يحتفل العالم سنويا في الخامس من تشرين الأول / اكتوبر من كل عام باليوم الدولي للمعلمين منذ 1994 وهو بمثابة احياء لذكرى توقيع التوصية المشتركة الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة (اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة عام 1966 والمتعلقة بأوضاع المعلمين.
في جميع انحاء العالم يحقق التعليم الجيد التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والأمل بمستوى معيشي أفضل, وليس من الممكن وجود تعليم جيد بدون معلمين جيدين ومخلصين ومؤهلين. وهناك حاجة دائمة من اجل رفع مكانة مهنة التعليم لأجل المجتمع ككل بما يمثل اقرارا بالدور الذي يضطلع به المعلمون في بناء المستقبل.
وفي ذات يوم سئل امبراطور اليابان عن اسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير, فأجاب: ((بدأنا من حيث انتهى الآخرون, وتعلمنا من اخطائهم, ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير..)), نعم فاليابان دولة اقتصادية كبيرة ولكنها لم تصل الى ما وصلت اليه لمجرد توفر المصانع ورؤوس الأموال والأسواق, وانما هي دولة ادركت بعد الحرب أن السبيل الوحيد للنهوض هو التعليم وان المعلم هو حجر الزاوية للمنظومة التعليمية, وان موقع المعلم في اليابان يأتي بعد الامبراطور مباشرة وهذا سر تفوق اليابان العلمي والتكنولوجي والصناعي. بعكس ما هو موجود في العراق حيث تدهور واقع التعليم والمعلم كثيرا الى درجة اعتبرت احدى المنظمات الدولية المتخصصة العراق من اسوأ بلدان العالم في مستوى التعليم. فمنذ 2003 والى اليوم ازداد عدد الاميين وانصاف الاميين في العراق بعد ان كاد العراق يقضي على الامية في سبعينات القرن الماضي, واتجهت الدولة اليوم الى خصخصة التعليم حيث انتشرت رياض الأطفال والمدارس والجامعات الاهلية حيث يكون التعليم مقابل مبالغ باهظة لا تستطيع كل الأسر العراقية تحملها. ويوم المعلم هو يوم خاص لتكريم المعلم وبهذا اليوم يذكر العالم فضل المعلم وجهوده الجبارة واهميته في الحياة.
في العراق يعاني المعلم والتعليم من كثير من السلبيات حيث ضعف البرامج التدريبية المستمرة للمعلم وعدم تمكنه من الاطلاع على كل ما هو جديد في مجال التعليم والمناهج وطرق التدريس والتدريب على استخدام التقنيات التعليمية الحديثة والمتطورة. اضافة الى عدم وجود رعاية خاصة بالمعلمين المميزين والحرص على تنمية مواهبهم وتشجيعهم وتوثيق انجازاتهم المميزة وتعريف الآخرين بهم. كما يعاني المعلمون الخريجون الجدد من البطالة وانعدام فرص التعيين الا وفق المحسوبية والمنسوبية وتقديم الرشى, وليس هناك تشجيعا من قبل الدولة للمعلم على البحث العلمي وعدم وجود وضوح في الأنظمة الوظيفية لمعرفة ماله وما عليه من واجبات وحقوق. كما لم تقدم الدولة في العراق المكافئات والحوافز للمعلمين والتي من شأنها أن تزيد من اندفاع المعلمين وحبهم لمهنتهم. الى جانب ذلك وبسبب اوضاع العراق السياسية والاقتصادية والأمنية فقد ازداد الاعتداء على المعلمين وازدادت ممارسات الغش في الامتحانات الدراسية في ظل عدم وجود انظمة وقوانين صارمة لضمان حماية حقوق المعلم من الاعتداءات المختلفة. اما البنى التحتية للتعليم في العراق فتعاني من الدمار والاهمال من حيث الأبنية المدرسية غير الملائمة وعدم توفر الوسائل التعليمية الحديثة والافتقار الى المختبرات العلمية والاهمال المتعمد لدروس التربية الرياضية والتربية الفنية واستغلال حصصها بدروس اخرى, اضافة الى المناهج الدراسية غير الملائمة لتطورات العصر وتكريس الطائفية في التعليم, وعدم ربط التعليم بحاجات المجتمع الى جانب اسلوب التلقين في التعليم وعدم تشجيع الطالب على التفكير والنقد والبحث العلمي.
ان اصلاح التعليم في العراق وتطويره يحتاج الى الانطلاق من المعلم ومهنته وضرورة اخراج المهنة من كونها مهنة طاردة الى مهنة جاذبة لجذب الكفاءات اليها وهذا لا يكون الا بتحسين ظروف المهنة كفاءة ومعيشة مع تخفيض الأعباء الملقاة على عاتق المعلمين وخاصة فيما يتعلق بعدد الحصص اليومية واكتظاظ الصفوف بالطلبة وغيرها من التكليفات الادارية بما يساعدهم على تحضير الوسائل التعليمية ومتابعة ظروف الطلبة التحصيلية ومعالجتها, اضافة الى دورهم في اكتشاف المواهب الادبية والفنية والرياضية والعلمية, وكل ذلك يستحيل حصوله في ظل وجود حصص يومية كثيرة وصفوف مكتظة بالطلبة. ومن الأهمية بهذا الصدد اعادة النظر في اسس اختيار القيادات التربوية بحيث تكون الأولوية لمن يمتلكون الصفات القيادية وحاملي الفكر التطويري والرؤية النهضوية الشاملة بعيدا عن المحاصصة الطائفية المقيتة والحزبية الضيقة والمحسوبية والمنسوبية, ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ومن الضروري ايلاء البنية المدرسية الاهتمام الكافي الذي يضمن من خلال التخطيط المسبق تهيئة بيئة صفية صحية مناسبة من ناحية المكان والعدد والوسائل التعليمية , ولا بد من تقدير المعلم وتحسين ظروفه المادية بما ينعكس ايجابا على العملية التعليمية والتربوية وضرورة التخفيف من نصاب الحصص اليومية.
في بعض البلدان يعتبر يوم المعلم يوما خاصا لتكريم المعلمين وبعض من هذه الدول تتخذ هذا اليوم عطلة رسمية, وتختلف ايام الاحتفال بهذه المناسبة ففي العراق يتم الاحتفال في الأول من آذار من كل سنة, وفي البانيا يحتفل به في 7 آذار وفي الارجنتين 11 أيلول وفي الجزائر وروسيا 5 تشرين الأول وفي الصين 10 أيلول وتحتفل به الهند في 5 أيلول ولبنان في 3 آذار وفي الولايات المتحدة في 5 أيار وتركيا في 24 تشرين الثاني... ان مهمة المعلم تعتبر من المهام السامية وذات التأثير الفعال والبليغ على حياة البشر فالمعلم هو الذي يبني ويرشد ويفسر لنا كافة الامور, وكما قال امير الشعراء احمد شوقي في تكريم المعلم :
(( قُم للمعلم وفه التبجيلا.... كاد المعلمُ أن يكونَ رسولا..))