بداية أوّد أن أقدّم إعتذاري عمّا سيأتي لاحقا في هذه المقالة، كون ما سيأتي قد يخرج عن المألوف في نظر البعض الذي يراه مساسا بـ " المقدّس" عنده. إلا إنني وهنا سأعتذر ثانيّة للقارئات والقرّاء، أرى نفسي مرغما على الخروج عن المألوف ليس لشيء إلّا كوني أرى المألوف جريمة. والمألوف هنا ليس بجريمة عاديّة بل جريمة متكاملة، تحمل كل مواصفات الجريمة التي هي مع سبق الإصرار والترصد ، إنّها جريمة إغتيال الجمال، جريمة إغتيال المرأة، جريمة إغتيال قيثارة الحياة بكل ما في الحياة من معنى، جريمة إغتيال الأم والأخت والزوجة والصديقة، جريمة إغتيال وطن إسمه لليوم عراق.  أمّا ماذا عن الغد وإسم هذا الوطن، فأنّه سؤال يوجّه الى العمائم والميليشيات والأحزاب الحاكمة ومن يدّعي الوطنيّة وليس لي وللكثيرين من أمثالي،  كوننا نعرف الجواب جيّدا، بل نعرف أكثر من جواب لهذا السؤال وإن جاء بلغة أعجميّة، قلت بلغة أعجمية!!؟؟ نعم أنا أعني ما أقول، فاللغة الأعجمية التي أعنيها ليست سوى لغة وليّ الفقيه في طهران، اللغة الرسميّة للمؤسسات والأحزاب والميليشيات الشيعيّة المتورطة بإغتيال الوطن، واللغة هنا هي لغة الرصاص والموت علاوة على لغة المخاطبة. لكنّنا إن بحثنا وبحيادية عن الذي يغتال هذا الوطن، علينا العودة للدين وليس للطائفة وحدها، لأن الدين هو الذي أصبح  سبب مأساتنا اليوم. وإن أردنا خوفا أو نتيجة العاطفة عدم تحميل الدين سبب مأساتنا، فإننا وبعد كل الفساد والقتل والجرائم التي دمّرت شعبنا وبلدنا منذ الإحتلال لليوم، نرى أنفسنا مرغمين للعودة الى أصل البلاء، وهو الدين من جديد. وعندما أقول الدين هنا، فأنا أعني به هذه البضاعة الفاسدة كما فساد السلطة والتي حوّلها الكهنة الى سيف مسلّط على رقاب الناس، وليس الدين الذي عرفناه قبل نجاح الثورة الإيرانيّة والتدخل السوفيتي في أفغانستان، ذلك الدين السمح الذي لم يبقى منه اليوم الا فتاوى القتل والجهل.

عشرات القنوات الفضائيّة الدينيّة وآلاف المنابر في المساجد والحسينيّات والآلاف من رجال الدين بعمائمهم المختلفة الأشكال والألوان، يمارسون وفي وضح النهار عمليّة القتل الممنهج لشعبنا ووطننا. أنّهم يقتلون كل شيء جميل في هذه الحياة، ويحوّلون الحياة الى مأتم ما أن ينتهي ويُجمع صيوانه، حتى يقوموا بنصب صيوان آخر لمأتم جديد وليستمر الموت كرمز من رموز " الحياة" في عراقنا الذي يعيش على تخوم الموت وأصبح مقبرة للأحياء. هؤلاء المتخلفون وهم يملكون المال والقوّة والسلطة والإعلام، قادرون نتيجة غياب الوعي عن قطاعات واسعة من جماهير شعبنا وغياب قوى التنوير، على تحريك القتلة لتنفيذ جرائمهم بحق الناس كما بيادق الشطرنج، وهم أنفسهم بيادق شطرنج عند لاعب آخر.

رجال الدين، يُبحرون بشعبنا في محيط من الخرافات والأساطير، لذا نرى شعبنا اليوم متخلّفا عن شعوب كانت حتّى الأمس القريب تنظر إليه بإعجاب وحسد. لقد صادر رجال الدين عقول البسطاء، وصادر الساسة الإسلاميين ثروات وطنهم، وصادرت الميليشيات المسلّحة حياتهم، فما الذي تبقى من العراق!؟ رجال الدين ومعهم الساسة ورجال العصابات الإسلاميّة، حوّلوا العراق الى ساحة للجريمة، فترى الناس يموتون وهم يتظاهرون سلميا، يموتون وهم يبحثون عن الماء، يموتون وهم يبحثون عن فرص للعمل، يموتون وهم يبحثون عن دواء مفقود، يموتون كونهم شيعة، يموتون كونهم سنّة، يموتون كونهم مسيحيين، يموتون كونهم أيزيديين، يموتون كونهم كورد وعرب وتركمان وشبك ، يموتون كونهم عراقيين.

رجال الدين ومعهم عصاباتهم المسلّحة التي منحوها غطاء دستوري وقانوني ليصلوا الى قبّة البرلمان في سابقة لم يعرفها العالم المتمدن لليوم، يكرهون الجمال، ويكرهون الفن، ويكرهون المرأة المتظاهرة، ويكرهون المرأة العصريّة، بل يكرهون البشر التوّاق للحريّة والإنعتاق من خرافاتهم. أنهم ومعهم رجال عصاباتهم من ساسة وميليشياويين، حولّوا العراق الى صحراء، حولّوا الأخلاق الى صحراء، حوّلوا العقل الى صحراء. أنّهم مسؤولون عن أمّية كل طفل عراقي، أنهم مسؤولون عن كل حزن عند أرملة لا تملك ما تقيم به وأد عيالها، أنّهم مسؤولون عن قهر كل أب لايستطيع النظر في عيون أطفاله لأنّه لا يستطيع أن يوفّر لهم الحياة الآدميّة، أنّهم مسؤولون عن إنهيار الوطن. دلّونا على مرفق واحد من مرافق بلدنا لم تمتد إليه يد الخراب والفساد والجريمة، منذ أن هيمن هؤلاء المتخلفين على مقاليد البلد بغفلة عن الزمن؟

يقول المتخلفون هؤلاء من أنّهم يريدون إعادة القيم الإسلاميّة والحسينيّة لمجتمعنا!! هل كنّا كفرة قبل أن نبتلي والوطن بكم؟ هل كنّا مرتشين وفاسدين كما أنتم وأتباعكم؟ هل كانت الجريمة متفشيّة قبل أن نرى وجوهكم الكالحة وهي تتسيّد أرض الحضارات؟ عن أيّ إسلام تتحدثون وعن أيّ قيم فقدناها تبحثون؟ إنّ إسلامكم اليوم، هو إسلام لصوصي لا يعرف الا النهب والخيانة وإشاعة الدمار والموت والحقد، إسلام أذّلنا بدل أن يُعزّنا، إسلام منحنا الجحيم على الأرض ومنحكم فيها السعادة والرخاء والطمأنينة.

لماذا تكرهون الجمال، وتعملون على قتله علانيّة بحجّة القيّم والأخلاق، وأنتم تخوضون كل أشكال الرذيلة كي تتمتّعوا به بأنانية لا تليق الا بعمائمكم؟ لماذا تكرهون المرأة وهي تريد أن تعيش بكرامة وتغتالوها كونها تظاهرت ضدّ حكمكم المتخلف الذي يعيش لليوم بين كثبان رمال الصحراء القاحلة، دفاعا عن شعبها؟ حدّثوا الناس عن النساء  الباحثات عن الجمال في التأريخ الإسلامي، كي لا تمتد الى نساء العراق رصاصات عصاباتكم الجبانة. حدّثوها إن كنتم تملكون الشجاعة عن السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين، الباحثة عن حقّها كإمرأة عن الجمال بإعتبارها أوّل إمرأة عند العرب صفّفت جمّتها تصفيفا لم يُرَ أحسن منه ، حتّى سمّيت عند الناس: بالجمّة السكينيّة *.

حدثّوا الناس عن أوّل عملية جراحية تجميلية أجريت لإمرأة  في الإسلام، تلك التي أجريت للسيدة سكينة بنت الإمام الحسين في القرن الأوّل الهجري. تلك العمليّة الجراحية التي أزال فيها " بدراقس" سلعة كانت أسفل عينيها والتي كبر حجمها حتى أخذت وجهها وعينيها**. حدثّوا الناس عن عليّة بنت المهدي العبّاسي، التي إبتكرت العصّابة التي كانت تغطي جبينها لسعته***. أعيدوا لنا تأريخنا الذي صادرتموه وكأننا لم نكن نملك تأريخا قبل الإسلام.

قبل الإسلام بعشرات القرون كان بلدنا صاحب حضارة هيمنت على العالم القديم، حضارة إحترمت المرأة ومنحتها حقّها وفق القانون. ففي العهد السومري كانت للمرأة مقاما رفيعا في المجتمع، وحفظت شريعة " أوركاجينا" حقوق النساء وحمتهنّ من جشع الطامعين بهنّ من أسرهنّ أو مجتمعاتهنّ. أما " حمورابي" فقد خصصّ ثلاثون مادّة من قوانينه لشؤون الأسرة والمرأة وحماها من الإعتداءات، كل هذا كان بعشرات القرون قبل الإسلام، فماذا عنكم اليوم والنساء تُقتل في بلد حمورابي في رابعة النهار، ماذا عنكم والمرأة أصبحت سلعة تباع وتشترى إمّا لعوز أو لأختلاف في الدين أو المذهب، أو تُستغل وهي تبحث عن عمل في مكاتبكم؟

أيها المتخلفون المجرمون، إنّكم اليوم بقتلكم نساء بلدنا تقتلون شبعاد العاشقة للفن، تقتلون "أنخيدو- أنّا" أول شاعرة في التاريخ،  هذه التي وصفها  بعض المؤرخين من أنّها شكسبير الأدب السومري، إنّكم تقتلون " سمير أميس" و " شيبتو" و " زكوتو"، أنّكم تقطعون أصابع الموسيقيّة السومريّة " أورنينا" وتحطمّون بجهلكم وتخلفكم قيثارتنا التي نباهي بها الأمم. إنكم تقتلون سكينة بنت الإمام الحسين وهي تعشق الحياة وبهجتها وتبحث عن طرق السعادة من خلال ركام الموت الذي حلّ بها وأهلها، وهي تنظر إليهم صرعى على تراب كربلاء. أنّكم تقتلون نازك الملائكة وزها حديد والعشرات من النسوة المبدعات في عراقنا الذي كان جميلا قبل أن يغزوه قبحكم، إنّكم تنشرون الفجيعة في مجتمعنا، أنكم رسل للموت والدمار.

إنّ إغتيال النساء بالعراق، سواء كنّ ناشطات أم أكاديميّات أم إعلاميّات أم جميلات، ليست جرائم عاديّة قد تحدث في أي مجتمع، بل أنّها جرائم منظمّة تقوم بها الدولة العميقة، هذه التي تنشط بموازاة الدولة وتمتلك السلاح والقوّة والسلطة وتحركّها فتاوى خفافيش الظلام المشدودين دوما الى كهوف مظلمة تكره الشمس والهواء الطلق. إنّ سكوت الأحزاب الديموقراطية والعلمانيّة ومنظمّات المجتمع المدني أو ما تبقّى منها، عن ظاهرة قتل النساء بالعراق أو المرور عليها بخجل، سيفتح أمام المرأة العراقية أبواب الجحيم. لنرفع أصواتنا عاليا بالدفاع عن المرأة العراقيّة وحقّها بالحياة، ولنطرق كل الأبواب في الداخل والخارج لحمايتها من بطش القوى الإسلاميّة المسلحين بفتاوى خفافيش الظلام. وسيبقى الدين ذو شهيّة للقتل والدمار ما لم يُعقْلن ويُؤنْسن، وهذا الأمر لا يتم الا بوجود دولة مؤسسات حقيقية، دولة تنهي الدولة العميقة، وتُلجم رجال الدين ومؤسساتهم وتمنعهم من التدخل بالشأن السياسي، دولة علمانيّة ديموقراطية تؤمن بالإنسان قبل دينه وعرقه.

ان افضل ما يفعله الفاشلون هو أن يصنعوا من أنفسهم رجال دين " مونتسكيو"

*****************

*الأغاني " 16/ 144 "

**الأغاني " 16/ 160"

*** الأغاني " 16/ 162 "

الدنمارك

28/9/2018

عرض مقالات: