وعودة الوجوه الكالحة الى سدة الحكم سيغلق الباب في وجه التغيير السلمي الديمقراطي

"طريق الشعب"

أقامت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في استراليا ندوة عامة بمدينة سيدني يوم الأحد 25 آذار 2018 بعنوان "تطورات الوضع السياسي في العراق والتحالفات الأنتخابية"، استضافت فيها الرفيق سلم علي، عضو اللجنة المركزية ومسؤول العلاقات الخارجية، حضرها جمهور كبير من بنات وابناء الجالية العراقية، الى جانب ممثلي بعض الأحزاب العراقية والعربية والمنتديات الأجتماعية والثقافية. وجرى بث وقائع الندوة بشكل مباشر عبر الانترنت ومواقع التواصل الأجتماعي.

افتتحت الندوة بالوقوف دقيقة صمت حداداً على شهداء الحزب والشعب والحركة الوطنية، شهداء ابناء القوات المسلحة ومتطوعي الحشد الشعبي والبيشمركة، والرفاق الذين رحلوا عنا في الفترة الماضية.

وبعد ان رحب مدير الندوة الرفيق قاسم عبود بالحضور، بادر الرفيق الضيف بتقديم التهاني الى الجالية العراقية بعيد نوروز، عيد الفرح والمحبة للشعب الكردي، وبعيد البنجة للأخوة الصابئة المندائيين وعيد المرأة العالمي وعيد الأم وعيد الفصح للأخوة المسيحيين، وعيد ربيع الحركة الوطنية،31 آذار، الذكرى الـ84 لميلاد حزبنا الشيوعي العراقي، عيد كل العراقيين الوطنيين والديمقراطيين من ابناء شعبنا الطامحين الى الحرية والحياة الكريمة في دولة مدنية ديمقراطية على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية.

تطرق الرفيق سلم في بداية حديثه الى أهم التطورات الاخيرة، وتشكيل وتفكك تحالفات عدة، مشيراً الى ان التحالفات الانتخابية موضوع حيوي خصوصاً انه بدأ العد التنازلي للانتخابات البرلمانية التي ستجري في 12 ايار. واوضح ان تحالف "سائرون" هو الشىء الجديد الأبرز الذي يستأثر بالاهتمام في المشهد الأنتخابي وفي المشهد السياسي عموماً، وهو يضم حزبنا الشيوعي وحزب الأستقامة الوطني المدعوم من التيار الصدري واحزاباً أخرى ذات طابع ليبرالي. بعدها قدم لمحة سريعة لأبرز معالم المشهد السياسي والذي جرى على خلفيته تشكيل تحالف "سائرون"، حيث اعتبر ان ذلك هو المدخل الأسلم لفهم المقدمات التي أدت لتشكيل هذا التحالف الانتخابي، فمن شأن ذلك ان يضع هذا الحدث في السياق الصحيح ويقدم الأجابة على الكثير من التساؤلات المشروعة التي اثارها التحالف، من منطلق ان كل جديد يستأثر موضوعياً بإهتمام الناس. ومن ضمنها اسئلة من قبيل: ما الذي جمع بين "اضداد عقائدية"، بين المدني والاسلامي؟ كيف يمكن لهذا التحالف ان يحدث تغييراً في الوضع بمواجهة قوى متنفذة مهيمنة، تحت تصرفها موارد الدولة واجهزتها وما نهبته من المال العام خلال سنوات تسلطها منذ عام 2003؟

بعدها تناول الرفيق برنامج تحالف "سائرون" والضغوط  الداخلية والخارجية التي يتعرض لها. وقال "اذا كان هذا التحالف هو الشىء الجديد الوحيد في خريطة التحالفات السياسية عشية الانتخابات القادمة في 12 ايار، فهذا يعني ان بقية التحالفات التي تشكلت، وبالأخص الكبيرة، ولا تتعدى الخمسة، هي في الغالب إعادة انتاج لتحالفات سابقة ذات هوية طائفية او اثنية". واضاف انه "لا يغير من هذه الحقيقة كون ان بعضها يستخدم احيانا كثيرة عناوين وشعارات مدنية لاخفاء هويته الحقيقيةً".

وقدم الرفيق مداخلة ضافية عن الوضع السياسي الذي لا يزال يتميز بانسداد أفق حل الأزمة البنيوية المستعصية على كل الصعد، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية، واصرار المتنفذين على مواقفهم ونهجهم، نهج المحاصصة والطائفية السياسية والفساد، واستمرار التدخلات الخارجية، الأقليمية والدولية، والتجاوزعلى السيادة الوطنية. وقال ان الحلول الترقيعية للاصلاح التي طرحها رئيس الوزراء في اواخر 2016 سرعان ما تبخرت، بل شهدنا هجوماً مضاداً شرساً من القوى المتنفذة، وصولاً الى ابقاء المنظومة الانتخابية الجائرة دون تغيير يذكر، باعتماد قانون سانت ليغو 1,7، من اجل إعادة تقاسم الحصص والمغانم.

واعتبر ان الانتصار العسكري على داعش وتحرير الموصل ومناطق اخرى من سيطرة هذا التنظيم الارهابي لم يغير شيئاً من قتامة هذا المشهد، على رغم ان هذا الانتصار الكبير تحقق بفضل تضحيات وبسالة القوات المسلحة ومتطوعي لحشد لشعبي والبشمركة والتأييد الشعبي الذي حظيت به. وقال ان هذا الانتصار قدم مثلاً ودليلاً على ان الوحدة الوطنية كانت العامل الحاسم في تحقيقه، في مقابل السياسة الطائفية والفساد الذي كان سبباً رئيساً في انهيار الجيش امام داعش. وكان يفترض ان يكون هذا درساً بليغاً من اجل اعادة بناء الجيش والقوات المسلحة على اساس المهنية والولاء للوطن. لكن بدلا من استخلاص هذا الدرس ومحاسبة المسؤولين عن انهيار الجيش واحتلال الموصل وثلث اراضي العراق قبل داعش في حزيران 2014، والمسؤولين عن مجزرة سبايكر التي راح ضحيتها 2000 شهيد، نجد ان البعض سعى الى تجيير هذه الانتصارات العسكرية لحسابات سياسية ضيقة واهداف انتخابية مفضوحة تحت ستار الحديث عن استحقاقات سياسية لهذا الانتصار.

واشار الى التركة الثقيلة للحرب داعش، وعشرات الاف القتلى والمفقودين، و 3 ملايين و200 الف من النازحين في مخيمات اللاجئين والمشردين داخلياً، وما يعنيه ذلك بالنسبة الى الانتخابات القادمة، وحرمان 600 الف طفل من التعليم خلال فترة احتلال داعش، والدمار والخراب في الموصل. واشار الى محاولات التغيير الديموغرافي في المناطق التي تم تحريرها، وذلك لخدمة أجندات سياسية. واوضح موقف الحزب الشيوعي الذي اعتبر ان الانتصار العسكري لا يمثل نهاية الارهاب، فالقضاء عليه يتطلب منظومة متكاملة من الاجراءات، وان من الأولويات تحقيق المصالحة الاجتماعية وليس عقد مؤتمرات استعراضية للمصالحة الوطنية. فمن دون ذلك سيبقى خطر عودة الارهاب وبروز تنظيمات ارهابية جديدة ماثلاً.

وتطرق الى استمرار تدهور الوضع الاقتصادي رغم زيادة موارد النفط، وتعطل 6 آلاف مشروع اقتصادي، والبطالة المتفشية، ووجود 30% من السكان تحت خط الفقر، والوضع المزري للتعليم والخدمات الصحية والتلوث البيئي. وتحدث عن ميزانية 2018 وما كشفته من توجهات للسياسة الاقتصادية للحكومة.

ولفت الى المستويات العالية للتدهور الاقتصادي والمعيشي في محافظات الوسط والجنوب التي لم تعاني بشكل مباشر آثار الحرب ضد داعش، اذ تدفع هذه المحافظات وسكانها ثمناً باهضاً لانتخاب ادارات محلية فاسدة تابعة للاحزاب المتنفذة ورموزها. وهو ما يكشف زيف وعود هذه الاحزاب ايام الانتخابات والادعاء بأنها تدافع عن الدين والطائفة والمذهب بوجه "المدنيين والكفار والملحدين ..الخ" كما تزعق جيوشها الاعلامية.

واضاف ان الانتصار العسكري على داعش لا يمكن ان يخفي ضعف الحكام وتخاذلهم وخنوعهم اما التدخلات الخارجية الفظة، الاقليمية والدولية، في الشأن العراقي. وكان آخر هذه التدخلات التوغل العسكري التركي والتهديد باقامة المزيد من القواعد العسكرية في الاراضي العراقية وداخل اقليم كردستان، والتهديد الذي اطلقه في بغداد وامام مسؤولين عراقيين المستشار الايراني علي ولايتي، وردد صداه آخرون. وقد أدان الحزب الشيوعي العراقي، وكذلك تحالف سائرون، بقوة هذه التدخلات السافرة. وفاقمت هذه الاوضاع تداعيات الاستفتاء في الاقليم وايضاً تعمق أزمته والانقسامات الداخلية فيه.

نقطة الضوء الوحيدة

واشار الرفيق سلم علي الى ان نقطة الضوء الوحيدة في هذا المشهد القاتم هي الحركة الأحتجاجية الشعبية التي انطلقت في نهاية تموز 2015 ولا تزال متواصلة منذ قرابة سنتين وثمانية اشهر، وتمثل حدثاً فريداً في المنطقة والعالم. وان اهميتها السياسية تكمن في تحولها من مطالبة مشروعة بتحسين الخدمات الى تحدي النظام السياسي والطائفية والفساد والمطالبة باصلاح وتغيير حقيقي، فضلاً عن الحفاظ على سلميتها وطابعها المدني. فقد هزت دعائم هذا النظام وفضحت هشاشته وكشفت امكانية الخلاص منه، وان هناك امكانات كبيرة لدى شعبنا من اجل تحقيق التغيير لم تستنفد بعد.

واعتبر ان مساهمة التيار الصدري في الحركة الاحتجاجية منذ مطلع 2016 قدم دعماً كبيراً لها وأكسبها بعداً جماهيرياً أوسع، ومكّنها من ممارسة ضغط اكبر على مؤسسات الدولة والقوى الحاكمة والمتنفذة. وجاءت هذه المشاركة على أسس واضحة من التنسيق والتعاون تقوم على الاحترام المتبادل للخصوصية الفكرية والسياسية والثقافية للتيارين المدني والصدري.

وهذا يجيب على تساؤل يطرح حالياً عن خلفية تشكيل تحالف "سائرون" وكيف تم كسر الحواجز بين الأسلامي والمدني. فان تشكيل هذا التحالف لم يكن شيئا مفاجئاً بل هو احدى ثمار التعاون والتنسيق الذي تحقق في سوح التظاهر والحراك الاحتجاجي على مدى اكثر من سنتين.

التحالفات الانتخابية

واوضح الرفيق ان الحزب توصل في مؤتمره الوطني العاشر، المنعقد في نهاية 2016، الى ان إنسداد أفق حل الأزمة السياسية وإصرار المتنفذين على مواقفهم جعل التغيير ضرورة ملحة، وان التغيير يتطلب العمل على جمع وتوحيد الصف والمزيد من المبادرات والحراك في اتجاه تغيير ميزان القوى لمصلحة المشروع الوطني الديمقراطي. وان كسر احتكار السلطة والحلقة المفرغة وفتح الباب امام التغيير يقتضي التوجه الى اقامة اوسع ائتلاف مدني ديمقراطي والعمل على بناء كتلة وطنية كبيرة عابرة للطائفية.

وتناول مساعي الحزب لتشكيل تحالف "تقدم" للقوى الديمقراطية المدنية، الذي عقد مؤتمره التأسيسي في بغداد العام الماضي ومؤتمرات محلية في بعض المحافظات، ومواقف اطرافه خلال التفاوض مع حزب الاستقامة الوطني، المدعوم من التيار الصدري، من اجل تشكيل اصطفاف وطني جديد عابر للطائفية. وهو ما تحقق في إطار تحالف "سائرون" الذي اُعلن عنه في اواسط كانون الثاني الماضي بعد الاتفاق على مبادىء برنامجية تؤكد هويته الوطنية المدنية واهدافه في العمل من اجل الخلاص من المحاصصة والطائفية السياسية والفساد وبناء الدولة المدنية على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية. ويضم تحالف "سائرون" الحزب الشيوعي، حزب الاستقامة الوطني، التجمع الجمهوري، نداء الرافدين، حزب الدولة العادلة، حزب الشباب والتغيير، حزب الترقي والإصلاح، وحزب الأمة. أي ان اربعة من اطراف "تقدم" انضمت الى التحالف الجديد. كما اوضح الرفيق دور الأمانة العامة لـ"سائرون" التي تمثل هيئته القيادية، وآليات عمله التي تنص على ضمان الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي للقوى المؤتلفة فيه، وهو ما يعتبره حزبنا الشيوعي خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. وأكد في الوقت نفسه التزام الحزب الشيوعي بهذا التحالف ودعمه وبذل الجهود للحفاظ عليه والتصدي للضغوط التي تواجهه. كما اشار الى ان الحزب سيواصل تعزيز التيار الديمقراطي والتعاون التنسيق مع القوى المدنية الديمقراطية الاخرى بأشكال مختلفة، قبل الانتخابات وبعدها.

الانتخابات خارج الوطن

وعلى صعيد الانتخابات خارج الوطن، دعا الرفيق الى حث العراقيين على المشاركة الواسعة فيها، مؤكداً اهمية تأمين مراقبة فاعلة للعملية الانتخابية، بالاستفادة من تجارب الانتخابات السابقة، وفضح أي تلاعب وتزوير، وضمان حيادية السفارات لتقديم دعم نزيه وحيادي لأبناء الجاليات العراقية من اجل تسهيل مشاركتهم في الانتخابات وتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري والديمقراطي. كما حض على التعريف ببرنامج تحالف "سائرون" الانتخابي وحشد اصطفاف واسع لدعمه باعتباره تحالفاً واعداً يستجيب لتطلع شعبنا الى التغيير، ودعم مرشحي الحزب الشيوعي وحملته الانتخابية، من اجل إحراز تمثيل كبير في البرلمان يشكل رافعة لعملية الإصلاح والتغيير المنشودين 

واختتم الرفيق سلم علي حديثه قائلاً انه اذا ما اعادت هذه الانتخابات الى سدة الحكم نفس الوجوه الكالحة لتواصل النهج التدميري ذاته، وغلق الباب في وجه إمكان التغيير السلمي الديمقراطي للوضع القائم، فان التداعيات الوخيمة التي يمكن أن تنجم عن ذلك سيتحمل المسؤولية عنها المتنفذون الذين يتحكمون بمراكز السلطة والنفوذ. لأن فقدان الأمل في التغيير سيدفع الجماهير الساخطة، والتي حرمت من أبسط حقوقها طوال 15 عاماً، منذ 2003، الى اللجوء الى اساليب احتجاج أخرى. وآنذاك سيكون ما شهدته "المنطقة الخضراء" من احتجاجات شعبية لاشئ بالمقارنة مع ما ينبىء به السخط المتنامي للجماهير الغاضبة.

بعدها أُعطي المجال للحضور لتقديم مداخلات وتوجيه اسئلة، وجرت الاجابة عليها بتفصيل. وانتهت الندوة، التي استمرت حوالي ساعتين ونصف الساعة، بتقديم الشكر للرفيق سلم علي.