  بهدف فرضها على الدول الوطنية الاخرى .

5 ـ استبدال الشرعية الدولية بقوانين الدول الكسموبوليتية  وبهذا المسار تجهد الدول الرأسمالية الكبرى الى تخطي القرارات الدولية من خلال علوية قوانينها العابرة للحدود الوطنية على القوانين الدولية .

6 ـ اثارة النزاعات الدولية عبر تشكيل الاحلاف والمحاور الدولية الهادفة الى التدخل في شئون الدول الوطنية وعرقلة تحديد خيارتها تنميتها الوطنية المستقلة واستبدال ذلك بالتبعية والإلحاق .

استنادا ً الى تلك الوقائع فان تغيرات السياسة الدولية تحمل في طياتها الحروب الاهلية والنزاعات الدولية الامر الذي دفع دول الرأسمالية الناهضة الى تطوير استراتيجيتها الوطنية كشكل من اشكال سياستها المناهضة للنزعات الكسموبولتية .

ثانيا ــ بناء النزعة الوطنية

بات معروفا ان التطور الرأسمالي المعولم لا يمكنه تخطي حدود المنافسة الرأسمالية وبهذا السياق تصبح الهيمنة والسيادة الدولية  عوامل مقررة لتطور البلدان  الرأسمالية الكبرى واستنادا الى روح الهيمنة والسيادة الدولية بدأت الدول الرأسمالية الناهضة اعتماد ايديولوجية وطنية مناهضة للميول الكسموبوليتية للدول الكبرى ترتكز على الموضوعات التالية ــ

أ ــ بناء الدولة الوطنية على اساسً رعاية مكوناتها الاجتماعية  والطبقية في مسعى لمنع سيادة الطبقات الطفيلية ــ الكمبورادورية والرأسمالية المالية ــ  على سير تطور مجتمعات الدول الوطنية .

ب ـ اعتماد السلم الاجتماعي المرتكز على التوازنات الطبقية  والابتعاد عن اثارة الصراعات الداخلية المفضية الى الحروب الاهلية  والانقلابات العسكرية اساسا  لبناء الدولة الوطنية .

ج ـ تطوير البناء الديمقراطي للسلطة السياسية واعتماد الشرعية الانتخابية الديمقراطية أساساً لسلطة الدولة الوطنية وشرعياتها الوطنية  .

د ـ  بناء التحالفات الوطنية الداخلية القادرة على تطوير البنى الشرعية ــ الدستور الوطني والقوانين الضامنة لحقوق الانسان ــ فضلا عن مناهضة التبعية والتهميش .

هــ بناء التحالفات الاقليمية الهادفة الى التطور الاجتماعي والسياسي في الدول المتحالفة  ومنع الدولة الوطنية من الدخول في تحالفات عدوانية ضد الدول الاخرى.

ثالثاً ـــ بناء التكتلات الاقتصادية الاقليمية

افرزت الرأسمالية المعولمة انماطا جديدة من التحالفات الوطنية والدولية بسبب ميولها الهادفة الى دفع الدول الراسمالية ضعيفة التطور الى  التبعية بعد تخريب تشكيلتها الاجتماعية وبهذا المعنى فان صيانة الوحدة الوطنية ومنع التبعية والإلحاق تتطلب العمل على تشكيل  التحالفات الوطنية والدولية بمسارات كثيرة  أهمها ـ

أــ التحالفات الوطنية

مجابهة النزعة الكسموبولتية   الهادفة الى الهيمنة والسيادة الدولية تتطلب بناء الداخل الوطني على أسس وطنية عامة تستند الى ــ

ـ بناء نظم سياسية ديمقراطية قادرة على مناهضة ميول الرأسمالية المعولمة الهادفة الى جعل الدولة الوطنية مصدرا للثروات  الضرورية وسوقا لتصريف البضائع الاجنبية .

ــ  اقامة تحالفات وطنية مرتكزة على  وحدة مصالح الطبقات الاجتماعية الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية الوطنية.

ــ  تحجيم الطبقات الثانوية ــ الكمبورادورية  والبرجوازية المالية ـ الوكيلة للشركات الاحتكارية الدولية وما يعنيه ذلك من  احاطة  الدولة بسيادة وطنية مستمدة من وحدتها الاجتماعية وليس من الحماية الدولية.

ب ــ بناء التكتلات الاقتصادية بين الدول الوطنية

ــ يشكل بناء العلاقات الاقتصادية مع الدول الوطنية الاخرى ضمانة لمواجهة عمليات التهميش التي تحاول الرأسمالية العولمة فرضها على الدول الوطنية .

ــ تساعد التحالفات الاقتصادية الإقليمية الدول الوطنية على اكتساب المناعة الاقليمية ضد ميول الرأسمالية الكسموبولتية الهادفة الى التبعية والتهميش .

ـــ تساهم  التحالفات الاقتصادية الاقليمية بتطوير العلاقات السياسية  بين الطبقات الاجتماعية  الاقليمية ونضالها المشترك المناهض لسياسة الإلحاق والتفتيت .

استادا الى ما جرى استعراضه يمكننا صياغة الاستنتاجات التالية ـ

اولا ـ تتميز العلاقات الدولية بطوابق ثلاث تتقدمها  الرأسمالية الكسموبولتية التي تسعى الى نشر قوانينها الوطنية بالضد من مصالح ـ الدول الرأسمالية الناهضة والدول الوطنية   بعيدا عن الشرعية الدولية .

ثانيا ـ تسعى الدول الرأسمالية الناهضة الى اعلاء شأن الايديولوجية الوطنية  في العلاقات الدولية في مسعى لصيانة استقلالها وتطوير وحدتها الوطني بهدف إعاقة مساعي الرأسمالية الكسموبوليتية المتسمة بسمات التبعية والتفتيت .

ثالثا ـ تعمل الدول الوطنية على بناء الجبهات الداخلية الهادفة الى  صيانة المصالح الاساسية للطبقات الاجتماعية الفاعلة بهدف مناهضة التبعية والإلحاق.

رابعا ـ تسعى الدول الوطنية الى  بناء تكتلات اقتصادية اقليمية في محاولة منها لصد التبعية والتهميش التي تسعى الرأسمالية الكسموبوليتية الى تكريسها في العلاقات الدولية . 

عرض مقالات: