شهدت السنتان الاخيرتان ارتفاعا في معدلات التضخم على المستوى العالمي، وذلك بفعل التأثيرات والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية التراكمية لجائحة كورونا وللحرب الروسية- الاوكرانية، وبشكل خاص انعكاساتها على أسعار الحبوب والمواد الغذائية، وعلى اسعار الطاقة. وقد تفاقمت الضغوط التضخمية بارتفاع هوامش الربح في الأسواق العالمية من قبل الشركات الاحتكارية للأغذية والطاقة والمضاربات المالية في الاسواق العالمية.
وكانت العوامل الخارجية أحد اسباب ارتفاع اسعار المواد الغذائية بصورة حادة في العراق، ولكن السبب الاهم كان انخفاض سعر صرف الدينار مقابل الدولار بنسبة زادت على العشرين في المائة.
وفي بلد يكاد يعتمد كليا على الاستيراد في تأمين معظم احتياجاته من السلع الاستهلاكية والمعمرة والانتاجية، بما في ذلك الغذائية الاساسية، يترتب على الانخفاض في سعر صرف الدينار ارتفاعا بأسعار المواد المستوردة بنسبة اكبر بسبب رفع التجار لهوامش ربحهم متذرعين بعنصر اللايقين وغيره من المبررات.
ويؤدي تضخم الاسعار، وأسعار الغذاء على وجه الخصوص، الى فقدان الاسر للقدرة الشرائية، خاصة عندما لاترتفع دخولهم بالسرعة والنسبة التي ترتفع بها الاسعار، ما يعني انخفاض دخولهم واجورهم الحقيقية، مما يلحق اضرارا وصعوبات بالغة بالأسر والمواطن، وبذوي الدخل المحدود والمنخفض في المقام الاول.
وعلى الدولة والحكومة ان يعيا جيدا العلاقة بين التضخم في الاسعار وتعمق الفوارق في الدخل وتدهور الأوضاع المعيشية للفئات الشعبية وتفشي الفقر.
فللتذكير نشير الى ان القدرة الشرائية للرواتب والاجور تعني كمية السلع والخدمات التي يتم اقتناؤها وشراؤها بالراتب او الاجور، واذا ما ارتفعت اسعار السلع او المواد من دون ان يواكب ذلك ارتفاع مقابل بنفس النسبة في الرواتب او الأجور، فيعني ذلك انخفاض كمية السلع التي يمكن شراؤها وبالتالي اخفاض في مستوى معيشة المواطن. وهذا بالضبط ما نشهده في بلدنا ويتجلى في ازدياد مظاهر الفقر والحاجة واشتداد المصاعب الحياتية لشرائح متزايدة من المجتمع.
ان اغفال هذه الحقائق وتصوير التضخم بانه مؤشر عافية وتحسن في القدرة الشرائية للمواطن، لا يعكس فقط فهما خاطئا فاضحا لهذه الظاهرة الاقتصادية ولأسبابها وآثارها، وانما يعكس أيضا وجود قطيعة مع الواقع المعاش لجماهير شعبنا.
فالمطلوب هو الالتفات الجدي من قبل الدولة والحكومة لمعاناة ذوي الدخول الضعيفة والمعدمة بالدرجة الاولى واتخاذ الإجراءات المالية والاقتصادية الملحة لتأمين مستلزمات حياتهم الاساسية، وعلى نطاق اشمل العمل بحزم من اجل اتخاذ الإجراءات الاقتصادية السليمة والفاعلة لتثبيت سعر صرف الدينار الرسمي في السوق وملاحقة المتلاعبين فيه وتشجيع الانتاج الوطني وتوفير فرص العمل واتخاذ اجراءات لصالح العدالة الاجتماعية.