شهران وتحل الذكرى التسعون لصدور اول جريدة شيوعية في العراق، وانطلاق مسيرة الصحافة الشيوعية العراقية.

ففي 31 تموز 1935، بعد سنة وبضعة شهور على تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، صدر العدد الاول لصحيفته الاولى "كفاح الشعب"، حاملا في رأس اولى صفحاته شعار المطرقة والمنجل وعبارة "يا عمال العالم اتحدوا".

وجاء صدور الجريدة وتعاقُب ظهور اعدادها في الاشهر التالية، في اجواء من السرية المطبقة التي كان يفرضها القمع والقهر الملازمان للحكم الملكي الرجعي، ومن التحدي والتصدي اليوميين لمصاعب ومخاطر تلك الاجواء الارهابية. شأنها في ذلك شأن الحزب نفسه، الذي تأسس وواصل العمل سرّا سنة بعد سنة، في ظل الظروف القاسية والملاحقات البوليسية ذاتها.

ورغم نجاح اجهزة القمع الحكومية بين حين وحين في دهم بيوت سرية للحزب ومصادرة مطبعة جريدته، فانه سرعان ما كان يؤمّن المستلزمات البديلة ويستأنف اصدارها بالاسم نفسه او تحت اسم آخر. علما ان تغيير اسمها، وهي الجريدة المركزية للحزب، كان يرتبط غالبا بطبيعة مراحل نضاله الوطني والديمقراطي، وتنوع اولوياته ومهماته الملموسة.

وهكذا نجح الحزب في السنين والعقود اللاحقة، ورغم قسوة ظروف العمل السري، في مواصلة اصدار جريدته المركزية بأسماء مختلفة (بعد كفاح الشعب: الشرارة، القاعدة، اتحاد الشعب، طريق الشعب) مع بعض حالات الاحتجاب الموقتة، الناجمة عن مداهمات الاجهزة القمعية.

وبمرور الزمن وتطور وتنوع الاحوال والظروف السياسية في البلاد في مجرى العقود الماضية، وتوسع تنظيمات الحزب وتنامي احتياجاته، تمكن الحزب من اصدار مطبوعات اخرى الى جانب جريدته المركزية، من صحف ومجلات سياسية وفكرية وثقافية. وقد ظهر عديد منها باللغة الكردية (أبرزها ريكاي كوردستان)، وبعضها حتى باللغة الارمنية. وظهرت مطبوعات اخرى خاصة بمناطق معينة من البلاد (الفرات الاوسط مثلا، الجنوب) وغيرها تخص منتسبي فئات اجتماعية محددة (عمال، فلاحين، طلاب وشباب، معلمين، جنود، سجناء سياسيين وغيرهم).

ولعل مجلة "الثقافة الجديدة" التي احتفلت قبل سنتين بمرور سبعين سنة على صدورها، هي الأبرز بين مطبوعات الحزب الدورية المذكورة، الى جانب جريدته المركزية. فهي الوحيدة التي واصلت الصدور منذ ظهورها الاول سنة 1953 حتى اليوم، رغم ما تعرضت اليه مراتٍ من قمع ومنع، اجبراها على الاحتجاب سنين عديدة احيانا.

هذا الإرث الحافل للصحافة الشيوعية العراقية، تكوّن وكبُر في كثير من جوانبه إبان سني وعقود النشاط السري الاضطراري للحزب، قبل ثورة 14 تموز 1958 وغداة انقلاب شباط 1963 الاسود وبعد الهجوم الدموي الصدامي على الحزب اواخر سبعينات القرن الماضي. وهي في مجموعها تغطي ثلثي المسيرة التسعينية اليوم للحزب ولصحافته كليهما.

وكان ثمن ذلك الانجاز الكبير باهظا، دُفع بدماء وارواح المناضلين الشيوعيين البواسل، بضمنهم الكثير من الصحفيين اللامعين.

هؤلاء الشهداء الخالدون، وسائر من عملوا في صحافتنا الشيوعية وقدموا الكثير الكثير عبر مسيرتها الطويلة المشرّفة، بضمنهم خصوصاً مبدعو "طريق الشعب" ومدرستها في السبعينات، هم من نكرر اعتزازنا وافتخارنا بهم وبإنجازهم اليوم، ونحن نتهيأ لإحياء العيد التسعين للصحافة الشيوعية العراقية آخر تموز المقبل.

وفيما نتهيأ ونهيئ، نفتح صفحات جريدتنا لكل من يرغبون في المساهمة معنا في الكتابة عن المناسبة، وفي استذكار مسيرة صحافتنا المديدة المعمدة بالتضحية والألم وبالإنجاز الباعث على الفرح، وما قدمت لنضال شعبنا في سبيل الحرية والديمقراطية والاستقلال الوطني، وما أمدّت به ساحات الصحافة العراقية والإعلام والثقافة من ثمار كثيرة يانعة متجددة، وغير ذلك وغيره.