أجرت هيئة تحرير "طريق الشعب" لقاءً مع الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وكانت حصيلته في الآتي:
طريق الشعب:
كل الترحيب بالرفيق رائد فهمي، في هذا اللقاء الذي تجريه هيئة تحرير " طريق الشعب"، وتسلط فيه الضوء على الانتخابات القادمة موقف الحزب منها. فكما هو معروف قاطع الحزب انتخابات مجلس النواب عام 2021 وعاد للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات. والآن يدعو الحزب إلى مشاركة فاعلة وناشطة في انتخابات مجلس النواب القادمة سواء أجريت مبكرا أم في وقتها المحدد والذي يفترض أن يكون في تشرين الأول 2025، نتمنى أن يتم تسليط الضوء على دوافع وأسباب المشاركة والمقاطعة؟
في البلد أزمة بنيوية
رائد فهمي:
شكرا أولا لإتاحة هذه الفرصة وأتقدم بالشكر لكادر "طريق الشعب" ولجميع المتابعين لهذه الصحيفة. في البدء يجب أن نشير إلى أن هذه الانتخابات تأتي على خلفية أوضاع بالغة الخطورة تشهدها المنطقة، وحتى بالنسبة للعراق أيضا هناك تحديات جسيمة. فالبلد يعيش مسلسل أزمات ونحن نشخصها كأزمات بنيوية، أزمات في بنية النظام السياسي والتي تلقي بظلالها على أوضاع الناس المعيشية. واليوم نلاحظ أنه في مختلف الميادين هناك صعوبات متزايدة للمواطنين وهناك مستلزمات أساسية أصبحت غير متاحة إلا لمن يمتلك القدرة الشرائية. وفي هذا الإطار نشير إلى موقفنا من موضوعة الانتخابات بشكل عام، فنحن نرى أن تشكيل وإقامة دولة مدنية ديمقراطية هو خيار إستراتيجي بغض النظر عن التطورات والأوضاع الآتية التي قد تخلق انعطافات وتعقيدات معينة، ولكن الوجهة العامة لعمل الحزب هي من أجل أن يسير العراق في اتجاه إقامة دولة مدنية ديمقراطية متكاملة الأركان، ونقصد بذلك أن الديمقراطية لا تختزل بالانتخابات، فالديمقراطية لها مرتكزات اجتماعية ومرتكزات مؤسسية وقيمية وثقافية، وإذا قسنا الواقع الديمقراطي في العراق الآن وفق هذا المنظور فإن هناك بالتأكيد نقص كبير، حيث لدينا الآن عملية ديمقراطية محدودة وقاصرة، والجزء المتوفر منها يعاني من مشاكل ومن ضمنها موضوعة الانتخابات.
الديمقراطية لا تقتصر على الانتخابات
الانتخابات أحد أركان الديمقراطية، والأركان الأخرى تتعلق ببناء المؤسسات، وإقامة دولة قانون قادرة على أن تنفذ القانون ويكون القانون عادلا بشكل عام، وهناك إمكانية فعلية لحصر السلاح بيد الدولة، وان يكون الشخص المناسب في المكان المناسب وفيق آليات تعتمد معايير المواطنة وليس أية معايير أخرى، كل هذه هي من أركان الديمقراطية بالإضافة إلى مبدأ الحريات واحترامها، بجانبها السياسي وأيضا بجانبها الاجتماعي. وهذه الأركان لا تزال موضع صراع، من ناحيتنا نرى أنه من أجل أن تكون العملية الانتخابية فعالة، ووسيلة من وسائل المشاركة الجماهيرية، وأن تكون أحد عناصر الاستقرار المجتمعي، يجب ان تتوفر فيها شروط معينة. من المفترض أن العملية الانتخابية تعكس آراء الناس وتعكس المزاج الشعبي وتكون وسيلة حقيقية لتعزيز مشروعية ما سينبثق عنها من مؤسسات تشريعية ولاحقا مؤسسات تنفيذية. وهذا يقودنا إلى الحديث عن المنظومة الانتخابية حيث الحالية فيها خلل كبير. وأريد أن أشير أنه خلال السنوات الأخيرة نتيجة للقصور والخلل الكبير في المنظومة الانتخابية، وان الكثير من الحاجات الأساسية للمواطنين لم تلب واستخدام المال السياسي وقضية السلاح المنفلت، أدت إلى خلق فجوة كبيرة بين المواطنين وبين مؤسسات الدولة، وأن عملية فقدان الثقة جسيمة. إن هناك جمهورا كبيرا الآن بدأ يشعر أن العملية الانتخابية لا تشكل أداة فاعلة لتداول السلطة وهذه خطورة كبيرة. حصل ذلك نتيجة المصالح الضيقة للمنظومة الحاكمة وركضها للحفاظ على مصالحها وإعادة انتاجها واستخدام وسائل لا تنسجم مع الديمقراطية، وهي لا تدرك خطورة هذه الوجهة وهذا الأمر سيفتح بابا آخر لجملة من الأحداث التي تهدد أمن البلاد والسلم المجتمعي، ولا يمكن إلقاء اللوم إلا على من يتشبث في الانكفاء على مصالحه.
نعمل على استكمال عناصر منظومة الانتخابات
بالنسبة لنا كحزب شيوعي في إطار هذا الخيار الاستراتيجي الذي ذكرته، وفي إطار ادراكنا لهذه المخاطر والاحتمالات المختلفة، فنحن نخوض الصراع على عدة مستويات؛ الصراع الأول نعمل من أجل استكمال كل العناصر الديمقراطية التي أشرنا لها، وفيما يتعلق بالانتخابات بالذات، نعمل من أجل استكمال عناصر العملية الديمقراطية والمنظومة، ونقصد بالمنظومة، قانون الانتخابات والمفوضية والأجهزة المناطة بها ونقصد بها الآليات أيضا، كذلك نقصد البيئة التي تحيط بالعملية الانتخابية. نحن شخصنا أن هناك عناصر كثيرة تضعف وتسيء إلى عدالة الانتخابات ومنها كانت قضية المنظومة الانتخابية باعتماد المحاصصة والمصالح الفئوية، وتفشي الفساد والمال السياسي ووجود السلاح أيضا كعنصر مؤثر على القرارات. كل هذه الأمور تبقى قائمة ويتوجب العمل لأجل استكمال عدالة هذه الانتخابات، ونرى أن هذه أهدافا نضالية. وكما في تجارب العالم لا تأتي ولا تستكمل العملية الديمقراطية من قبل المنظومة الحاكمة وتقدمها كمنحة لأن أي منظومة حاكمة تنطلق من مصالحها، وإذا سنت قوانين انتخابية فستكون لمصالحها، هذا هو منطق المصالح، ولكن الضغط الشعبي والأزمات التي تحصل والتي يتسبب بهذا هذا النهج هو من يقود إلى تصويب هذه العملية، لذلك الآن الكثير من هذه الأمور لا تزال غير مكتملة، لدينا ملاحظات على قانون الانتخابات، وسانت ليغو بالنسب المعتمدة يميل إلى الكتل الكبرى، والمفوضية رغم التغيير الذي حصل في قياداتها ولكن بناءها في المحافظات لا يزال يخضع إلى تأثير الأحزاب الحاكمة، وأيضا المال السياسي فرغم وجود سقف يحدد المال السياسي ولكن لا يتم الالتزام به . وكذلك قانون الأحزاب على أهميته لا يزال غير مطبق، وبالتأكيد هناك أحزاب وقوى تمتلك أذرعا مسلحة تخوض الانتخابات، كل هذه الأمور موجودة وهذه عوامل نبقى نناضل من أجل تغييرها، ولكن نقول إن هذا ليس مبررا لعدم خوض الانتخابات لسبب منطقي بسيط وهو من سيعمل على توفير الشروط الأسلم للعملية الانتخابية؟ وهذا الأمر لا يأتي كمنحة وانما كعملية صراع وهذا الصراع يخاض بعدة اشكال، نحن نخوضه من خلال العملية الانتخابية، ونخوضه أيضا خارج الانتخابات. وهذا يقودنا إلى المبدأ الآخر كشيوعيين، نحن لا نخلق إطلاقا تعارضا وتناقضا ما بين الانتخابات والعمل البرلماني وما بين العمل الشعبي والجماهيري بما فيه الاحتجاج، لا بل نذهب أكثر من ذلك ونقول إذا لم يتم هذا الترابط ما بين الشكلين من أشكال العمل والكفاح والنضال، فمن الصعب ان تتحقق الأهداف التي ذكرناها، على صعيد البناء الديمقراطي او حتى على الصعيد الاجتماعي. نحن أيضا لا نعتقد أن الانتخابات لوحدها، خاصة في ظل موازين القوى القائمة، قادرة على إحداث التغيير المنشود ما لم تكون مدعومة من قبل نضال شعبي.
موقفنا إيجابي من الانتخابات
الآن نتحدث عن موقفنا من الانتخابات، نحن لدينا موقف إيجابي من العملية الانتخابية، أما خوض انتخابات معينة في ظرف سياسي معين فهذا يخضع إضافة إلى الموقف المبدئي إلى الظروف السياسية الملموسة. ففي ظرف معين عندما يكون هناك حراك جماهيري كبير وأزمات مشتدة في البلد، وهناك مطالبات بإصلاحات عميقة وجمهور كبير داخل ساحة الفعل السياسي، في ظروف كهذه تأتي عملية الانتخابات أحيانا كوسيلة لإجهاض هذه الحراك أو الالتفاف عليه أو لتهدئته. وعندما لا نشارك وهذا ما فعلناه في 2021 حيث كانت الانتخابات المبكرة مطلب الانتفاضة لكن جرى تسويف الأمر لمدة سنة ونصف، وثم جرى استهداف الكثير من النشطاء وقادة الانتفاضة لأجل منعهم عمليا من أن يخوضوا الانتخابات، وجملة من الإجراءات التي ولدت شعورا بأن هذه الانتخابات يراد منها الالتفاف على مطالب الانتفاضة، لذلك عندما قاطعنا ومن قبلها أيضا انسحبنا من مجلس النواب ومجالس المحافظات، ليس رفضا للعملية الانتخابية ولكنه رفض للمشاركة في عملية انتخابية لأن في هذا السياق كان يراد للانتخابات ان تضعف وتلتف على مطالب جماهيرية، وهناك جماهير في الشارع وقدمت شهداء من أجل هذا الأمر.
قرارنا المشاركة في الانتخابات القادمة
والآن عندما نأتي للانتخابات القادمة التي ستحدث في عام 2025، نحن أيضا قرارنا في المشاركة جاء بعد قراءة للوضع، فأولا نعتقد اليوم أن الأزمات موجودة رغم أن هناك حكومة تدعو إلى الإصلاحات وإلى تأمين الخدمات ولكن نحن أدركنا بأن أي حكومة بغض النظر عن شخوصها وطالما هي متمسكة بنهج المحاصصة وتقاسم السلطة ومبنية على هذا النهج وعلى أحكامه واشتراطاته فهي موضوعيا مهما كان الجهد الذي يبذل ومهما كانت نوعية الشخوص، هي غير قادرة على مواجهة الأزمات الكبرى التي نعتبرها بنيوية، وإذا لم يتم التصدي لعناصر الأزمة في بنية الحكومة مثل كيفية اختيار المسؤولين، وكيفية بناء الدولة، وضمان موقف موحد للدولة، وتأمين مقومات سيادة الدولة سواء بحصر السلاح أو بتوحيد السياسة الخارجية، فإن الدولة تبقى ميدانا للمنافسة وللصراع، وهذا ما نواجهه اليوم. على سبيل المثال فإن مجالس المحافظات، كما نراها، غير فاعلة بسبب الصراعات بين الأحزاب المتنفذة، هذا الأمر بنيوي لا يتعلق بالإرادة الشخصية. والآن موضوعة إحداث التغيير ضرورية جدا، وينظر إلى المشاركة في الانتخابات كجزء من هذا الصراع، وجزء من هذه المواجهة والتصدي لسياسات المحاصصة ومرتكزاتها الفكرية التي تقوم عليها، إضافة إلى الأولويات التي تعبر عن حاجة الناس. أما بالنسبة للحراك الشعبي فهل هناك حراك شعبي حاليا موجود في الشارع وفاعل ويتبنى مطالب تتعدى هذه الأمور اليومية والحياتية ويخوض الصراع من أجل التغيير؟ من خلال قراءتنا نرى أن هناك حراكا احتجاجيا وبالأساس مطلبيا في الوقت الحاضر وهناك حالة من العزوف وقسم منها مقاطعة، وحالة العزوف هذه ناجمة عن نوع من الإحباط وعدم الثقة بمؤسسات الدولة، ولكن هذا العزوف لم يطرح شيئا آخر إيجابيا فاعلا متقدما من أجل أن يتم على أساسه اتخاذ توجه آخر في الانتخابات.
نخوض الانتخابات على أساس مشروعنا المدني الديمقراطي
لذلك نقول، عندما ننظر إلى العملية الانتخابية فننظر إليها ضمن منظومة مواجهة الوضع بالنسبة لنا كحزب، أو إذا تبلور تحالف معين في المستقبل. نحن نريد أن نخوض الانتخابات على أساس مشروع وليس لأجل مكاسب ضيقة، وهذا المشروع يهدف إلى تقديم حلول ومعالجات لمختلف الأزمات، والانتخابات هي ساحة فعل سياسي، هي أهم لحظة سياسية في أي بلد حيث تكون فيها جميع فئات الناس مهتمة بالشأن السياسي سواء تشارك أو لا تشارك. ومن غير الطبيعي أن لا نتعامل مع هذا الأمر ونتعامل إما بالمشاركة او بعدم المشاركة.
نحن اليوم نرى أن المشاركة هي الأسلوب الأكثر فعالية، وأيضا نعمل من أجل تقديم صيغ تحالفية ومشروع وشخوص تتوفر فيهم عناصر الثقة والنزاهة، وعناصر التلبية والاستجابة لحاجات الناس الرئيسية، وبالتالي نقدم عرضا سياسيا ومشروعا سياسيا وقوائم سياسية تلبي متطلبات تقديم مشروع آخر ورؤية بديلة. هذه الرؤية ليست معزولة عن النضال الجماهيري وليست بديلا للنضال الجماهيري ولن تكون بديلا بغض النظر عن النتائج، ولذلك نحن ننظر إلى هذه المعركة كجزء من عملية الصراع، ومن أجل أولا أن يبقى الصراع بالطابع المدني السلمي، وتجنبا لأن تأخذ الأمور مسارات أخرى ربما تكون أكثر خطورة عندما تغلق كليا آفاق التغييرات السلمية، وتغلق كليا آفاق إمكانية أن تتقدم العملية بشيء، ولذلك نشدد على مسؤولية تأمين شروط الانتخابات الحرة النزيهة العادلة، ونقصد بالشروط المستلزمات، ونؤكد اليوم أن على المفوضية والدولة بأجهزتها المختلفة أن تؤمن احترام قانون الأحزاب السياسية، وان تكون مفوضية الانتخابات مفوضية مستقلة حقا، وأن تطبق التعليمات التي تصدرها بنفسها بخصوص سقف للمال السياسي، وأن تؤمن اشتراطات عدم استغلال الدولة ومناصبها لأغراض حزبية ضيقة، وأيضا تؤمن بيئة مناسبة للمواطن الذي يذهب للانتخابات دون أن يتعرض إلى تهديد مباشر أو غير مباشر من جهات معينة، وهذا يأتي من خلال رسائل قوية من قبل الدولة. اليوم الدولة والحكومة ومؤسساتها لأجل أن تكسر حالة العزوف عليها أن تعيد للمواطن وللناخب الثقة بالعملية الانتخابية، ونحن نعتبر هذا تحديا كبيرا ومتطلعين للتغيير.
نعتقد أن المشاركة ضرورية وبنظرة شاملة للعملية الانتخابية وارتباطاتها بالأشكال الأخرى مثل العمل الجماهيري وعملية استكمال البناء الديمقراطي، لذلك يجب أن نحث على المشاركة الفاعلة، وهذا لا يعني إضفاء الشرعية او القبول بهذه المنظومة الحاكمة. المعارضة ومواجهة هذه المنظومة، المشاركة بالعملية الانتخابية لا تعني بأي شكل من الاشكال أن تنخرط بهذه المنظومة بقدر ما تستفيد وتعمل من أجل أن يكون النضال في المؤسسات القائمة ساحة أخرى من ساحات الصراع.
طريق الشعب: هناك سبب آخر يقوله الرافضون للمشاركة في الانتخابات هو أنهم لا يتوقعون أن تكون هنالك جدوى إيجابية أو فعل إيجابي أو يتحقق شيء للمواطن العراقي في ظل هيمنة القوى المتنفذة، ووجود سلاح منفلت، ومال سياسي، ولا يتوقعون حدوث شيء، وأن النتائج محسومة مسبقا، فعلام الذهاب إلى الانتخابات، وهذا يذكر ولكن من دون تقديم خطة بديلة، فكيف تعلقون؟
المنظومة الحاكمة غير معنية بالعزوف
رائد فهمي:
نعم هناك هيمنة ومال سياسي، ولكن ليس دائما يستطيع هؤلاء تحقيق ما يريدون بأريحية، أولا هناك صراعات داخلية بينهم، ثانيا هم يتحركون مع وجود فشل في كسب ثقة الناس. أما نسبة الـ ٨٠ في المائة الذين لا يشاركون فهو تعبير عن عدم ثقتهم بالمؤسسة والمتحكمين فيها، اذن إمكانية أن تحدث اختراقات، أن تكون هناك خلخلة في الواقع السياسي هو أمر ممكن. نعم هناك انقسامات داخلية وصراعات وجزء من هذه الصراعات بسبب النفوذ والسيطرة، ولكن أيضا هي انعكاسات للضغط الشعبي وانعكاسات لحالة الفشل وأيضا انعكاسات للوضع الإقليمي والخارجي، والعامل الخارجي أيضا يلعب دورا كعنصر ضاغط. في ظل هذه الظروف نحن نرى ما هي الأشكال التي يستخدمها المتطلعون للتغيير والمتطلعون لإحداث إصلاحات عميقة. نعتقد أن هناك إمكانية، وإذا نظرنا إلى انتخابات 2021 ورغم العزوف الكبير لكن أيضا فاز عدد غير قليل من النواب وهم ليسوا ضمن أولويات المنظومة الحاكمة، لذلك نحن نقول إن من الخطأ ان نسلم مقدما بأن هذا الضغط لا يغير شيئا، والخطأ الآخر أن نبالغ فيما يمكن أن نحققه.
عدم المشاركة والعزوف لم يقابلا بفعل سياسي وجماهيري بديل ضاغط، بل العكس كان هنالك عزوف والناس جلست في بيوتها، وهذا الأمر كان يلبي حاجات المنظومة الحاكمة فهم لا يريدون ان تتوسع المشاركة، هم لديهم نسبة الـ ٢٠ في المائة والتي تتكون من أجهزتهم وزبائنهم وهذا يؤمن الأغلبية لهم، وبعزوفنا نشجع إعادة تكرار هذا الأمر، وعندما لا يتم خوض نضال آخر، ولا تقديم بديل آخر، فهذا يسهم في تكريس المنظومة الحاكمة. وهذا الفرق عن عام 2021، فحينها كانت لا تزال الحركة الاحتجاجية بمضمونها السياسي قائمة وهي يمكن ان تنطلق غدا أيضا. ومن قال إن الانتخابات تمنع أن تكون هناك عملية احتجاج سلمي؟ بالعكس قد تكون رافعة لذلك الاحتجاج، والاحتجاج قد يكون رافعة للعمل الانتخابي في ظل هذه الموازنات. إذن نقول إن الحديث مقدما بأن الأمور مسلم بها ويتم غلق كل إمكانيات التغيير، هذا أمر يعبر عن عدم ثقة بقوة الناس وقوة الشعب وقوة الاحتجاج. ونعتقد أن هذا نوعا من أنواع الإحباط، ولكن في الحقيقة قوة الشعب هائلة ولا تزال كامنة، ٨٠ في المائة لم يشاركوا في الانتخابات، معنى ذلك أن هؤلاء لم ينصاعوا ولم يستجيبوا للإغراءات التي تقدمها القوى الحاكمة.
طريق الشعب: هل هناك تصور بأن هذه النسبة من المقاطعين بتركيبتها ثابتة ام متغيرة؟ بمعنى تركيبتها وشخوصها؟
العملية الانتخابية ميدان صراع
رائد فهمي:
أسباب العزوف مختلفة وليس الجميع يريد نفس المشروع، لكن نقول إن أصحاب مشروع التغيير او المتطلعين للتغيير نحو دولة المواطنة ودولة العدالة الاجتماعية نسبة غير قليلة، من العازفين هم جمهورهم، وهذه النسبة ربما نحن لا نختلف معها ولكن نختلف بطريقة التعامل بهذه الأمور. وذكرنا أن هناك ملاحظات على المنظومة الانتخابية لكن هل يمنع ذلك من اعتبار العملية الانتخابية ميدانا من ميادين الصراع والتواصل مع الناس وللتوعية، وميدانا لشحذ الهمم ومن أجل كشف وتعرية المنظومة، ومن هم المتسببون في أوضاع الناس، فلا تتصور أن جميع الناس يعرفون من هو السبب، ممكن النخب وغيرهم يعرفون لكن هناك جمهور آخر يعيش حياته اليومية ولا يعرف من هو بالضبط السبب الرئيسي لمعاناته. والعملية الانتخابية فرصة كبيرة، ولذلك نقول إن المبدأ العام هو المشاركة في الانتخابات، أما النتائج فلا يوجد شيء مضمون، لا توجد انتخابات مضمونة، لكن يفترض العمل من أجل تحقيق الهدف في التمثيل الانتخابي، ومن يريد التغيير، ولكن يقول إنه لن يساهم بهذا التغيير إلا إذا توفرت شروطه فعمليا هو يلغي هدفه في التغيير، لأنه هنا لا يساهم في عملية الصراع في ميدان مهم لتبديل موازين القوى، وعندما تسقط العملية الانتخابية من الحساب بدون وجود بديل، فهنا على ماذا المراهنة وكيف نجد التغيير؟ التغيير السلمي يحدث إما عن طريق الانتخابات او عن طريق العمليات الاحتجاجية وعندما تكون هناك عمليات احتجاج واسعة هنا تطرح قضية المشاركة، إذا كانت تفيد او لا تفيد على جدول العمل، ثانيا إذا رفضنا جميعا العملية الانتخابية ولم نفعل شيئا سنفسح المجال لمشاريع أخرى، والتي قد تكون ليست ديمقراطية، ولا تكون سلمية وهنا ستغلق الآفاق ويكون هناك إحباط.
نحث ونشجع على المشاركة الواسعة
نريد أن نشير إلى نقطة أخرى، الآن في ضوء الكثير من الأزمات الحالية في العالم، نلاحظ أن الاتجاهات اليمينية المتطرفة تكبر، وفي تحليل أخير لكثير من المنظرين أنه خلال الـ 15 سنة الأخيرة في الكثير من البلدان، فإن الديمقراطية تراجعت وجزء كبير منها أن الناس يأسوا من العملية الانتخابية وبدأوا يراهنون على الوسائل التسلطية. وفي العراق هذه الأجواء المحيطة بالعملية الانتخابية ستؤدي إلى ظهور الأفكار الأخرى، وبالتالي ستكون هناك خطورة إستراتيجية، وكل البناء سيكون في خطر، والمنظومة الحاكمة منكفئة على مصالحها وتخوض صراعا سياسيا ليس له علاقة بهموم الناس، وبالتالي الناس لم تعد تعنيهم التصريحات السياسية بشيء لأنها لا تعكس همومهم الحقيقية، لذلك نقول إن نتائج مشاركتنا في الانتخابات مرتبطة بالمشاركة، الآن المطلوب من جميع المواطنين ان تكون لديهم البطاقة البايومترية لأن بدون وجود البطاقة فالمواطن غير موجود انتخابيا سواء قاطع او لم يقاطع، ليس له حضور وغير موجود، حتى وان كان يريد أن يقاطع فيجب ان يكون له حق الانتخاب من خلال حصوله على البطاقة، لذلك كل مواطن وناخب ينبغي أن يعمل من أجل الحصول على البطاقة البايومترية، وفي هذا الأمر نلاحظ أن في الانتخابات السابقة لم تقم الحكومة أو المفوضية بحملة من أجل تشجيع الناخب للتسجيل والحصول على البطاقة البايومترية لأن المنظومة الحاكمة غير راغبة بأن تتسع دائرة المشاركة، ونسبة ٢٠ في المائة كافية بالنسبة لهم، ولا يوجد لدينا حد أدنى للفوز، اذن علينا ان نعتبر هذا تحديا.
طريق الشعب: نتحدث عن إمكانية التحالفات، هل هنالك شيء متبلور أم مازالت الأمور في إطار المساعي والمسارات للبحث عن تحالفات ممكنة؟
منفتحون على القوى السياسية والمجتمعية
رائد فهمي:
نلاحظ أن التركيبة السياسية لكل محافظة لها وضعية معينة، لكن الجوهر المشترك هو أننا نسعى لإيجاد تحالفات تنسجم مع المشروع المدني الديمقراطي، وبالتأكيد نريد أن نجمع كل القوى المعنية بهذا الشأن وشكل تجميع القوى من ناحية اجتماعية ومن ناحية سياسية، والقوى السياسية المتبلورة غير موجودة بنفس الدرجة في كل المحافظات. نحن نسعى لتوحيد هذه القوى، حاولنا سابقا ونحاول الآن وكانت لدينا عدة تحالفات في الفترات السابقة منها التحالف المدني الديمقراطي وتحالف قيم، لكن في عدد من المحافظات فيها اصطفاف للقوى بشكل آخر، ربما في بعض المحافظات تكون المشاركة في الانتخابات بشكل منفرد ويكون هو شكل من أشكال التحالف. إذن المشروع السياسي هو مشروع الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والنواة الصلبة الحاملة لهذا المشروع هي الأساس. بالتأكيد في البلد هناك خطورة كبيرة ولاحظنا في الفترة الأخيرة أن هنالك زحفا على الحريات وقضما لها، وهذا أمر خطير جدا، وهنالك أيضا محاولات لإنعاش موضوع الطائفية وتكريسها مؤسسيا، وظهر ذلك أيضا من خلال التشريعات المطروحة منها التشريعات التي تحتوي على تضييق للحريات والتشريعات التي تؤدي عمليا إلى الطائفية، بالتالي بالإضافة إلى مشروعنا المدني الديمقراطي قد تنطرح أيضا قضايا أخرى أوسع والتي قد تثير قلق ومخاوف أوساط اجتماعية قد لا تلتقي كليا مع المشروع المدني الديمقراطي لكنها تلتقي في الحريات او في موضوع الطائفية او قضايا وطنية عامة، وبالتالي نحن لا نستبعد ولا نلغي إمكانية ان يكون هنالك تحالف في داخل تحالف، التحالف الرئيسي هو التحالف المتبني كليا لمشروع مدني ديمقراطي بكل مفرداته، وبعد ذلك في مجرى العملية الانتخابية في هذه المحافظة او تلك ممكن ان تنفتح إمكانيات لتحالفات أخرى، لكن الأمور ما زالت مفتوحة ونحن ننظر لها في إطار هدفنا السياسي، نحن نذهب إلى انتخابات مشاريع وليس للكسب وهنالك فرق كبير.
أزمات البلد أعمق بكثير من تبليط شارع
الآن هناك المنظومة الحاكمة والقوى المتنفذة تحاول ان تختزل الانتخابات إلى مكاسب ضيقة مثل تبليط شارع أو محولة كهرباء أو وعود بتعيينات، والبعض بدأ من الآن بها، لكن هذه انتخابات تشريعية تتعلق بمشاكل تهم البلد. اليوم هناك أزمات حقيقية منها الكهرباء والفساد لا يزال مستشريا، وأصبح موضوع تدهور البيئة خطيرا، وكذلك موضوع الحريات في الواجهة والتعليم يتدهور بشكل خطير، والصحة أيضا أصبحت سلعة، والتعليم أصبح سلعة وبدأت تتحكم به قوانين السوق وليس مصلحة المواطن، واليوم أصبح التعليم المناسب حكرا إلى حد كبير على من يمتلك المال، أما التعليم الحكومي وهو الأساسي للأسف يتدهور ما عدا جزء منه الذي لا يزال جيدا بفضل ربما كوادرنا التعليمية الذين يقاتلون في ظروف صعبة من أجل تأمين تعليم جيد، لكن بشكل عام هناك انحسار، قلة أبنية مدرسية والبرامج غير مناسبة مع المستوى التعليمي ومشاكل كبيرة وكثيرة أخرى . أما من جهة أخرى فنتحدث عن سيادة البلد، اليوم البلد مفتوح للتدخلات الخارجية، العراقيون الآن لا يمتلكون زمام مصيرهم، الكثير من الأمور المتعلقة بأساسيات البلد مرهونة بعوامل خارجية، لأجل أن يستعيد العراق قدرته في تأمين سيادته والحفاظ على سيادته، هذا لا يأتي إلا من خلال إرادة وطنية قوية، وهذه الإرادة الوطنية يصعب تحقيقها عندما ينتعش التعصب الطائفي والتعصب الديني والإثني. نحن نحترم كل هذه العناوين ونحترم كل هذه الهويات ولكن هنالك شيئا اسمه مصلحة وطنية وهوية وطنية والتحديات التي تواجه البلد هي تحديات ذات طابع وطني، وقضايا الحرب والسلام هي قضايا تهم البلد بأكمله ولا يمكن ان تستحوذ عليها وان تقررها جهة ما إذا لم تكن جهة وطنية عامة، لذلك هذه القضايا الكبرى ينبغي ان تكون هي محور برامج الانتخابات والتي عليها أن تجد حلولا لمشاكل البلد الكبرى.
طريق الشعب: هل من كلمة أخيرة وخصوصا إلى رفاقنا ومنظماتنا وأصدقائنا وجماهيرنا؟
على رفاقنا الشيوعيين المشاركة بهمة وفاعلية
رائد فهمي:
نعم، ونحن نتوجه إلى هذه الانتخابات نقول إنها معركة سياسية لا تخص الشيوعيين فقط إنما تخص البلد بأكمله. نحن نعتقد أن على الشيوعيين الآن بما أننا اتخذنا هذه الوجهة فعليهم أن يتصدوا لها بكل طاقاتهم وتأمين مستلزمات خوضها، بالتأكيد الشيوعيون وأصدقاؤهم ينبغي أن يعملوا لأجل استكمال شروط قضية البطاقة البايومترية، وان ينسجوا ويطوروا علاقاتهم بكل محيطهم ويحثوا الناس على عملية المشاركة بهذا المشروع مع تبيان رؤية أسباب المشاركة. ونحن أيضا نعمل على صعيد كل محافظة لأن نكون قوة جامعة لكل من يشاركنا الرأي والتصور في كيفية إخراج البلاد من أزماته، وأن نروج لمشروعنا المدني الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، وأمامنا أيضا تعبئة الشيوعيين كي يخوضوا غمار هذه المعركة السياسية والحدث المهم في حياة البلد ككل، وأن يعملوا أيضا بهذا الاتجاه لأجل ان يستوعبوا مشروعنا ورؤيتنا. الاتصال المباشر بالناس هو الوسيلة الأنجع، فنحن لا نمتلك امكانيات الدعاية والمال السياسي كالآخرين، ونحن لا نكسب الناس بهذا الأمر وإنما نكسب الناس بتأكيدنا بأننا إلى جانبهم وندافع عنهم ونشاركهم في العمل من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة وتحسين ظروف حياتهم وتحسين مداخيلهم ومعالجة مشاكل البطالة والأمية وتوفير العناية الصحية ومعالجة ازمة السكن ومشكلة العشوائيات، هذه هي القضايا الكبرى التي نعتقد أن الانتخابات وكل الصراع ينبغي ان يتمحور حولها، وكيف نوجد أفضل الحلول لأجل الارتقاء بمؤسساتنا وبخدماتنا للناس، والشيوعيون ينبغي ان يكونوا في قلب هذه العملية.