تحلّ في الحادي والثلاثين من آذار الجاري الذكرى الحادية والتسعون لميلاد ربيع الحركة الوطنية، الحزب الشيوعي العراقي. ففي مثل هذا اليوم من عام 1934، اجتمعت مجموعة مقدامة واعية من العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين، رجالا ونساء، عربا وكردا وتركمانا وكلدوسريانا آشوريين، ومن سائر أطياف شعبنا الأخرى، ممن اتسقت أحلامهم مع مبادئ اليسار، ليؤسسوا الحزب ويرفعوا أهدافه مقابس تُذكي جمرة الكفاح، ويحرروا الوطن من الاستغلال والاستعمار والعبودية والتمييز، ويعبّدوا بالدماء الزكيات درب العراقيين نحو غدٍ زاهٍ، وليبقوا جيلاً بعد جيل، أوفياء لما عاهدوا الشعب عليه.

وعلى مدى تسعة عقود تتابعت وحتى يومنا هذا، واصل الحزب النضال لتحقيق شعاره العتيد "وطن حرّ وشعب سعيد"، جامعا بين الأهداف الوطنية العامة، المتمثلة في النضال لتحقيق الاستقلال الكامل وحماية السيادة وتحرير الثروات الوطنية وبناء النظام الديمقراطي وإعلاء قيم المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية، والأهداف الطبقية المتمثلة في التصدي للجور والظلم، والدفاع عن حقوق العمال والشغيلة والحريات الديمقراطية والنقابية، وفي مقدمتها التوزيع العادل للثروة، والتعليم المجاني المتقدم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، وحماية وتعزيز الثقافة الوطنية وضمان تعدديتها، ولانتزاع حقوق المرأة وحماية مكتسباتها وتمكينها من القيام بدورها في الميادين كافة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

واليوم والذكرى تمر، تواجه بلادنا أزماتٍ كبيرة وتحديات جمة، جراء الانسداد الذي انتهت اليه العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية، والتي أفضت إلى تركز السلطات والثروات بيد أقلية (اوليغارشية) مكونة من فئات بيروقراطية وطفيلية وكومبرادورية. فخلال العقدين الماضيين، ترسخ الطابع الريعي للاقتصاد، وتفاقم التفاوت الاجتماعي والطبقي، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة والأمية. كما أدى نهج المحاصصة إلى ضعف الدولة وتراجع هيبتها واستشراء الفساد في مفاصلها، وإلى انتشار السلاح خارج إطار المؤسسات الدستورية والتضييق المتزايد على الحريات.

وقد توصل الحزب مبكرا ومنذ سنوات، إلى أن الأزمة البنيوية للمنظومة السياسية القائمة على المحاصصة، تجعل من التغيير الشامل لإقامة دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية ضرورة وطنية ملحة.  

وتأتي التطورات الدولية وفي الجوار الإقليمي وما احدثته من تغييرات سياسية عميقة وفي موازين القوى، وما تحمل من مخاطر وتداعيات وتحديات، لتؤكد ضرورة احداث انعطاف وتغيير جوهريين، في نهج إدارة البلاد والمنظومة السياسية الحاكمة، المسؤولة عن الفشل في بناء الدولة والمؤسسات، وفي الحفاظ على المال العام وتوظيف موارده في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وقاعدة إنتاجية متنوعة، توفر العيش الكريم لشعبنا وتحول دون ارتهانه لتقلبات الأسواق العالمية وللفواعل السياسية والدولية الخارجية.

لهذا بادر الحزب إلى التوجه نحو جميع القوى السياسية والمجتمعية، وكل الوطنيين والديمقراطيين، للحوار والعمل من اجل بلورة مشروع وطني للتغيير، يجتمع على أساسه وحوله أوسع طيف سياسي واجتماعي، ويمهد لعقد مؤتمر وطني واسع يتم الإعلان فيه عن المشروع، وليعبر المشاركون فيه عن إرادتهم الوطنية الموحدة، وعن عزمهم على العمل سوية من أجل تحقيق التغيير المنشود بالوسائل السلمية والديمقراطية.

وفي هذه المناسبة الوطنية يعبر الحزب عن ثقته بقدرات شعبنا النضالية والثورية الكامنة، ويدعو الساخطين والرافضين والمتضررين من منظومة المحاصصة المأزومة ونهجها الفاشل، إلى نبذ السلبية وتصعيد الكفاح الجماهيري السلمي وتنميته، وإلى تخلي الأغلبية عن صمتها والمشاركة بنحو واسع في الانتخابات التشريعية والمحلية، والعمل على تفعيلها لتغيير موازين القوى، ولكي تكون أداة من أدوات الخلاص، وإحدى روافع التغيير والتصويت للعاملين من اجل مشروع التغيير الشامل، واسناده بأشكال نضالية متعددة. وارتباطا بذلك لابد من الحصول على بطاقة الناخب وتحديث السجل الانتخابي، ومواصلة العمل لضمان وجود منظومة انتخابية عادلة، وتوفير مستلزمات اجراء انتخابات حرة وعادلة ومتكافئة للجميع.

وإذ يستذكر حزبنا في هذه المناسبة قوافل الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل الشعب والوطن، وصانوا راية الحزب ورفعوها خفاقة في سماء العراق، فانه مفعم بالثقة التي لا تتزعزع بعزيمة رفيقاته ورفاقه، وبقدرتهم على مواصلة النضال وبذل كل الجهود، لتحقيق احلام العراقيين في العدل والتقدم والعيش الكريم.

واليوم أيضا وإذ يستقبل حزبنا عقده العاشر، ندرك جيدا أن الوفاء لإرثه النضالي الوطني والديمقراطي والطبقي المجيد، وتنميته وإغناءه في الظروف التاريخية الراهنة، بكل ما تحمله من إمكانات وفرص وتحديات، يتطلب مواصلة التجديد في عمل الحزب وأساليب عمله وفكره وخطابه، وفي الانفتاح على مختلف أوساط شعبنا وفئاته وشرائحه، خصوصا تلك المكتوية بنار الأزمات وتعاني من شظف العيش، وعامة شغيلة اليد والفكر منتجي الثروات والخيرات المادية وصانعي الثقافة وملهمي الابداع، ليبقى مدافعا صلبا عن مطالبهم وحقوقهم، وليعمل معهم على إنهاء ظلام منظومة المحاصصة والفساد، وبزوغ فجر عراق جديد، ديمقراطي اتحادي مزدهر.

مجدا وخلودا لشهداء الحزب والشعب

سلاماً للحزب في عيده المجيد

وعهداُ ان تظل سنديانته باسقة على الدوام

 اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي العراقي

بغداد آذار 2025