الازمة الاقتصادية والمالية التي تعصف ببلادنا ليست وليدة اليوم، والحكومة ومن دعمها وساهم في تشكيلها وصوّت لها في مجلس النواب، يعرفون ذلك جيدا.
والمتابع للخطوات المتخذة في شأنها حتى الان يلاحظ انها لا تعالجها، وانما تمس قشورها وتعكس عدم ادراك لابعادها. فما زال هناك من يمني النفس بارتفاع أسعار النفط وعودة الامور الى سابق عهدها، بمعنى المزيد من تبذير المال وهدره بالسرقة والمشاريع المتلكئة او الوهمية، وبتضخيم امتيازات افراد ومجموعات وفئات، وبالتوظيف السياسي والانتخابي وشراء الذمم. والغريب ان يصدر والحال كذلك تصريح يعلن ان اللجنة العليا لمكافحة الفساد أوقفت عملها. هكذا فجأة وقبل ان تصل الى أي من ملفات حيتان الفساد، كما قال نواب.
ولمن لم يدرك بعد مخاطر الازمة، نقول بصوت عال ومسؤول انها ابعد من ان تحل بقرض، او بدعم من هذا المصرف او ذاك، او بالاستحواذ على ما تبقى من رصيد البنك المركزي. فهذه كلها قد تعالج ظرفا طارئا، لكنها ليست الحل لأزمة متراكمة، مركبة ومتعددة الابعاد.
والازمة القائمة لا تعالج أيضا بمنهج وإدارة وطريقة تعامل ثبت حتى الان فشلها، ولن يقود الاصرار عليها الا الى المزيد من المشاكل والتعقيدات.
ان التشبث بالمنهج الفاشل ذاته او تلطيفه بكلمات معسولة هو مضيعة للوقت والجهد والمال، فيما المواطن يريد رؤية ضوء يبدد ولو بعض الظلام المخيم، والقلق الذي ينتابه إذْ يرى ملايين الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية ، ممن كانوا يحسدون على “الراتب المضمون”، اصبحوا الان ورواتبهم في مهب الريح. ويصل عدد هؤلاء وفق التقديرات المتواضعة الى ٧ ملايين، وهم يحركون سوقا يشمل حوالي ٢٥ مليون مواطن.
فأي عبث هذا الذي يجري اليوم، إذ الحكومة ووزارة المالية كمن أدمن الاقتراض الداخلي او الخارجي؟!
إن الحلول متوفرة وقد قيل عنها الكثير ومنذ مدة طويلة ، لكن من بيدهم القرار السياسي والاقتصادي صمّوا آذانهم.
ويبقى المواطن يطرح الأسئلة المرتابة عن حجم واردات العراق، وسبب عدم الكشف عنها بشفافية، وعدم السعي الى تعظيمها. كما يتساءل عما اتخذ بشأن استرداد الأموال المسروقة، ومراجعة عقود التراخيص، واستعادة الديون المتراكمة بذمة شركات الهاتف النقال، وواردات الموانئ والكمارك والمنافذ الحدودية، وعائدات مبيعات الوقود داخليا، وإيرادات الضرائب وعقارات الدولة والوزارات المختلفة.
كما يتساءل: هل اعيد النظر برواتب الرؤساء والوزراء والنواب وبقية الدرجات الخاصة والقضاء والسلك الدبلوماسي، وهل قلصت النفقات العامة وحمايات المسؤولين ومن ليست لهم مناصب حكومية من المتنفذين ؟ وما اذا الغيت الامتيازات والمخصصات الخيالية خصوصا في المنطقة الخضراء؟ وهل قلصت اعداد السيارات ومصاريفها؟ وهل فرضت الضريبة التصاعدية على المداخيل؟ وهل جرى الحد من الفساد؟ وأين هي الأموال المستردة؟ وهل اوقفتهم نزيف العملة العراقية وتهريبها المتواصل الى الخارج؟
وتتوالى الأسئلة وما اكثرها، بحثا عن إجابات مقنعة!
نعم، قبل ان تفكروا بالاقتراض أجيبوا على هذه وغيرها من اسئلة الناس الملحة.
فالمواطن الذي تكبر همومه وتتنغص حياته وتتعسر معيشته، تكبر ايضا هواجسه وشكوكه.
ويبقى قوت المواطن خطا احمر يحترق بناره كل من يقترب منه!