الأوضاع السياسية في بلادنا وتطوراتها وتقلباتها منذ تأسيس الدولة العراقية قبل مائة عام، تؤشر مجموعة كبيرة من المعطيات والحقائق التي يتوجب اليوم، بعد كل هذه السنين العجاف التي مرت على العراق، ان تُستخلص منها العبر والدروس لتجاوز أخطاء وخطايا الفترات السابقة، خاصة فترة الحكم الدكتاتوري المباد، وللعمل الجاد باخلاص على بناء عراق جديد مختلف، يستحقه العراقيون جميعا ويرفع فيه الظلم والحيف عنهم، وتتاح لهم فيه إمكانية بناء حياة سعيدة آمنة ومرفهة في ظل العدل وحكم القانون، ويتمتع افراده بفرص متكافئة بلا تمييز او تفرقة بينهم لاي سبب كان . 

وفي ضوء خلاصة التجارب السابقة علينا التوقف مليا امام اقحام أساليب القتل والعنف الدموي والتهديد في السياسة، حيث ثبت على وجه اليقين ومرات بعد مرات ان هذه الاساليب لا تحل اية مشكلة بل تزيد الأمور تعقيدا، وتتسبب في ازهاق أرواح الناس وتعطيل الحياة العامة وضياع فرص النمو والتقدم، كما تلغي القانون ودور مؤسسات الدولة وتمنعها من القيام بواجباتها وإداء مهامها، وتأمين حياة المواطنين وحقهم في الحياة والتمتع بالحريات المكفولة دستوريا، وبضمنها الحق في الاختلاف في الرأي والعقيدة والفكر. 

وان ما يحصل هذه الأيام في بلدنا، خاصة بعد انعقاد جلسة البرلمان الأولى، من اطلاق التهديدات ليس لافراد او جماعات سياسية وحسب بل ولمكونات مجتمعية، كذلك استهداف مقرات أحزاب، واستخدام الصواريخ والمسيّرات .. ان هذه جميعا ممارسات لا تنسجم اطلاقا مع ما يرفع من شعارات تقول بالحرص على أمن واستقرار البلد وسلامة مواطنيه وفرض قوة القانون ، كما انها تصادر دور الهيئات والمؤسسات المخولة دستوريا صلاحية البت بقضايا الحرب والسلام، وإقامة وادامة العلاقات مع دول العالم. 

ان مثل هذه الممارسات المرفوضة والمستنكرة لن تقود الا الى الفوضى، وهي تدفع المواطن الى المزيد من عدم اليقين في شأن إمكانية تغيير الأوضاع او حتى إصلاحها، كما انها تتقاطع على طول الخط مع حكم القانون، ومع المنهج الديمقراطي واحترام الرأي والرأي الاخر . 

ان سياسة فرض الامر الواقع بقوة السلاح وقرقعته، سبق ان جربت مرات لا تحصى ولا تخفى نتائجها على القاصي والداني. 

فلمصلحة من هذا العناد والإصرار على ممارسة نهج خاطئ وعقيم، لا ولن يفضي الا الى طريق مسدود؟!