احتدم النقاش في بداية العام الدراسي عن العملية التربوية ومسيرتها ومصيرها  ، لأشاهد ملخصا مكثفا للواقع وللتطور الذي يتحدثون عنه في مساحة طولها كلم وعرضها كلم تقع ضمنها مدرستي السابقة النهضة الإبتدائية للبنين في مدينة الصويرة والتي احيلت للتقاعد وتحولت إلى مخزن للتربية ، وتجاورها مدرسة المأمون التي جرى هدمها ولا زالت لم تنهض بعد . 

‎الشئ الجديد في هذا المربع اعلان عن افتتاح مدرسة ابتدائية خاصة ، مدرسة مالك الأشتر في أحدى البيوت وكذلك اعلان عن افتتاح وبداية الدراسة في مدرسة أنوار المستقبل في احدى البيوت المستأجرة يقابلها بناء كبير انجز بسرعة في أقل من سنة لمدرسة أخرى مدرسة يوسف الصديق الأساسية ، إبتدائية  متوسطة ، كل هذه المدارس في نفس المربع ، وعلى بعد أمتار من هذا المربع لا زالت أطلال مدرسة الشروق التي تم هدمها ،  وارتفع بجوارها بناء ضخم لمسبح داخلي انجز في وقت قياسي في فترة الشتاء فقط وهو يطل بتعال على بقايا المدرسة المهدمة التي ملأتها النفايات ، وعندما تعجبت من سرعة إنجاز

هذا المسبح أجابتني احدى المدرسات ( لأنه ليس مدرسة ) . 

وباتجاه منطقة جوميسة وبساتينها الجميلة التي لاتبتعد سوى بضع كيلومترات عن المربع ، لازالت أطلال مدرسة المكاسب شاخصة في وقت نشاهد يوميا طلابها يتدبرون امرهم في الوصول للمدينة للدراسة . لا أريد أن أبتعد أكثر لأن ذلك يعني مدارس مهدمة أكثر وإعطاء إجازات لمدارس خاصة جديدة . 

ما الذي يعيب المدارس الحكومية عندما كان القانون يحكم البلاد نسبيا وتدار من ذوي الإختصاص نوعا ما . أرجع الى مدرسة النهضة التي كنت فيها في نهاية أربعينات القرن الماضي الى منتصف الخمسينات والتي خرجت الألوف من الطلبة . كانت بنايتها نموذجا للمدرسة فهي على شكل زائد (+) ومسقفة والصفوف الدراسية على الداخل وتتوسطها قبة كبيرة ، كانت طاولة المنضدة تحت القبة ، ويوجد صفان خلف البناية هي للصف الأول والثاني حتى يطلقوا لأصواتهم وهرجهم العنان . وكانت في المقدمة غرفة الأدارة وغرفة المعلمين ، وفي الأركان غرفة تحتوي عددا كبيرا من الأواني الفخارية ( الحب ) مخصصة لشرب الماء للتلاميذ ، والركن الآخر المرافق الصحية . وفي جانبي المدرسة زرعت ست نخلات ثلاث في كل جانب وهي من أجود أنواع التمور ، وتوجد خلف المدرسة حديقة جميلة جدا تعادل ثلث مساحة المدرسة خصص لها العم جواد الفراش للإعتناء بها ، وهي محاطة بسياج من نباتات الياس والديدونيا ، ثم أشجار الحمضيات على اختلافها بما فيها السندي والنارنج ثم الورود حسب الموسم صيفي وشتوي . كان الكادر التدريسي من أهالي المدينة ويتمتعون بالخبرة وأغلبهم وجوه اجتماعية  وتربوية ، وكان هناك ستة فراشين لإنجاز حاجات المدرسة ، أما الطلبة فهم من المدينة بالإضافة الى طلاب من منطقة الجوز وجويميسة وجحيشات . كان تجهيز المدرسة جيدا من حيث الرحلات المخصصة لكل طالبين والكتب التي تستلم في اليوم الأول من العام الدراسي ، بالإضافة الى الدفاتر والأقلام للطلاب المحتاجين ، كما تقدم معونة الشتاء من الملابس ، وكانت المدرسة تزود بالملابس الرياضية لألعاب الطائرة والسلة والقدم بالرغم من ان مدرسة النهضة لا تمارس لعبة القدم إلا نادرا لعدم وجود ساحة ، بينما ساحة الطائرة والسلة موجودة في ساحة المدرسة واعتادت فرق المدرسة الحصول على مواقع متقدمة في كرة الطائرة على نطاق القضاء والمحافظة ( اللواء ) بالإضافة الى سباقات الساحة والميدان ، واعتادت المدرسة تنظيم سفرات جماعية لمدن المحافظة وبالعكس وكذلك مسيرات راجلة لجميع الطلاب في الربيع والخريف الى منطقة الجوز بضيافة المرحوم عبيد الحاج خلف ، وكذلك الى منطقة جحيشات بضيافة المرحوم عبد الله المحمود المجيد ، وكانت المدرسة تنظم سنويا سفرات الى المتحف الوطني والى المناطق الأثرية من سامراء الى عكركوف وبابل وأور ، وكان للمدرسة نشاط ثقافي حيث تقدم مسرحية واحدة لأبناء المدينة وينظم معرض للرسم والخط ، وتساهم المدرسة في النشاط العام للمدينة خاصة في موسم الفيضانات وتهديد السداد التي تحمي المدينة والمجاورة للمدرسة . وفي الخمسينات طرأ تطور جديد لما تقدمه المدرسة وهي التغذية المدرسية لكل الطلاب ، ، وكذلك افتتاح قسم الدراسة المسائية ومكافحة الأمية .

انتهت مدرسة النهضة العريقة ، حالها حال الكثير من مدارس العراق واختفت معها ضحكات وصيحات الطلاب فيها وفي الشارع ، وأزالت العواصف في ربيع هذا العام آخر أثر وذكرى لطلاب المدرسة وهي 14 نخلة زرعها الطلاب عام 1937 في الشارع مقابل المدرسة والذي اطلق عليه اسم شارع 14 نخلة . 

هل ما يحدث في مجال التعليم عفوي ، أو انه خطأ من أحد الأشخاص أو الجهات ، في رأيي لا هذا ولا ذاك . إن النظر الى سعة هذه الظاهرة والإصرار عليها وكذلك استهلاك المدارس الرسمية الباقية واندثار أثاثها وانعدام الخدمات التي تقدم للطالب وتكدس الطلبة ، تؤكد ان هناك نهجا وخطة رسمت من جهات عليا لتصفية أو تهميش التعليم الحكومي وتشجيع القطاع الخاص بدلا عنه .

عرض مقالات: