هزت المذابح  الدامية التي روّعت الناصرية في الأيام الماضية ، وأدت الى استشهاد ١٠ على الاقل من المتظاهرين واصابة اكثر من ٢٥٠ آخرين .. هزت العراق من اقصاه الى اقصاه، وبيّنت من جديد وجوب تشديد الضغوط لوقف هذا الاستهتار بدماء المتظاهرين وارواحهم، وهذا التجاهل المطلق لمطالب الناس ولحقهم الدستوري في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي.

 وقد جاء هذا التطور تتويجا لعمليات قمع شرسة للمتظاهرين في المدينة شهدتها الايام السابقة، ولسلسلة طويلة من الاعتداءات والاختطافات والتغييبات التي تعرض لها نشطاء الاحتجاجات في العديد من المدن والمناطق الاخرى ايضا.

هكذا يتواصل  الرد الحكومي على الحراك الاحتجاجي الذي يستعيد زخمه وقوته، وعلى احتضان الناصرية الصامدة انطلاقته الجديدة من قلب العوامل والأسباب التي تديم الغضب الشعبي وحالة التذمر والسخط .

وليس محض صدفة ان الحراك الشعبي تصاعد في هذه الأيام بالذات، مع حلول ذكرى ٢٥ شباط ٢٠١١  يوم انطلاق التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية الواسعة بشعاراتها ومطالبها العادلة، التي عاود المتظاهرون رفعها في انتفاضتهم في تشرين الأول ٢٠١٩، وأضافوا اليها وما زالوا يبحثون عمن يحترم مشروعيتها ويلبيها.

لا غرابة اليوم في ان يتصاعد الغضب الشعبي ما دامت مطالب الانتفاضة في محاسبة القتلة ومن يدعمهم واحالتهم الى العدالة، وإنصاف عوائل الشهداء، والكشف عن مصير المغيبين، تواجه حتى الآن بالاهمال، فيما تستمر حملات القمع و القتل العمد وملاحقة النشطاء وتفجير منازلهم واختطافهم وتغييبهم، وفيما لَم تشهد البلاد اية خطوات جادة للتغيير ، ولنبذ منهج المحاصصة ومكافحة الفساد ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب،  وتوفير الخدمات وفرص العمل  ولقمة العيش الكريمة للمواطنين.

ان أوضاع بلدنا المأزومة سياسيا واقتصاديا وماليا وصحيا وأمنيا، وتداعياتها، تلقي بظلالها الثقيلة على حياة المواطنين وتفاقم أوضاعهم يوما بعد اخر. ومن المؤكد ان هذه الأوضاع مرشحة للمزيد من التدهور، طالما ظلت القوى المتنفذة منشغلة بالتدافع على مواقع السلطة والنفوذ والمال، ومصرة على التمسك بالمنهج الفاشل ذاته. وهذا ما يدفع اعدادا متزايدة من المواطنين الى الدفاع عن حقهم في الحياة والامان والعيش الكريم، عبر مختلف اشكال الاحتجاج السلمي التي ضمن لهم الدستور الحق في ممارستها.

ان مشاكل البلد ومعاناة المواطنين لا تحل بالافراط في استخدام القوة والقمع الدموي، وان التصعيد في وتيرة العنف الحكومي وغير الحكومي لن يزيد الأمور الا تدهورا، وقد يضطر المواطنين الى الرد باشكال غير معتادة وبمديات غير متوقعة  .

ان هذه التطورات المدانة والمقلقة لا تبعث برسائل اطمئنان بشان تهيئة مستلزمات اجراء الانتخابات  في مواعيدها المعلنة ، والتي أرادها  المنتفضون وطالبوا بها لتكون مدخلا للتغيير المنشود .

اننا اذ نحذر من انزلاق الأوضاع  وتفاقمها جراء التعنت والإصرار على سفك الدماء،  وعدم الاستجابة لتطلعات المواطنين المشروعة، نطالب بالوقف الفوري للعنف ضد المتظاهرين وعموم المحتجين ونشطائهم، وبالاستجابة السريعة لمطالبهم  في الناصرية وفي غيرها من محافظات الوطن .

المجد للشهداء والشفاء للجرحى

والنصر لارادة شعبنا

 ٢٧-٢-٢٠٢١