احتل القطاع الصحي موقعا متقدما في المنهاج الوزاري لحكومة السيد محمد شياع السوداني. فقد جاء في المرتبة الخامسة بين المحاور الـ (23) للمنهاج. الا ان رؤية الحكومة الى هذا القطاع واشكالياته يشوبها، كما يبدو، خلل كبير. ويتجلى هذا في عدد من القضايا التي يمكن تأشيرها في المنهاج نفسه.

القضية الأولى هي حصر موضوع الصحة بتقديم “الخدمات الصحية”. والثانية هي حصر هدف الحكومة، وكما جاء في مقدمة المحور، بـمجرد “تحسين الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين”. اما القضية الثالثة فهي اعتقاد الحكومة ان تحسين الخدمات الصحية يمكن ان يتحقق “من خلال” خمس فقرات فقط! وهي اساسا فقرات يحتاج بعضها الى تدقيق وتمحيص، نظرا الى ما يشوبها من خلط كثير بين مهام المؤسسات الصحية. كما ان تسلسلها جاء عشوائيا من ناحية الاولويات. ثم انها على علاتها، إذا اخذت بصياغتها العمومية الحالية، لا يمكن إنجازها ضمن سياقات العمل الحالية، خلال مدة السنة التي ألزمت الحكومة نفسها فيها بإجراء انتخابات مبكرة، مثلما ورد في ورقة المنهاج.

وهذا يدل بوضوح على ان الرؤية القاصرة الى قطاع الصحة، قائمة عند الحكومة الجديدة أيضا، التي لا تختلف في ذلك عن الحكومات السابقة.  وان التغافل عن مدى تدهور النظام الصحي، والتراجع الخطير في الامن الصحي، ما زال مستمرا.

صحيح ان الفقرات تضمنت الكثير من المسائل الملحة. خصوصا ما يتعلق بمباشرة تشغيل المستشفيات المنجزة، واستكمال مشاريع المستشفيات والمراكز الصحية قيد الإنجاز. كذلك المباشرة بإنفاذ قانون الضمان الصحي. غير ان تضمين المنهاج أمورا كهذه لا يعني تنفيذها بعد.

هناك في المنهاج عموميات مقرونة بمسحة شعبوية، وهذان ملمحان ملحوظان في فقرات محور الصحة وفي كثير غيره من فقرات المنهاج الحكومي.

والسؤال هو: كيف سيتم تشغيل المستشفيات المنجزة واستكمال انجاز الاخريات ؟ ذلك اننا امام جمل عامة فاقدة الملموسية!

ثم ماذا بخصوص ما ورد في الفقرة 3 من المحور، حول انفاذ قانون الضمان الصحي لتحسينه الخدمات الصحية “وتوفيره الادوية”!. فهذه الفقرة بصياغتها الحالية تدل على ان المنهاج الوزاري، مثله مثل مشروع قانون الضمان الصحي بصيغته الحالية، لا يدرك الركيزة الجوهرية للقانون، المتجسدة ببُعديْ العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي، ولا يعي كاتبوه كمَّ الهنات التي يتضمنها. 

من ناحية أخرى، أهمل المنهاج الحكومي العديد من النقاط المهمة، التي يمكن ان تسهم في وقف  التدهور المستمر للقطاع الصحي. من قبيل: توفير الادوية الأساسية في المؤسسات الصحية، دعم وتطوير الصناعة الدوائية في البلاد؛ الإعلان عن رفع حصة وزارة الصحة في الموازنة العامة؛ تحديث وتطوير نظام الإحالة الطبية بين مختلف مستويات المؤسسات المقدمة للخدمة الصحية؛ والاستفادة من الخبرات العراقية الكبيرة سواء الموجودة في الداخل - خصوصا التي شملها قانون التقاعد الأخير- او تلك الموجودة خارج البلاد.

ان وضع حلول ناجعة لمشاكل القطاع الصحي يتطلب إعادة بناء النظام الصحي بالكامل. وذلك عبر وضع خطط وبرامج دقيقة وملموسة ومتعددة المديات، قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، استنادا الى المؤشرات العلمية الموثوقة والمعايير الدولية. وهذه بدون أدنى شك عملية معقدة، وطويلة ايضا. ومن الجليّ ان تحقيقها صعب في ظل منظومة ونهج المحاصصة والفساد. بل انها تشترط أساسا الخلاص من كليهما.

ان تأمين الخدمات الصحية مسألة راهنة وغير قابلة للتأجيل. والمطلوب هو الضغط لإقرار خطة إسعافية عاجلة، من اجل تحسين واقع هذه الخدمات. فالمرضى لا ينتظرون!

وبالإضافة الى ما ذكرناه يمكن الشروع في هذه الخطة انطلاقا من النقطة رقم (5) في محور الصحة، وهي أهم فقراته: “التوسع في توفير الخدمات الصحية الأولية والثانوية، لتجنب العبء على المستشفيات والمراكز التخصصية”. وبالملموس يتوجب على الحكومة المباشرة في زيادة اعداد مراكز الرعاية الصحية الأولية، ودعمها وتطوير عملها. كذلكم تعزيز الدور الذي تلعبه في تقديم الخدمات العلاجية، والنهوض بواقع الخدمات الصحية الوقائية، وحمايتها من كل اشكال  الفساد والروتين والبيروقراطية، التي صارت سمة تميزها.   

وبموازاة ذلك ينبغي الإسراع في تجهيز وافتتاح وتشغيل المستشفيات المنجزة، واستئناف العمل في انجاز المتلكئة وغير المكتملة، عبر تذليل الصعوبات وحل الإشكاليات التي تعرقل افتتاحها. كذلك الشروع بإنشاء المستشفيات والمراكز التخصصية ذات الأهمية العالية، في المناطق التي تفتقر اليها حاليا.

ان الصحة حق جوهري من حقوق الانسان وليست احسانا او منّة. بل هي حق لا غنى عنه لتمتع الانسان بحياته وتنعمه بحقوقه الأخرى.

ولأن الصحة حق، فيجب الا يغيب عن بال الجميع ان الحقوق لا تُمنح.. وانما تُنتزع!