تعلمنا من ثورة الإمام الحسين عليه السلام إن الإصلاح ليس من مسؤولية شخص واحد، وإنما هي مسؤولية مجتمعية ،وكان عليه السلام يطلق نداءاته عالياً بالنصرة والانضمام إلى جبهة الحق، ويوجه خطابه للآلاف المؤلفة من المغرر بهم في جيش الظلال والباطل. وقد تأثر الكثير منهم لنداء الحسين عليه السلام والانضمام إلى معسكره عندما تمكنوا من التمييز بين الإصلاح الذي كان ينادي فيه الحسين (ع) من قيم ومبادئ، وحقوق الأمة والمجتمع، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية ،من خلال توعية الناس بمواصفات الحاكم العادل الذي يؤمن باحترام آراء الناس ومعتقداتهم ،ويؤمن بالشورى في الحكم وتولي الحكم من هو أهل لها، وعدم المساومة على الحق والالتزام بالعهود، وأطلق كلمته المشهورة ( ألا وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ،وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ). وقد تعرض المصلحون عبر التأريخ ومن مختلف الأفكار الدينية والسياسية إلى الاضطهاد والقتل بشكل وحشي دون رحمة, من هنا جاءت ثورة الحسين (ع) من أجل حرية الناس، وصيانة كرامتهم الإنسانية، ورفض الذلة التي أتبعتها طغمة السلطة آنذاك، وأتباعهم في تعاملهم مع الناس.
وستبقى تلك الثورة نبراسا للثائرين ضد الظلم في كل زمان ومكان، وزخما معنويا للمظلومين الذين ينهلون من مبادئ تلك الثورة، كما تضمنت معالم تلك النهضة تمتين أواصر الثقة بالمعتقدات من خلال طرح الصحيح منها إلى الأمة، والتأكيد على وحدتها ، ومنع إثارة التفرقة والعنصرية والطائفية والقبلية والقومية كأساس للتمييز بين الناس، وقد وضعت شروط الكفاءة والاستقامة في تولي شؤون الدولة وتسيير مهام الحكم والسياسية فيها، فضلا عن ممارسة حق النقد والبيعة والنصح والتوجيه ومناقشة سياسة الحكم، وهذا ما أكده الحسين في أهمية طريق الحرية ،وعدم الانسياق وراء الحاكم الظالم مهما كانت الأسباب، وعدم العيش كالعبيد بل دعا إلى أن يكون الناس أحرارا في دنياهم، وقد انطلق بأهدافه هذه معلنا الحرب على الظلمة الذين دأبوا منذ توليهم زمام السلطة السياسية على انتهاك كل ما هو مقدس بموازين العدالة الاجتماعية ،واستهانوا بالقيم الإنسانية قبل الإسلامية، وكان حكمهم من أسوء أنظمة الحكم في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، واعتبار كل ما يجبى من زكاة وخراج وغيره ملكا خاصا للحاكم يتصرف به حسب ما يشاء، ويقوم بإنفاقه على ملذاته من بناء القصور، وشرب الخمور، وإكرام بطانته المقربين منه كأقاربه والموالين له، حتى أصبح العطاء مشروطا بمدى الولاء للحاكم، وحجبها عن المعارضين لحكمه، لهذا أصبحت البلاد الإسلامية تعج بالفقراء والمحرومين من جهة ،وبالولاة القساة والناهبين للثروة بغير حق من جهة أخرى. كانت ثورة الحسين من اجل بسط العدل في الحكم الذي تختاره الأمة، والتأكيد على ضرورة مشاركة الفرد في الحياة السياسية، وعدم ترك المجال للنفعيين للتسلط على رقاب الناس واستغفالهم، واللعب بمقدراتهم والتحكم بمصائرهم، وهذا التأكيد هو نفسه الذي اعتمدته المادة الحادية والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،والتي جاء فيها ( لكل شخص الحق في أن يشترك في حكومة بلده مباشرة، أو عن طريق ممثلين مختارين بحرية ،وله الحق في الدخول بشكل متساوي إلى الخدمة العامة في بلده ،وان تكون إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكومة، وهذه الإرادة سوف يتم التعبير عنها في انتخابات دورية وحقيقية، وتكون بواسطة اقتراع عام ومتساوي، وتجري بواسطة تصويت سري أو إجراءات تصويت حرة نزيهة ومتساوية تشمل الجميع )
واليوم تمر علينا ذكرى ثورة الحسين (ع) فلابد أن نستخلص منها العبر في بناء الدولة العراقية على أسس تكريس الطابع الوطني الديمقراطي لها ، والشروع بإصلاحات اقتصادية تهدف إلى توسيع قاعدة الاقتصاد الإنتاجية، وتغيير بنيته الأحادية وتحديثه، وتأمين توزيع أكثر عدلا للدخل وللثروة، وتنمية الموارد البشرية، والعناية بالفئات الاجتماعية الأكثر تضررا. ومن جانب آخر تقتضي متطلبات إعادة الأعمار توفير الشروط والضوابط المناسبة للاستعانة برؤوس الأموال الخارجية ،واجتذابها كي تسهم في استنهاض الاقتصاد الوطني وتطويره وتحديثه، وضرورة توظيف قدرات الدولة لمعافاة الاقتصاد الوطني وتنميته، والعمل على إقامة علاقات تكاملية بين القطاعين العام والخاص ،وضمان الأمن والاستقرار ،وعودة الحياة الطبيعية في البلاد، وبناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وسائر المؤسسات الأخرى على أسس ديمقراطية ،ووفق قواعد المواطنة والكفاءة والمهنية والنزاهة بعيداً عن نزعة التحزب الضيق والمحاصصة الطائفية ،وعدم إعادة إنتاج النمط السيئ ذاته في إدارة الدولة ،والتي سارت علية خلال خمسة عشر عاما لأنه سيكون عنوانا للفشل المتواصل ،ومزيد من الأزمات وبقاء الأبواب مشرعة على كافة الاحتمالات .

عرض مقالات: