الرفاق الاعزاء

انقل اليكم أحر التحيات من حزبنا الشيوعي العراقي وقيادته وتمنياتها بنجاح اعمال هذا اللقاء ليكون نقطة انطلاق لأحزابنا الشيوعية من اجل الإسهام في تطوير قدراتها وتعزيز دورها لاستنهاض شعوبنا وقواها الوطنية والتقدمية وتعبئتها في مواجهة التحديات الكبيرة الراهنة وتحقيق اهداف حركة التحرر الوطني، والإسهام الفعّال، الى جانب الاحزاب الشيوعية والعمالية الشقيقة في المنطقة وعلى الصعيد العالمي، في بناء جبهة عالمية ضد العولمة النيوليبرالية والامبريالية، ومن اجل السلام والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.

كما نعبّر عن الشكر والتقدير العالي لرفاقنا الاعزاء في الحزب الشيوعي اللبناني لاستضافتهم الكريمة لهذا اللقاء وسعيهم الدؤوب الى تهيئة مستلزمات انعقاده وانجاز اعماله. ونأمل ان يكون بداية لانتظام هذه اللقاءات، التي توقفت منذ آخر اجتماع عقد في 2010، وتوسيع المشاركة فيها، والتوصل الى آلية فاعلة للتنسيق والتعاون بين احزابنا على مستويات عدة، كي لا تبقى هذه اللقاءات هدفاً بحد ذاته.

الرفاق الاعزاء

ان التطورات الخطرة التي شهدتها منطقة الخليج مؤخراً وتصعيد ادارة ترامب للتحشدات العسكرية ومساعيها الى تشديد الحصار الاقتصادي على إيران عبر مجموعة من العقوبات المفروضة من جانب واحد، ومن دون غطاء دولي، وبعد تنصلها من الاتفاق النووي، وتواصل إطلاق تصريحات غير مسؤولة من الجانبين، يزيد من مخاطر تفجر حرب أخرى في المنطقة ستكون لها نتائج كارثية. وستكون شعوب المنطقة الضحية الاولى والرئيسة لها، فهي ستفاقم من معاناتها وتجلب لها المزيد من الخراب والدمار، ليضاف الى الخسائر الجسيمة في الارواح جراء الحروب المتواصلة وجرائم الارهابيين والصراع على السلطة وتدخلات القوى الامبريالية والاقليمية الرجعية، مثلما يحصل في سوريا واليمن وليبيا.

لذا ندعو هذا اللقاء الى اطلاق نداء عاجل للقيام بمبادرات شعبية وسياسية، يُدعى للإسهام فيها أوسع طيف من قوى اليسار والقوى الوطنية والمدنية الديمقراطية، تحت شعار "لا للحرب.. نعم للسلام"، من اجل نزع فتيل الحرب والجنوح الى السلم والحوار والتفاوض، وعدم الترويج لما يمكن ان يشعل المنطقة ويلحق أفدح الخسائر بها وبشعوبها. ونشدد في الوقت ذاته على حق شعوب المنطقة بأن تختار انظمتها السياسية وفق ارادتها الحرة من دون حروب وعقوبات اقتصادية وحصار.

ونشير بهذا الصدد الى ان تظاهرات كبيرة خرجت في بغداد ومحافظات عدة في 25 ايار الماضي، رفعت هذا الشعار، احتجاجاً على التصعيد والعسكري والإعلامي بين ايران وامريكا. ودعا المتظاهرون الحكومة والقوى السياسية الى التزام الحياد وكبح جماح المنتفعين من هذا التصعيد، من الخارجين على القانون والفاسدين.

ان من الحكمة والعقل ان تراعى مصالح شعوب المنطقة جميعاً، وان يتم التوجه نحو إطفاء الحروب المشتعلة الآن، واللجوء الى الحوار والتفاوض، وان تراعى إرادة الشعوب وتطلعها الى حياة مستقرة آمنة كريمة.

ولابد ان يشار الى ان هناك من يتحين الفرص لصب المزيد من الزيت على النيران الملتهبة في المنطقة، ويسعى الى خلط الأوراق لحسابات خاصة به، وفي مقدمة هؤلاء حكام اسرائيل. وتسهم هذه التطورات في توفير ظروف مؤاتية لسلطة الاحتلال الصهيوني، وبدعم سافر من ادارة ترامب وتواطؤ مكشوف من الانظمة الرجعية العربية، للمضي قدماً في تنفيذ مؤامرة "صفقة القرن" الامريكية – الصهيونية لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني ومصادرة حق العودة وحل الدولتين، وحقه في اقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. وجاء في هذا السياق اعلان الادارة الامريكية الاعتراف بسيادة دولة الاحتلال الاسرائيلي على هضبة الجولان السورية، في انتهاك صارخ للشرعية الدولية.

إن التضامن مع الشعبين الفلسطيني والسوري في مواجهة العنجهية الامريكية وذيلها الاسرائيلية، هو تضامن أممي لحماية السلم العالمي، وضمان حق الشعوب كافة في العيش بأمان ونيل حقوقها المشروعة، والتمتع بالحريات الديمقراطية والحياة الدستورية والحفاظ على السيادة الوطنية .كما نضم صوتنا الى اصوات القوى الوطنية في المنطقة التي اعلنت تأييدها للمطلب الفلسطيني بمقاطعة ما يسمى بـ"ورشة العمل" الاقتصادية التي دعت الادارة الامريكية الى عقدها في البحرين والعمل على الغائها، باعتبارها احدى الحلقات التآمرية لـ"صفقة القرن".

الرفاق الاعزاء

ان الاوضاع والتطورات الاخيرة، وتصاعد نذر حرب كبرى في الخليج الى جانب تزايد عنجهية اسرائيل، واستمرار الحروب العدوانية والنزاعات المسلحة ونشاط التنظيمات الارهابية في العديد من بلدان المنطقة، ينبغي النظر اليها باعتبارها حلقات مترابطة في مخططات القوى الإمبريالية، وبالأخص الامريكية، ومحاولات إعادة العالم الى اجواء الحرب الباردة وسباق التسلح، واستخدامها العقوبات الاقتصادية والسياسية على نطاق واسع وتصدير السلاح، خصوصاً الى منطقة الشرق الاوسط، لإدامة الهيمنة عليها والتحكم بثرواتها وتعميق النزاعات على أسس طائفية واثنية والتفكك الداخلي لمجتمعاتها. وتسهم هذه السياسات في تهيئة ارضية خصبة لنمو الحركات اليمينية المتطرفة والفاشية والارهابية التي تهدد ايضاً السلم العالمي.

كما تندرج في هذا السياق المساعي المتواصلة لإدارة ترامب الى بناء تحالف استراتيجي في الشرق الاوسط، يُطلق عليه "حلف الناتو العربي"، وهو تحالف أمني وسياسي في المنطقة مع السعودية وبقية دول الخليج ومصر بذريعة مواجهة توسع إيران.

وكشفت التطورات في السودان، في مجرى الانتفاضة الشعبية الباسلة ضد الدكتاتورية التي انطلقت في اواخر العام الماضي، وصولاً الى المجزرة التي نفذها مؤخراً المجلس العسكري الانقلابي بفض الاعتصام الجماهيري السلمي في الخرطوم في محاولة بائسة لقمع الثورة، مدى الدعم الذي قدمه اطراف التحالف الرجعي العربي لهذا المجلس العسكري لتكريس سلطته وللابقاء على دوره في الحرب القذرة في اليمن. 

كما تؤكد هذه الحقيقة وغيرها ان تدخلات القوى الاقليمية في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة، وهي من دون استثناء قوى ¬رجعية معادية للديمقراطية ومعادية للشيوعية، تخدم مصالح الامبريالية وتسهم في تنفيذ وتمرير مخططاتها.   

وفي هذا السياق، ندعو الى تصعيد التضامن مع الكفاح المجيد للشعب السوداني الثائر والحزب الشيوعي الشقيق، ودحر خطط الثورة المضادة، حتى تحقيق الانتصار التام وبناء سودان جديد مدني ديمقراطي يرفل بالسلام والاستقرار والعدالة الاجتماعية.

كما نحيي الحراك الشعبي المتواصل في الجزائر وما حققه حتى الآن بإزاحة رموز الاستبداد والفساد، ونؤكد تضامننا معه. ان ثورة السودان والحراك في الجزائر يقدمان الكثير من العبر والدروس، ومآثر تلهم شعوب المنطقة لانتزاع حقوقها وتحقيق التغيير المنشود من اجل غد وضاء ومزدهر.

لقد أكدت تجارب شعوب البلدان العربية مراراً على الترابط الوثيق بين النضال من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان والتقدم الاجتماعي والنضال ضد الامبريالية والاحتلال الاسرائيلي ومن اجل السلام.

ولا يزال الدرس الأساسي المستخلص من تقييم احزابنا الشيوعية لهزيمة حزيران 1967، قبل 52 عاماً، يحتفظ بحيويته. اذ لا يمكن تعبئة الشعوب للتصدي لمخططات الامبريالية ودحر الاحتلال الاسرائيلي وانجاز مهمات التحرر الوطني في غياب الديمقراطية وفي ظل انظمة حكم رجعية واستبدادية تابعة للامبريالية ومرتهنة لها. لذا فان النضال المثابر ضد الانظمة الدكتاتورية والرجعية ولتحقيق البديل الوطني المدني الديمقراطي والعدالة الاجتماعية شرط أساسي لتعبئة الشعوب العربية من اجل دحر مخططات الامبريالية لفرض الهيمنة على المنطقة ومواصلة نهب ثرواتها وزج شعوبها في أتون حروب اقليمية ودعم الارهاب والجماعات الدينية المتطرفة، ولانهاء الاحتلال الصهيوني وانتصار القضية العادلة للشعب الفلسطيني.  

كما ان النضالات الشعبية والمطلبية، دفاعاً عن حقوق الشعب والشغيلة ومكتسباتها، ومن اجل الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان، تسهم في رفع مستوى الوعي السياسي والاجتماعي وتتجاوز الانقسامات الاثنية والطائفية، وبالتالي تعزز من الهوية الوطنية الجامعة والوحدة الوطنية لشعوبنا. 

ان احزابنا الشيوعية، ومعها قوى اليسار والتقدم والديمقراطية في المنطقة، تواجه اكثر من أي وقت مضى مهمة تعزيز إسهامها في معركة التغيير السياسي الديمقراطي في العالم العربي، وإعلاء شأن قيم الاستنارة والعقلانية والديمقراطية والحوار في المجتمع.

ولمواجهة هذه التحديات والنهوض بالمهمات التاريخية، يتوجب التوصل بصورة جماعية، وعبر حوارات جادة وصريحة ومنفتحة ومبدئية، ذات طابع فكري وسياسي، إلى رسم التوجهات الاستراتيجية والتكتيكية الكفيلة بالارتقاء بوحدة عمل القوى اليسارية والديمقراطية، وتوسيع دائرة ائتلافاتها، لخلق موازين قوى مؤاتية لنضالها ولتحقيق مشروعها.

ختاماً، نعبّر عن امتنان حزبنا لتضامن العديد من الاحزاب الشقيقة مع الشعب العراقي وقواه الديمقراطية ومع حزبنا الشيوعي، خصوصاً بعد الاعتداءات الجبانة التي استهدفت مؤخراً مقراته في الناصرية والبصرة. ان ان هذه المشاعر التضامنية النبيلة تزيد الشيوعيين العراقيين عزماً واصراراً على مواصلة النضال من اجل الاصلاح والتغيير، للخلاص من المحاصصة الطائفية والفساد، ودحر الارهاب والقوى الرجعية والتدخلات الخارجية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

*   قدمها الرفيق  سلم علي عضو اللجنة المركزية