تتواصل أزمة انخفاض المياه في نهري دجلة والفرات والروافد التي تصب فيهما، لاعتمادها بصورة كبيرة على دول الجوار، وتشهد بعض المنخفضات والسدود والمسطحات المائية جفافاً حاداً نتيجة نقص الوارد المائي اليها، ما يجعل البلد أمام مواجهة حقيقية مع الجفاف وتداعياته الكبيرة.
فقد انهت تركيا تنفيذ مشاريع سدود عملاقة وباشرت في تشغيلها، ما أدى إلى انخفاض غير مسبوق في منسوب مياه نهري دجلة والفرات. كما عملت إيران على قطع روافد الأنهر القادمة عبر حدودها أو تحويل مسارها إلى داخل أراضيها.
ونتيجة لصعوبة توفير المياه الكافية للري، جرى تقليص الخطة الزراعية إلى النصف خلال الموسم الزراعي الحالي، ما يعني عدم القدرة على توفير المنتجات الزراعية ذي المنشأ الوطني، وهذا سيزيد من حاجة البلد إلى الاستيراد الخارجي للمنتجات، ما يترك أثرة على الاقتصاد الوطني وحياة المزارعين والفلاحين والمواطنين، ويضاعف من معاناتهم.
ومع اشتداد الأزمتين الاقتصادية والمالية والتداعيات الناجمة عن جائحة كورونا ستزداد هشاشة الأمن الغذائي، الذي يتحقق عندما تتوفر لجميع المواطنين إمكانية الحصول مادياً واقتصادياً واجتماعياً على الأغذية، بانسيابية وبأسعار معقولة.
إن من واجب السلطات العراقية والتنفيذية منها على وجه الخصوص، تحمل مسؤوليتها في بذل الجهود الاستثنائية لمطالبة حكومتي تركيا وإيران بالالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بالدول المتشاطئة ودول المصب، واستخدام جميع الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية والقانونية المتوفرة لضمان حقوق الشعب العراقي في المياه، وعدم السكوت على تجاوزاتهما، والانطلاق في ذلك أولا وأخيرا من مصلحة العراق.
ومن جانب اخر يتطلب الوضع المائي الراهن المزيد من إجراءات ترشيد استخدام المياه والتوعية بأهمية ذلك، ووضع الخطط الكفيلة بتحديث وسائل وتقنيات الري الحديثة، واللجوء إلى زراعة الأصناف الزراعية المتحملة للجفاف والملوحة. ويتوجب على الحكومة كذلك تقديم كل الدعم الممكن إلى الفلاحين والمزارعين ودفع مستحقاتهم، وفي اوقاتها. كما يتوجب التوزيع العادل للمياه وإزالة التجاوزات على الأراضي والحصص المائية. ان الوضع الاقتصادي والمعيشي لا يتحمل إضافة آلاف جديدة من المواطنين إلى مجاميع الفقر والفاقة والجوع.
إن المطلوب الآن وبصورة ملحة، ان يتصدر ملف المياه أولويات الحكومة، وغيرها من مؤسسات الدولة، مع الضرورة القصوى لاتباع آليات سريعة وحلول ناجعة تضمن عدم اهدار الثروة المائية المتبقية وحسن استخدامها وتنمية المخزون المائي الوطني العام.
بغداد ١٨-١٢-٢٠٢١