قبل عامين، في الخامس والعشرين من تشرين الأول، ارتفعت في سماء العراق رايات جديدة خفاقة، انضمت الى الموكب الذي دشنه الأول من الشهر نفسه، يوم اندلع الاحتجاج وأضحت الأصوات صادحة والسيل هادرا .. فتحول المشهد الى انتفاضة باسلة هزت العروش، ورسمت لوحات جديدة في المشهد السياسي، حيث الكفاح المتعاظم الذي عمّدته دماء المئات من شهداء الحرية، ممن قدموا أمثولة ستظل ملهمة على مدى الأجيال.
اليوم نجدد، مرة أخرى، عهد الوفاء للشهداء الأماجد، الذين أناروا دروب النضال من اجل التغيير، ونرى أن دماءهم الزكية ومطالب الملايين العادلة، لابد أن تبقى ماثلة أمام أنظار القوى التي تسعى الى تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه المباحثات والمداولات بين القوى الفائزة في الانتخابات، لاقامة ائتلافات وتحالفات على طريق تشكيل الحكومة، وفي ضوء الاستعصاءات الناجمة عن الصراعات بين الكتل، وبروز لوحة سياسية جديدة أفرزتها الانتخابات، في هذا الوقت يزداد الحديث عن تشكيل حكومة “جامعة”، “شاملة”، “توافقية”، وهو ما يعني عمليا حكومة محاصصة.
كأننا بهذا نعود الى المربع الأول .. المربع الذي انطلقت ضده انتفاضة تشرين. ذلك أن الحكومة التوافقية هي التي كانت مسؤولة عن احتضان الفساد ورعايته، والفشل في الأداء الحكومي، وغياب الخدمات الأساسية، ومعاناة الملايين من المآسي في سائر ميادين الحياة، وعدم استكمال السيادة الوطنية، وسوى ذلك من تجليات الأزمة العميقة في بلادنا.
إن شعبنا يريد حكومة تغيير لا حكومة توافق ومحاصصة .. حكومة تكشف عن قتلة المتظاهرين ومن يقف وراءهم، وتعاقبهم، وتحفظ حقوق الشهداء والضحايا وحقوق عائلاتهم وأهاليهم.. حكومة وطنية تحقق المطالب والأهداف العادلة لمنتفضي تشرين، وتترجم على الارض تطلع الملايين من بنات وأبناء شعبنا، الى ارساء أسس العدالة الاجتماعية في دولة مدنية ديمقراطية.