تحل اليوم الذكرى ٧٧ لنكبة فلسطين، التي لا ترمز فقط الى انتزاع وطن من أصحابه الشرعيين، واقتلاع شعب بأكمله من جذوره وتشريده، وتحويل غالبيته الساحقة الى لاجئين في بقاع المعمورة، بل وتمثل واحدة من اكبر المآسي الإنسانية والسياسية في التاريخ المعاصر. وما يضاعف هول النكبة استمرار ارتكاب المجازر بحق فلسطين وشعبها حتى اليوم، وكأن الصهاينة لا يتلذذون الا بسفك دماء شعب الجبارين، الصامد والمقاوم.

ان ما ارتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني يشكل وصمة عار في جبين مرتكبيها، وجبين من يسّر لهم ذلك، وقطع لهم الوعود وأغدق عليهم بالدعم غير المحدود، وهرول للتطبيع معهم، فيما الدماء الزكية والارواح المزهقة في ديرياسين واللد وكفر قاسم وغزة وجنين وطولكرم، لما تزل تستصرخ ضمائر العرب والمسلمين، والبشر عامة، ليوقفوا القتل الممنهج والتهجير القسري وفرض الاستيطان وقضم الأرض، وتصحيح الأخطاء التاريخية المرتكبة، والانتصار للعدالة ولحق شعب فلسطين في العيش بامان وسلام.

 تطل الذكرى ٧٧ هذا العام، فيما حرب الإبادة ضد شعب فلسطين في غزة والضفة الغربية تتواصل بوحشية، بدعم امريكا وحلفائها، رغم كل الادعاءات والتدليس المكشوف، والذي تعيه شعوبنا جيدا الا الحكام الذين يمعنون في دفن رؤوسهم في الرمال. انما تبقى الحقائق ساطعة ولن تغطى بغربال.

انها ايام صعبة وتاريخية هذه التي يعيشها الشعب الفلسطيني حاليا، وهو يُجوّع ويشرّد ويذبّح، ويطعن في الظهر مجددا، حيث يقف من بيده القرار متفرجا يردد الكلمات المعروفة اياها منذ عام ١٩٤٨، بل وحتى قبله.

في ذكرى النكبة المشؤومة لا مطلب أهم من الوقف الفوري لحرب الإبادة، والاستجابة لارادة شعب فلسطين وحقه المشروع في دولته الوطنية ذات القرار المستقل، والمقامة على ارض وطنه وعاصمتها القدس، ولا خيار امام شعوبنا العربية وقواها الوطنية الا التصدي لمخططات التطبيع والتهجير وتصفية قضية فلسطين. ومن المؤكد ان الكثير سيعتمد على الشعب الفلسطيني نفسه وعلى خيارات فصائله وقواه الوطنية، ومدى نجاحها في بناء الموقف الموحد والرؤى المشتركة، وتفعيل مقومات الصمود والتحدي، متعددي الأنماط والاشكال.

ان نكبة فلسطين ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل مآساة إنسانية مستمرة قل نظيرها، وجريمة متعددة الابعاد. فكل لاجئ، وكل أسير، وكل شهيد، وكل طفل يموت جوعا وعطشا، يذكّر العالم بان هذا الجرح مفتوح بعد، وان المجرم لم تطله يد العدالة، وان الحق ما زال غائبا.

في ذكرى المآساة، نجدد اعلان الوقوف بجانب شعب فلسطين، ونحيّي صموده ونضاله، ونُكبر تضحياته الجسام واصراره على نيل حقوقه المشروعة. ويقيننا راسخ بانه مهما طال الزمن وادلهمت الآفاق وضاقت الأحوال، فان إرادة الشعوب لا تقهر وهي المنتصرة.