من المعروف ان الحزب الشيوعي العراقي اعلن موقفه المقاطع لانتخابات تشرين الأول القادم استنادا الى رأي عام حزبي تجلى في استفتاء داخلي ساهمت فيه غالبية ساحقة من أعضاء الحزب، وهو يعكس أيضا قناعة قطاعات شعبية واسعة.
وقد أشار الحزب الى انه يتخذ هذا الموقف استنادا الى مجموعة أسباب، تتلخص في عدم توفر بيئة سياسية آمنة، وغياب المنظومة الانتخابية المحايدة والكفؤة والمستقلة حقا، وفي اعتماد قانون انتخابي فُصّل على مقاسات الكتل المتنفذة ويكرس المناطقية والولاءات الفرعية على حساب المواطنة العراقية الجامعة، كما يتيح فرصا غير متكافئة لصالح أصحاب النفوذ والمال والسلاح. هذا اضافة الى عدم الاستجابة لمطالب المنتفضين والمحتجين بكشف قتلة المتظاهرين والنشطاء وأصحاب الرأي، وبالتصدي الفاعل والشامل لملفات الفساد صغيرها وكبيرها، كما يستمر تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية، ويبقى السلاح المنفلت يصول ويجول ويحصد الأرواح، فيما يظل الجناة طلقاء.
واليوم نقول ان هذه الظروف والوقائع ما زالت قائمة، ولم يحصل تطور يوجب مراجعة وتدقيق موقف الحزب بشأن مقاطعة انتخابات تشرين الأول القادم، بل ان العديد من المؤشرات بشأن استخدام المال السياسي وموارد الدولة وامكاناتها، وشراء الذمم، وتهديد المرشحين والناخبين، وبيع وشراء البطاقات الانتخابية، وسعي قوى متنفذة لتزوير الانتخابات وغير ذلك، ان هذه كلها امور قائمة وتجري على قدم وساق. ورغم ما يدور من حديث واسع عن ذلك في اعلى مستويات الحكومة ومفوضية الانتخابات، لم نسمع عن اتخاذ إجراءات للحد منه على الأقل، فضلا عن منعه أصلا. يضاف الى هذا الإعلان الصريح من مفوضية الانتخابات، بانها عاجزة عن تطبيق قانون الأحزاب السياسية، خاصة ما يتعلق منه بتحديد سقف للمال السياسي الذي يُنفق في الانتخابات، ومنع من يمتلك السلاح من المشاركة في الانتخابات.
ونشير من جانب آخر الى ان الوعود وحدها لا تكفي، كما لا يكفي تقديم تعهدات وخطط عمل ومواثيق شرف. فقد سبق ان كتب مثلها العشرات، ثم بقيت حبرا على ورق، ولم تجد طريقها الى التطبيق على الارض.
وبخصوص القوى المتنفذة التي تغدق الوعود السخية، خاصةً عشية كل انتخابات، يحق السؤال عمّن منعها من تطبيق وعودها هذه طيلة السنوات الماضية، وهي التي تمسك بتلابيب السلطة منذ ٢٠٠٥، وتملك القرار السياسي والاقتصادي والأمني وتتحكم به حتى يومنا هذا؟ فهي إذن من يتحمل المسؤولية الكاملة عما آلت اليه أوضاع بلدنا، وهي التي تصر حتى اليوم عَلى اتباع المنهج الخاطيء المدمر ذاته.
ولابد هنا من الاشارة مجددا الى ان الحزب الشيوعي العراقي لا يعارض العملية الانتخابية كممارسة ديمقراطية، لكنه مقتنع بعدم توفر الظروف التي تضمن ان تكون انتخابات تشرين ٢٠٢١ ذات صدقية ونزيهة وعادلة، وتؤمن التمثيل الحقيقي لارادة المواطنين وخياراتهم الحرة، وبالتالي تكون أداة للتغييرالذي يريده المنتفضون وغالبية الشعب. فوفقا للمعطيات الراهنة لن يحصل في هذه الانتخابات الا تغيير طفيف في الوجوه وليس في المنهج المحاصصاتي المتبع في إدارة الدولة، والذي هو اُسّ الازمات والكوارث والمآسي والفساد المستشري .
ان حزبنا في الوقت الذي يؤكد فيه عدم مشاركته في انتخابات تشرين 2021، يدعو الحريصين على قضية التغيير كافة، الى بذل كل الجهود من اجل الا تعيد الانتخابات انتاج المنظومة نفسها، المسؤولة عما انتهى اليه العراق اليوم.
ويجدد حزبنا دعوته الى سائر القوى المدنية والديمقراطية، وقوى انتفاضة تشرين، وجميع المتطلعين للتغيير، الى العمل الحثيث على توحيد المواقف والرؤى وآليات التحرك، وعلى تنسيق الجهود وتعظيم زخم الحراك الشعبي والجماهيري لفرض إرادة شعبنا، بتهيئة ظروف انتخابات مناسبة وقانون انتخابات عادل، والسير الى امام لتحقيق التغيير المنشود والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، وبناء دولة المؤسسات والقانون، دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.