لعلّ السؤال المهم الذي يطرحه جلّ العراقيين اليوم وبمزيج من التهكم وخيبة الأمل، هو: هل حكومتنا القادمة قادرة على ان تكون بمستوى التحديات الثلاث الكبيرة: وهي التحدي الامني ومحاربة الفساد وتقديم الخدمات؟. والاجابة على هكذا سؤال، سيكون بكل تأكيد من صلاحية الذين يخاطرون باقتحام اسوار المنطقة الخضراء والاستيلاء على مفاتيح المؤسسة الأكبر قبل غيرهم، فهم الأعرف بأمكاناتهم والأدرى بأدواتهم والأقدر (اذا ما ارادوا ذلك بشكل فعلي) على كشف هشاشة البنى التحتية المصنوعة من مادة (الغش)!.

لكننا اذا ما تجنبنا التكهنات والتنجيم ونظرنا الى المسألة من زاوية ابعد،  فسنكتشف وبلا ادنى شك وقبل التحديات الثلاثة اعلاه، حاجة العراق الملحة الى عملية سياسية ذات مصداقية واضحة، وليس كما هي اليوم التي لو وضعناها في غربال فلا نجد غير النخالة والقشور والسخرية السوداء منذ صندوق الاقتراع الاول وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات!، فمهما كانت الحكومة ابوية او وطنية، تكنوقراطية او سياسية،  ((جامعة او مانعة))، حكومة هواة او حكومة محترفين، او اي اسم من اسماء (الدلع) الاخرى!، فأنها لا تستطيع ان تقدم شيئا لهذه البلاد ما لم تتوفر لها بيئة سياسية نظيفة لا كلمات وشعارات تذكرنا بالشهامة وتوهمنا بالانتماء للوطن!.

ولكي لا يتهمنا الذين يقدمون دروسا في الخصوصية العراقية! بأننا نرتدي نظارات سوداء او اننا عدميون، فأنّ إلتفاتة قصيرة الى الوراء كافية لنرى المستنقع الكبير الذي لا تعوم فيه غير الطحالب التي لا تزعجها رائحة العفن، هكذا هي السياسة في العراق، حلبة سباق لا تخضع لأي منطق معقول ماعدا المصالح الفئوية والانانية الضيقة، وانّ كل ما يجري من ضجيج وبهرجة ما هو الاّ طريقة للتشويق من اجل ضمان استمرار الاثارة وكسب المزيد من المتفرجين!.

امّا اذا تركنا الماضي وكوابيسه، والحاضر ومتاهاته، وتحدثنا بصيغة المستقبل عبر نافذة ضيقة من التفاؤل، فأنّ من الحق القول: ان العملية السياسية المشوهة والتي تركت الكثير من الرماد وخلفت جيلا بلا طموح ولا مبادئ ولا قناعات، وبالمقابل انتجت الكثير من اصحاب الشراهة المنقطعة النظير في الاكل والنهب والفساد، هذه العملية السياسية لا بدّ من غسل جسدها من ادران القراصنة والطارئين، وتنظيف وجهها الملطخ بالدخان الاسود، واركابها على صهوة التحوّل والتجدد لا من خلال ردود الافعال ومحاولة امتصاص غضب الشارع او انقاذ ما تبقى من ماء الوجة، بل من خلال توجهات جدية وتشريعات جديدة وقبضة لا يفلت منها من يخل بالمسؤولية، نريد عملية سياسية لا يفكر قادتها كما يفكر رجل الاطفاء الذي لا يتحرك الاّ عندما تشتعل النيران، وانما قادة يعملون بعقلية الفلاح الذي يشقى في كل الفصول ليجني الثمار في الصيف!.

عرض مقالات: