القى الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب كلمة الحزب في حفل افتتاح المؤتمر الوطني الحادي عشر، وفيما يلي نصها:

الضيوف الكرام

الرفيقات والرفاق الأعزاء

يسعدني نيابة عن اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي، ان ارحب بكم  ونحن نحتفل بافتتاح اعمال مؤتمره الوطني الحادي عشر.

ويطيب لي اولا ان اعبر عن الشكر والتقدير لكم جميعا، على حضوركم معنا اليوم، والذي نعتز به مثلما نعتز باسهامات العديدين منكم،  في اغناء مسودات وثائق المؤتمر، التي عرضناها  للنقاش العام في الأشهر الماضية، كذلك اسهامات الكثير من رفاق الحزب ومنظماته، داخل الوطن وخارجه.

واسمحوا لي ايضا ان اعرب عن خالص التقدير والامتنان للشخصيات والأحزاب والمنظمات السياسية العراقية والإقليمية وفي دول العالم، ولكل الجهات والمؤسسات والسلطات  الوطنية العراقية،   التي  حيّت مؤتمرنا، وتمنت لأعماله النجاح.

الحضور الكرام

يأتي انعقاد المؤتمر الحادي عشر امتدادا ومواصلة لتقاليد حزبنا، منذ التأسيس في آذار ١٩٣٤ ، ولسعيه الى انتظام عقد مؤتمراته، كي يكون كل منها محطة إضافية للتجديد، ولتطوير الديمقراطية الداخلية، بعد الفحص النقدي للأداء وبعد المراجعة والتقويم.

ونحن ندرك أنه في الظروف المعقدة الراهنة وفي ظل التحولات العميقة والمتسارعة الجارية في مختلف ميادين ، لا يمكن اليوم لأي حزب أن ينهض بدوره، وان ينمو، وان تتعزز مكانته وتأثيره ويواكب العصر، من دون ان يراجع ويدقق في سياساته ومواقفه، بصورة نقدية غير هّيابة، وان يتعرف بعمق على واقع المجتمع والتغيرات في بنيته وفي الوعي الاجتماعي، وأن يكون منفتحا على التجديد في الفكر والسياسة والتنظيم والخطاب.

لهذا يحرص حزبنا على مواكبة التطورات في بلدنا وفي العالم ، ويسعى بجد الى ملاقاة الجديد في الفكر والسياسة ، والانفتاح على تجربة شعبنا الغنية ، وسائر شعوب العالم، وتوظيف كل ذلك لمواجهة التحديات، وللارتقاء بدوره في الحياة السياسية والعامة في البلاد، وبما يمكنه من الانتصار على نحو افضل، لقضايا وتطلعات عموم المواطنين العراقيين، خاصة الكادحين والفقراء والمهمشين وشغيلة اليد والفكر، وتعزيز مكانة ودور المرأة والشباب في المجتمع والحياة العامة.

اننا نواصل اليوم بثقة، استنادا إلى السِفْر النضالي للحزب، والى العمل  المثابر لرفيقاته ورفاقه ، وهمّة الشبيبة الواعدة، والتفاف الاصدقاء والجماهير، نواصل حمل راية الوطن الحر والشعب السعيد ، التي ظلت خفاقة وعصيّة على الطغاة، وعودها يتقوّى بالدماء الزكية والتضحيات الجسام، لأجيال متعاقبةٍ من الشيوعيين في جميع أرجاء الوطن.

ستظل سيرتُهم مفخرةً لحزبنا وشعبنا وحركته الوطنية والديمقراطية، ومعينا لا ينضب ، ومُلهما  للمزيد من الاقدام والثبات في مواجهة التحديات والصعاب .

 ايتها العزيزات .. أيها الأعزاء

ينعقد مؤتمرُنا  وبلدُنا يعاني من أزمة عامة شاملة، تتجلى في حالة الاستعصاء والانسداد السياسيين، وتنوء تحت أعبائها الثقيلة الجماهير الواسعة من شعبنا.

فالأوضاع المعيشية للمواطنين تشهد تدهورا متوصلا، فاقمَهُ خفضُ سعر صرف الدينار وارتفاعُ أسعار السلع الأساسية من غذاء ودواء.   وفي الوقت نفسه تجري في المجتمع وعلى نحو أوضح، عمليةُ فرز اجتماعي وطبقي ، وتنضم باستمرار شرائحُ وفئاتٌ واسعة من المواطنين، الى ملايين المهمشين والعاطلين عن العمل، الباحثين عن لقمة العيش. وليس سرا ان الأزمات المعيشية طالت شرائحَ من الفئات الوسطى، كانت بمنأى عنها، وبضمنها الدرجات الدنيا والوسطى من الموظفين.

ومن الواضح ان الاحتقانات والتوترات السياسية والاجتماعية، مرشحة للاستمرار والتصاعد، تغذيها التناقضات  الناجمة عن تعمق الهوة بين اقلية متنفذة مرفهة، تحتكر مفاتيح السلطة والثروة، وبين الغالبية من أبناء الشعب،  التي تزداد معاناتها يوما بعد آخر وتعيش الحرمان والفاقة والجوع والمرض .

وان ما آلت اليها أوضاع البلاد ليس إلا محصلة لنهج المحاصصة الطائفية والإثنية، الذي انحسرت قاعدته الاجتماعية بفعل تقلص دائرة المستفيدين، ليتحول عمليا إلى تحاصص حزبي وفئوى ضيق، ما اسقط إلى حد كبير ادعاءات احزاب الطائفية السياسية، بتمثيلها المكوّنَ الذي تنتسب إليه.

وعلى الرغم مما جاء به نهج المحاصصة من أزمات متكررة،  وفشل مريع في الأداء، وغياب للمنجز، ومن فساد وخراب في بناء الدولة، وحطٍّ من هيبتها وسيادتِها الداخلية والخارجية، ما تزال القوى والأحزاب المتنفذة متشبثة بهذاالنهج، وتسعى بشكل محموم الى إعادة انتاجه تحت مسميات “التوافقية” و”الشراكة” و”الحكومة الشاملة” وغيرها.

الحضور الكريم

إن جماهير شعبنا المكتوية بالأزمات وشظف العيش، بفئاتها وشرائحها المختلفة، خصوصا جموعُ الشباب المغيّبة والمهمشة ، عبرت بوضوح وجرأة وبصورة مدوية، عن رفضها للواقع القائم، ولمنظومة الحكم ومنهج إدارة البلاد، عبر الحراك الاحتجاجي  المتعدد الأشكال، الذي انطلق منذ شباط 2011 ، وتطور  متصاعدا، ليتكلل بانطلاق  انتفاضة تشرين الباسلة، التي شكلت منعطفا فارقا في حياة البلاد السياسية ، ووضعت التغيير والقطيعة التامة مع نهج المحاصصة، على جدول التحديات الملحة امام شعبنا وقواه المجتمعية والسياسية الحية.

 وجاءت الانتخابات المبكرة لتجدد الرسالةَ القوية ذاتها، الرافضةَ لمنظومة حكم المحاصصة وأقطابها، والمطالبةَ بالتغيير، سواءً بالنسبة غير المسبوقة للعزوف ومقاطعة الانتخابات، أم بالتصويت للمرشحين الطالعين من رحم انتفاضة تشرين، وللداعمين لها، وللمستقلين عن الأحزاب المتنفذة، ولدعاة الاصلاح والتغيير، فيما حجبت التأييد عن جميع الأحزاب المتنفذة، التي تراجعت أعداد المصوتين لها بدون استثناء.

وعلى الرغم مما تعرضت له انتفاضةُ تشرين، والحركة الاحتجاجية، من حملة  واسعة منظمة استُخدم فيها العنف ، والتشويهُ والافتراء، وشراءُ الذمم والاختراقُ السياسي ، بهدف إنهائها أو احتوائها وتدجينها، واخراجها من المعادلة السياسية ، إلاّ أن جذوة الانتفاضة لم تنطفيء، بل ظلت جمرا يستعر تحت الرماد، متأهبا للاشتعال.

إن أسباب وعوامل تفجر الغضب الشعبي ما زالت قائمة، وستظل كذلك وربما تتنامى، ما بقيت مسارات الحكم والعملية السياسية على حالها، وما ظلت تعيد أنتاج نفسها نهجا وشخوصا.

لقد نبّه حزبنا في وقت مبكر إلى ضرورة مراجعة وإصلاح أسس العملية السياسية، القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية. الا انه مع مرور الوقت، واستفحال الأزمات، وعجز المنظومة الحاكمة عن تقديم الحلول، ضاقت فرص وامكانيات الاصلاح ، وتراكمت عناصر الانسداد، وما جرّه ذلك من تداعيات خطيرة ومأساوية، على أوضاع البلد والشعب. لذا بات التغيير في النهج والسياسات، وفي الشخوص المتورطة بالفساد وسوء الادارة، ضرورةً لفتح أفق جديد لخلاص البلاد من أزماتها، ولتوفير شروط الأمن والاستقرار، والسير على طريق الاعمار والبناء والتنمية.

لقد كشفت انتفاضة تشرين عن القدرات والطاقات الجبارة للتغيير، التي يكتنزها شعبنا، عندما تتصلب الإرادة ويتوحد الفعل الجماهيري.  وقد أعلن حزبنا انحيازَه التام إلى الانتفاضة السلمية ومطالبها العادلة، وشارك الشيوعيون وأنصارُهم بفاعلية في اعتصامات سوح الاحتجاج، وفي الفعاليات الاحتجاجية والمطلبية، واستشهد عدد من الرفاق والاصدقاء، ضمن أكثر من 700 شهيد من الشباب المنتفضين العزل ، فضلا عن أكثر من 30 ألفا من المصابين.

وحينها قدم نائبا الحزب في مجلس النواب استقالتيهما، وفعل مثلَهما الشيوعيون اعضاء مجالس المحافظات، تضامنا مع الانتفاضة، واحتجاجاً على القمع الممنهج، وعلى صمت مجلس النواب وعدم قدرته على محاسبة القتلة. كذلك سخّر الحزبُ طاقاتهِ واعلامَهُ ونشاطَ منظماتهِ ورفاقهِ واصدقائه، داخلَ الوطن وخارجَه، لمساندة الانتفاضة  وصولا إلى تحقيق أهدافها.

ايتها العزيزات ..أيها الأعزاء

  لقد رفع حزبنا منذ مؤتمره العاشر في كانون الأول عام 2016 شعار “التغيير نحو دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية”. والتغيير المطلوب في نظرنا، ينبغي أن يشمل العمليةَ السياسية، القائمةَ على المحاصصة الطائفية والأثنية، والتي وصلت إلى طريق مسدود، وان يشمل إعادةَ بنائِها على أساس مباديء المواطنة، الضامنةِ لمشاركة سائر أطياف شعبنا، القوميةِ والدينية والمذهبية والثقافية، كما يشمل التغييرَ في السياسات الاقتصادية والاجتماعية،  التي افضت الى تشديد الطابع الريعي للاقتصاد العراقي، والى رفع معدلات الفقر والبطالة، وتردي الخدمات العامة والبنى التحتية .

ويرى حزبُنا أن يكون تحقيقُ اكبرِ قدرٍ ممكنٍ من العدالة الاجتماعية، محورا اساسيا لمشروع التغيير. وتأتي في مقدمة الأهداف الواجب تحقيقُها، معالجةُ اوضاع الشباب، عبر الاعتماد الواسع لبرامج مكافحة البطالة في صفوفهم، وخلقِ فرصِ عملٍ حقيقية، وتأمينِ مقوماتِ العيش الكريم لهم.

 لكن التغيير المطلوب يكمن قبل كل شيء، في دحر منظومة المحاصصة والفساد، وفتح الآفاق لتغييرات عميقة، تفضي الى بديل وطني ديمقراطي، وإقامة دولة المواطنة الديمقراطية الاتحادية الجامعة، الخالية من العنف والتطرف والإرهاب ومنظماته، والتي تُحترم فيها حقوقُ الانسان، وفقا للدستور والمواثيق الدولية ، وتتعزز فيها الوحدةُ الوطنية، ويتوطد السلمُ الأهلي ، وتُوفّر الفرص المتكافئة للعراقيين جميعا.

الحضور الكرام

ان أوضاع البلد اليوم، تتطلب في رأينا أن  تتشكل الحكومة القادمة، وفقا لمبدأ الأغلبية السياسية، بعيدا عن المحاصصة والتخادم المحاصصاتي .

وفي راهن الحال يعمل حزبُنا الشيوعي العراقي،  من اجل تضافر  جهود قوى التغيير، سواءٌ منها الاطرافُ المدنيةُ والديمقراطية والوطنية، والحراكاتُ التشرينية، والنوابُ الطالعون من رحم الحراك التشريني، والداعون الى الاصلاح والتغيير، وكل المتضررين من تداعيات الأزمة الشاملة في البلد، وذلك لأيجاد أنسب صيغ العمل المشترك من أجل مواصلة تعظيم الزخم والحراك الجماهيريين بمختلف الطرق والوسائل السلمية، والضغطِ في اتجاه إحداث انعطافٍ في النهج السياسي لصالح مشروع التغيير، والقطيعة التامة مع منظومة المحاصصة والفساد والسلاحِ المنفلت، ووضع البلد على الطريق السليم، المفضي الى إقامة دولة المواطنة والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، الدولة المدنية الديمقراطية.

مرة اخرى .. لكم الشكرُ والتقدير على الحضور، ومشاركتِنا الاحتفالَ بافتتاح مؤتمرنا الحادي عشر

التحية لرفيقات ورفاق حزبنا وأصدقائه وجماهيره ، عرفانا وتقديرا لجهودهم وعملهم .

المجد لانتفاضة تشرين ولشهدائها الابرار

المجد لشهداء شعبنا وحزبنا

عاش المؤتمر الوطني الحادي عشر والنجاحُ لاعماله

عاش شعبنا العراقي باطيافه المتآخية كافة

عرض مقالات: