تحت شعار (نَفَس ديمقراطي جديد) انعقد المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية في المغرب في مدينة بوزنيقة خلال الفترة من 11 – 13 أيار الحالي. وشارك في أعمال المؤتمر 1191 مندوبة ومندوباً يمثلون مختلف المنظمات الحزبية الاقليمية والقطاعات السوسيومهنية.

وتميزت الجلسة الافتتاحية بحضور رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وعدد من الوزراء والأمناء العامين للأحزاب السياسية، بالاضافة الى ممثلي النقابات والمنظمات الاجتماعية، وشخصيات ثقافية وفنية ورياضية، وعدد من الدبلوماسيين المعتمدين في المغرب.

وشاركت في أعمال المؤتمر وفود من أحزاب شقيقة وصديقة، كان بينها حزبنا الشيوعي العراقي الذي مثّله الرفيق رضا الظاهر عضو اللجنة المركزية للحزب.

وثمن المؤتمر عالياً العمل الدؤوب والتحضيرات الواسعة على مدى شهور، والنقاشات التي اتسمت بروح الديمقراطية والحماس والجدية والمسؤولية، معبراً عن اعتزازه بالمستوى الرفيع الذي تضمنته الأطروحة السياسية، والتي جرت المصادقة عليها بشبه اجماع، كما على الوثيقتين الأخريين وهما القانون الأساسي والمقرر التنظيمي.

وصادق المؤتمر على تركيبة اللجنة المركزية التي انتخب أعضاؤها خلال الأسابيع الماضية في المؤتمرات الفرعية والبالغ عددهم 487 عضواً مقابل 1272 عضواً في المؤتمر السابق، كما صادق على لجنة المراقبة السياسية والتحكيم، ولجنة المراقبة المالية.

وجددت اللجنة المركزية الثقة بالأمين العام محمد نبيل بنعبدلله اذ حصل على 371 صوتاً مقابل منافسه سعيد فكاك الذي حصل على 92 صوتاً.

لقاءات وحوارات سياسية

وفي حفل الاستقبال الذي نظمته اللجنة التحضيرية للمؤتمر، والذي حضره ممثلو الأحزاب السياسية المغربية ووفود المؤتمر وعدد من قادة الحزب الشقيق، والتقى بهم الأمين العام للحزب الشقيق الرفيق بنعبدالله، أجرى الرفيق رضا الظاهر لقاءات وحوارات مع ممثلي مختلف الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والاسلامية المشاركة في افتتاح المؤتمر، وقدم لهم صورة مكثفة عن الأوضاع في العراق وسياسة حزبنا وخوضه الانتخابات في تحالف (سائرون)، وسمات ودلالات التحالف بين الشيوعيين والاسلاميين. وتبادل الرفيق الظاهر الرأي مع ممثلي حزب العدالة والتنمية، وهم الجماعة الاسلامية المعتدلة التي تقود الحكومة ويتحالف معها حزب التقدم والاشتراكية. وقد عبر ممثلو حزب العدالة والتنمية عن اهتمامهم بموضوع التحالف بين التيار الصدري والحزب الشيوعي، مشيرين الى تجربتهم في هذا الميدان.

بنعبدالله: نَفَس ديمقراطي جديد

وفي كلمته الشاملة في الجلسة الافتتتاحية للمؤتمر أشار الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الى "أننا نلتقي في محطتنا الوطنية هذه، على مدى ثلاثة أيام، لمساءلة أربع سنوات حبلى بالأحداث السياسية الكثيفة والمتسارعة، التي كنا جزءاً مؤثراً فيها ومتأثراً بها .. أربع سنوات من الممارسة التنظيمية والسياسية تستدعي، في تقاليدنا النضالية، اخضاعها للتحليل والتقييم، بجرأة وتواضع متلازمين، من خلال مقاربة النقد والنقد الذاتي البناءين والموضوعيين .. نلتقي، أيضاً وأساساً، من أجل استشراف جماعي لصيغ نضالية جديدة تضمن تجذّر الحزب في المجتمع، وتطوير أساليب عمله من أجل المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي التقدمي العادل".

وعبر بنعبدالله عن مشاعر الاعتزاز بحصيلة مشاركة الحزب في الحكومة (لدى الحزب 3 وزراء بينهم امرأة) التي جسدت مواصلة الاصلاح في ظل أوضاع مستقرة، وعلى أسس برنامجية محددة. وقدر، عالياً، الدور الذي يمارسه وزراء الحزب، وهم يقدمون مثالاً، على النزاهة والكفاءة والعمل المتفاني من أجل قضية الحزب والشعب.

وأثنى على الدور البارز الذي يواصله نواب الحزب في البرلمان (لدى الحزب 13 نائبا بينهم 4 نساء)، وحضورهم الفاعل في المؤسسة التشريعية، ودفاعهم عن قضايا المواطنين.

واذ أكد الأمين العام للحزب الشقيق على أن مشروع ارساء الديمقراطية يشكل محور الصراع السياسي في المرحلة الراهنة، وانتقد "تبخيس العمل السياسي والحزبي وتحريف عمل المؤسسات عن مقاصده الحقيقية"، دعا الى "ضرورة الانصات الى صوت الجماهير الشعبية وعدم الاستهانة بهواجسهم"، وتوجه بالنداء الى سائر أعضاء الحزب بضرورة الدفاع عن حقوق الناس والتجاوب مع المطالب الشعبية.

وقال بنعبدالله "إننا نلتئم اليوم حول شعار لا نجد أفضل منه تعبيراً ليس عن سمات المرحلة حسب، وانما، أيضاً، عن تطلعات كل الديمقراطيين والانفتاح على آفاق أرحب: "نفس ديمقراطي جديد"، من أجل تجديد روح البناء الديمقراطي، والمضي قدماً في مسار توطيد دعائم دولة القانون والمؤسسات، والتفعيل السليم للمضامين المتقدمة للدستور، بما يكرس العدالة الاجتماعية، ويوطد دعائم مغرب ديمقراطي تنعم فيه الجماهير الشعبية، وخاصة الفئات المستضعفة والفقيرة، بالعيش الكريم في كنف الحرية والمساواة، ليس بمنطق القطيعة، ولكن برؤية متجددة تتأسس على تعزيز المكتسبات والمنجزات الوطنية المحققة على كل هذه الأصعدة".

سائرون .. واقع ووعد

وفي صباح اليوم الثاني للمؤتمر نظمت ندوة فكرية حول (دور القوى التقدمية والديمقراطية في ظل الأوضاع الدولية الراهنة)، قدمت فيها خمس مداخلات، كانت بينها مداخلة الرفيق رضا الظاهر. وفي هذه المداخلة التي حملت عنوان (موقع العراق في الصراع الدولي) قدم الظاهر صورة مكثفة عن الوضع السياسي الراهن في العراق، ورؤية حزبنا للواقع، وسبل الخروج من الأزمة الاجتماعية العميقة، والمهمات الأساسية التي ينهض بها الحزب.

وألقى أضواء على التدخلات الاقليمية والدولية في الشأن العراقي الداخلي والانتهاكات التي تتعرض لها سيادة البلاد الوطنية.

وتحدث عن تراجع وتقدم قوى اليسار والديمقراطية على المستوى الدولي، مشيراً الى تنامي تيارات اليمين الشعبوي المتطرف في العديد من بلدان أوروبا، ومضيئاً، في الوقت ذاته، النجاحات الهامة التي حققتها تحالفات اليسار، سواء على صعيد الانتخابات أو تنظيم المؤتمرات والمنتديات واللقاءات.

وشخص الظاهر في مداخلته التحديات التي تواجهها القوى اليسارية والديمقراطية في منطقتنا، ومهمات تعزيز مساهمتها في معركة التغيير السياسي الديمقراطي في العالم العربي، وإعلاء شأن قوى التنوير والعقلانية والديمقراطية في المجتمع، مشيراً الى أهمية الحوارات الفكرية والسياسية الجادة والمنفتحة لرسم توجهات ترتقي بوحدة عمل القوى اليسارية والديمقراطية، وتوسع ائتلافاتها بهدف احداث تغيير في موازين القوى السياسية والاجتماعية لخلق فرص مؤاتية لتحقيق مشروعها الديمقراطي.

وفي مداخلته أكد رضا الظاهر على وجود ملامح مشتركة في تجربة حزبينا ومهمات متماثلة في كفاحنا"، وقدم صورة أمام المؤتمر عن تحالف (سائرون)، وسماته الأساسية وآفاقه، مشيراً الى ظهور اصطفافات جديدة في المجتمع العراقي وكيانات عابرة للطوائف ذات تنوع فكري وسياسي واجتماعي، ونهج وطني يطمح الى الاصلاح والتغيير، متجسداً في ائتلاف الشيوعيين والصدريين مع أحزاب مدنية أخرى في تحالف (سائرون)، وهذا معلم من أبرز معالم انتخابات عام 2018 البرلمانية، حيث تسعى قوى هذا الائتلاف الجديد الى تغيير بنية النظام السياسي القائم.

وأوضح أن هناك اجماعاً على أن تحالف (سائرون)، الذي يمكن أن تتجاوز تأثيراته حدود العراق، هو المظهر الأبرز في الوضع السياسي الراهن، وأن ما يروج له البعض من "تقاطعات عقائدية وآيديولوجية" داخل قوى هذا التحالف وصراع بين المدنيين والاسلاميين يدحظه الواقع.

وأكد أن تحالف (سائرون) هو تجسيد لفكرة التحالف العابر للطوائف، وهو من ناحية ثانية، تحالف يتمسك بالاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي لكل طرف فيه، ويرى أن التنوع والاختلاف في المنطلقات الفكرية لا يتقاطع مع العمل المشترك.

وختم الظاهر مداخلته بالتأكيد على أن أهمية تحالف (سائرون) تكمن، من بين حقائق أخرى، في أن هذا التحالف يحمل وعوداً على الصعيد الانتخابي، حيث يتوقع أن يحقق نتائج مرموقة، ويقدم امكانية لاعادة بناء نسيج المجتمع على أساس مبدأ المواطنة، وتحقيق مشروع بديل لنهج المحاصصة، وانجاز عملية الاصلاح والتغيير باتجاه بناء الدولة المدنية التي تحقق العدالة الاجتماعية.

وفي اللقاء الذي نظمته المجموعة البرلمانية لحزب التقدم والاشتراكية في مبنى البرلمان المغربي، في اليوم نفسه، تحدثت الرفيقة عائشة لبلق، رئيسة المجموعة البرلمانية عضو المكتب السياسي للحزب الشقيق، عن تجربة الحزب في العمل البرلماني ونشاط نوابه المتعدد الجوانب.

وقدم الرفيق رضا الظاهر صورة عن تحالف (سائرون)، مشيراً الى سماته الأساسية وآفاقه الواعدة، معبراً عن التطلع الى الاستفادة من تجربة الحزب الشقيق الغنية في المشاركة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية.

تحليلات عميقة واستنتاجات هامة

أكدت مقدمة الأطروحة السياسية للمؤتمر أن محطة المؤتمر الوطني العاشر للحزب "مناسبة للتأمل في تطور الأوضاع العامة التي تؤثر على مسار الحزب انطلاقاً من المعطيات العالمية والجهوية والوطنية، ذلك أن الحزب دأب منذ نشأته قبل أكثر من 70 سنة على تدقيق مفاهيمه وتأطير سياسته بما يلزم من الوضوح المبدئي الذي يبعث فيه روحاً من العقلانية تجعله في منأى عن كل انزلاق في غياب التحصين الفكري والسياسي، وذلك بالضبط هو الهدف من الاحاطة بهذا السياج من الاضاءات النظرية.

إن هذه العملية، التي يتشبث بها الحزب في كل مؤتمراته، عمل جماعي تسهر عليه اللجنة المركزية كاطار للذكاء الحزبي الجماعي الذي يمنح الانتاج الفكري للحزب كل قيمته عبر الوقوف عند المعطيات الأساسية للمرحلة السياسية التي ينعقد فيها المؤتمر".

وأضافت المقدمة إنه "بعد مضي عشرين سنة على ممارسة الشأن الحكومي يحق للحزب أن يسائل ذاته من خلال تفكير جماعي متكامل حول ما أنجز وما لم ينجز من مهام التغيير والاصلاح الديمقراطي، بعيداً عن الاعتداد الزائد بالنفس وبعيداً عن الجلد الذاتي.

فالأطروحة السياسية تعد وقفة عميقة تسائل الذات الحزبية بدقة وصرامة لمحاولة فهم دلالات المرحلة واستشراف آفاق المستقبل بناء على المسؤوليات السياسية والتنظيمية والتاريخية التي يتحملها الحزب، لأن الفلسفة التنظيمية التي يستند عليها تقوم على فضيلة النقد والنقد الذاتي الواجب الاحتكام اليهما بكيفية منهجية أثناء المساءلة والمساءلة الذاتية، فجودة الأداء الحزبي تكمن في هذه المنهجية".

وجاء في المقدمة إن "حزب التقدم والاشتراكية مدرسة متفردة لتوظيف التحليل العلمي الموضوعي في فك رموز الواقع المعقد والمليء بالمتناقضات. فالواقع الذي يشتغل الحزب في سياقه معقد بطبيعته وتتجاذبه تيارات وموازين قوى متناقضة، وقد تصل في بعض الأحيان الى ممارسة ضغوط على الحياة السياسية والنضالية، لذلك على الحزب أن يبدي قدراً عالياً من الصمود والموضوعية والحنكة كي يعبر مناطق الاضطرابات بأقل تكلفة من خلال الاحتكام، دون هوادة، الى الحكمة والموضوعية، كي يظل محافظاً على هويته الأساسية في اتخاذ الموقف والتعبير عنه بأسلوبه المتميز في الحقل السياسي الوطني".

لفد اشتملت الوثيقة السياسية التي أقرها المؤتمر، والتي اتسمت بتحليلاتها العميقة لعمل الحزب في سائر الميادين واستنتاجاتها الهامة، على ستة أبواب هي:

  1. حزب التقدم والاشتراكية ومنظومته الفكرية والقيمية: وتضمنت محورية المسألة الآيديولوجية، والسياق العالمي وتأثيره على تطورات المسألة الاشتراكية، والاجتهاد في الاجابة على سؤال: ما معنى أن تكون اشتراكياً في مغرب اليوم، والتحليل المعمق للتطورات التي يعيشها المجتمع المغربي. وفي موضوعة (السياق الوطني والحركة الاجتماعية) ألقت الوثيقة أضواء على قضايا أساسية بينها: أسباب تراجع اليسار في المغرب، وتنامي ظاهرة الاسلام السياسي وتنوعها، والأحزاب المرتبطة بالادارة، والحركات الاجتماعية العفوية وغير العفوية، والتأثير المتفاوت لمنظمات المجتمع المدني، وظاهرة العزوف عن العمل السياسي، وصعوبة التمايز وضرورة الوضوح الفكري.
  2. حزب التقدم والاشتراكية والمسار السياسي: وتضمن القاء نظرة نقدية على المسارات الحزبية في التعاطي مع الشأن السياسي، وأين نحن من تفعيل مضامين دستور 2011 ؟ وتثبيت واستكمال الوحدة الترابية من خلال تعزيز الاجماع الوطني وانعاش دبلوماسية استباقية، وعشرون سنة من مساهمة الحزب في العمل الحكومي، والوضع السياسي والفاعلون فيه، وما العمل؟ في أي أفق ؟ ومع من ؟ ومستلزمات استكمال تشييد الدولة الوطنية الديمقراطية.
  3. حزب التقدم والاشتراكية والأفق الاقتصادي والاجتماعي والايكولوجي: وتضمن حصيلة النموذج التنموي المتبع خلال العقدين الأخيرين، والبديل التقدمي لحزب التقدم والاشتراكية.
  4. القضايا المجتمعية والثقافية: وتضمن الوحدة والاختلاف في المجتمع المغربي، والثقافة الوطنية الديمقراطية في صلب المشروع التنموي في المغرب.
  5. حزب التقدم والاشتراكية والمميزات الأساسية للوضع الدولي: وتضمن أزمة الليبرالية الجديدة المعولمة، التجليات السياسية للأزمة، أي مكانة وأي دبلوماسية للمغرب.
  6. القيمة المضافة لحزب التقدم والاشتراكية في المشهد الحزبي والوطني: وتضمن هوية الحزب ومهام المرحلة، ومستلزمات تكريس البعد الجماهيري في النضال الحزبي، وخطة "تجذر"، وأدوار الهياكل والآليات الحزبية في تقوية نفوذ الحزب.

التحالف اليساري الاسلامي

لا ريب أن من بين الأسئلة المطروحة للجدل: ماذا بشأن تحالف حزب التقدم والاشتراكية مع حزب العدالة والتنمية ؟

هناك، كما تشير الوثائق، المشروع المجتمعي الذي طرحه الحزب منذ تأسيسه، وهو مشروع قائم على ديمقراطية برلمانية اجتماعية.

وفي هذا السياق، وكما أشار الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في المقابلة التي أجرتها معه (بيان اليوم)، صحيفة الحزب، عشية المؤتمر "سعى الحزب، وخلال العقد الأخير خصوصاً، الى الالتقاء مع القوى السياسية الأخرى، وبينها حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الاسلامي، وهو لقاء يستند الى قضايا مشتركة تتمثل في الدفاع عن الديمقراطية، واغناء التجربة السياسية القائمة على أساس مضامين دستور 2011".

وقال بنعبدالله إن "حزب التقدم والاشتراكية يؤكد على أنه يظل حزباً يسارياً تقدمياً اشتراكياً وديمقراطياً وحداثياً .. ويمكن القول دون تردد إن حزب التقدم والاشتراكية ثابت في موقفه وفي الحفاظ على هويته، وإن الحزب الذي تطور وأدخل العديد من القيم الجديدة في مقاربته السياسية هو حزب العدالة والتنمية، وليس حزب التقدم والاشتراكية هو الذي "تأسلم" أو أصبح حزباً محافظاً، بل العكس هو الصحيح، ذلك أن حزب التقدم والاشتراكية هو الذي أثر ايجاباً في هذا الاتجاه".

وأضاف بنعبدالله أنه "يمكن أن نقول بأن موقف حزب التقدم والاشتراكية، كان يتسم ولا يزال بذكاء كبير، لأنه كان بإمكاننا كذلك أن نرفض كما فعل البعض، وأن لا ننظر حتى إلى الإخوة في العدالة والتنمية، وآنذاك، من دون شك كان سيفرض عليهم البحث عن حلفاء آخرين. والحال، للتذكير، أن قيادة هذا الحزب كانت تقول بشكل واضح خاصة سنة 2011 مع تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران، بأنهم يريدون تشكيل حكومة مع الكتلة الديمقراطية، هكذا هو كان الاختيار، عندما تستمع إلى هذا الخطاب، أعتقد أن هذا الأمر يتعين أن يلتقط، وحزب التقدم والاشتراكية التقطه إيجابا، كما أن حزب الاستقلال آنذاك التقطه إيجاباً، مع الأسف الإخوة في الاتحاد الاشتراكي، بتأخر كبير التحقوا بالركب، لكن بعد ما فات الأوان، والإخوة في حزب الاستقلال خرجوا بشكل مفاجئ وغير مفهوم من تجربة السي عبد الإله بنكيران، أقول ذلك وهي مواقف معبر عنها من داخل حزب الاستقلال، مع الاحترام التام للقرارات المستقلة لهذين الحزبين الشقيقين.

إذن من هذه الناحية اطمئنوا، ولكن هل من ناحية الحضور السياسي أدينا الثمن؟ نعم أديناه من الناحية الانتخابية، لأسباب عديدة مرتبطة بطبيعة الصراع في المغرب، وبأنه لم يكن هناك رضى عن هذا الاصطفاف الذي اختاره حزب التقدم والاشتراكية، لكن من الناحية القيمية، ومن ناحية سمعة حزب التقدم والاشتراكية، ومن ناحية تعامل المواطنات والمواطنين مع هذا الحزب، أعتقد أن هناك تقديراً كبيراً واحتراماً قوياً، وهناك اليوم مكانة أرقى لحزب التقدم والاشتراكية في أعين المواطنات والمواطنين. بقي لنا أن نجذر أكثر هذا الحضور وأن نتمكن من تحويل هذه الأفكار والمقترحات والمقاربات إلى تقدم، وإلى حضور انتخابي أقوى".

آفاق .. وآمال

وجواباً على سؤال (بيان اليوم) حول آفاق حزب التقدم والاشتراكية ما بعد المؤتمر الوطني العاشر قال الأمين العام للحزب: "هناك، ما هو مرتبط بالآفاق السياسية، حيث نطمح حقيقة الى أن ندخل هذه المرحلة الجديدة، وأن يعرف المغرب، في إطار النموذج التنموي الجديد، حركية جديدة ومتجددة، وأن ندخل مجدداً في عهد الإصلاح القوي على مختلف الأصعدة، هذه آمالنا في حزب التقدم والاشتراكية، ومن أجل ذلك نناضل، وعلى هذا الأساس نشتغل، ولا نطمح إلى شيء آخر غير ذلك، في إطار الدستور وفي إطار القوانين، وفي إطار العمل الجماهيري الديمقراطي الذي آمن به، دائما، حزب التقدم والاشتراكية".

وقال "كما نطمح حقيقة الى أن نعيد لحزب التقدم والاشتراكية أمجاده على كافة الأصعدة، هذا الأمر يتطلب كثيرا من الاشتغال، ويتطلب صرامة كبيرة أمام انسلال بعض الأوجه الانتهازية، وظهور بعض السلوكيات الفردانية والبحث عن المصالح الشخصية، وإرادة البعض في خدمة أغراض شخصية محضة، كل ذلك يتعين أن نحاربه بقوة، نحن ننحدر من ثقافة تقول بأن الحزب أداة من أجل التغيير، أي من أجل تغيير المجتمع، وأننا كمناضلين نضع أنفسنا رهن إشارة هذه الأداة، من أجل خدمة الأهداف السياسية والإيديولوجية والفكرية التي نؤمن بها. هذا هو حزب التقدم والاشتراكية الذي إذا حافظ على هذه النكهة سيستمر في المجتمع، وستكون له قيمة مضافة. وإذا تخلى عن ذلك سيصبح حزباً من ضمن الأحزاب الأخرى دون طعم، ولا لون خاص، ولا نكهة خاصة، آنذاك، لا قدر الله، يمكن أن نصلي صلاة الجنازة على حزب التقدم والاشتراكية".

وأشار الى أنه "لا توجد "أنا" في حزب التقدم والاشتراكية، وهذا شيء مهم، لأنه إذا تضخمت "الأنا" شيئاً فشيئاً داخل التنظيم سنقتل حزب التقدم والاشتراكية، طبعاً هناك أشخاص وهناك مناضلون، كل واحد يحمل معه شيئاً ما، وله قدرات وكفاءات، لكننا جميعاً في خدمة مشروع مجتمعي، وفي خدمة رؤية ومبادئ وقيم، فمن له الاستعداد لمواصلة المسير على هذا النهج، فمرحباً به، فالطريق مفتوح، ومن له مصالح أخرى، يريد أن يصبح وزيراً، وغضب لأنه لم يصل إلى تحقيق ذلك، أو أنه أراد فقط، أن يبقى مسؤولاً في المكتب السياسي للحزب، أو في اللجنة المركزية، أنا أطرح السؤال على هؤلاء، وأقول لهم: نعم لكم الحق المطلق في أن يكون لديكم طموح، لكن ما معنى العضوية في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية، هل هي هوية؟ أم هي رؤية؟ أعتقد أنها وضع رهن الإشارة للنضال والتضحية بالمال وبالوقت، وخدمة مشروع سياسي، وليس للتستر خلف الأشجار والتواري للخلف عندما يكون الوضع صعباً، والظهور والعودة للواجهة كلما تحسن هذا الوضع، أي عندما تكون هناك عاصفة في مكان ما، ننحني وننتظر لتمر.

إذن يتعين إعادة بناء رؤيتنا لمسألة الانتماء لحزب التقدم والاشتراكية، والاشتغال على ذلك بشكل قوي، بحيث يكون الأشخاص على وعي بانتمائهم وبطبيعة هذا الحزب واختلافه عن الأحزاب الأخرى التي يمكن أن يصطفوا فيها لقضاء مصالحهم الشخصية والفردية. أنا، شخصياً، أنتمي إلى جيل لما انخرطنا في هذا الحزب، لم نكن نتصور يوما أن نكون في الحكومة، فبالأحرى أن نتصور أن بعضنا سيصبح يوما ما وزيرا".

ولعل من باب الدلالة أن نختم هذا التقرير بخاتمة الأطروحة السياسية لمؤتمر الحزب الشقيق التي قالت: "هذا هو حزب التقدم والاشتراكية الذي ولد من رحم الأمة ووهب نفسه لها .. حزب محمل بقيم الوطنية الصادقة وبمباديء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، حزب جربته المحن في سبيل الوطن والشعب.. حزب منفتح على المستقبل كي تتحمل الأجيال تلو الأجيال مسؤولية قيادته وفق ضوابطه الفكرية والسياسية والتنظيمية كي تجده البلاد دوماً على أتم استعداد ليستمر في خدمتها.

هذا حزب يحتاج اليه المغرب مهما كانت الظروف .. حزب التقدم والاشتراكية المتبصر، المعطاء، الشجاع، المستقل، المستشرف للمستقبل، والمحمل بقيمته المضافة المتميزة التي يحتاج اليها الوطن".